من مقدمة ألمؤلف:
لقد تأملت خلال سنوات في وضع مؤلف قصير ومفهوم، يمكن قراءته في عدة ايام. غير أنّ تواصل ألقراءة يكشف بإمتياز ألوحدة ألأساسية للمظاهر ألدينية وإنّ قاريء مثل هذا ألكتاب سيوضع بحضرة ألأناشيد ألفيدية للبراهمانيين وألأوبانيشاد وسيلقي نظرة على ألافكار وألمعتقدات لأناس ألعصور ألحجرية ألأولى، ولشعوب ما بين ألرافدين ومصر، سيكتشف سنقارا وألثانثرية وميلاريبا وألإسلام وبزوغ زارادشت وغوتامابوذا وألتاوية وحول ألأسرار ألهيللنسية وأنطلاقة المسيحية وألغنوصية وألكيمياء أو ميثولوجيا ألغرال…..
إنّ هذا ألكتاب ألقصير وألمفهوم لم يكتب بعد وفي هذه ألوهلة أقنعت نفسي بتقديم كتاب بثلاثة أجزاء.
بأستثناء بعض ألفصول، فإنّ هذا ألكتاب يستجمع دروس تاريخ الأديان ألتي أعطيتها، منذ 1933 إلى 1938 في جامعة بوخارست، وفي مدرسة ألدراسات العليا في 1946 وفي 1948 وحتى 1956 في جامعة شيكاغو.
ميرسيا إلياد
جامعة شيكاغو – أيلول 1975
قراءات في تاريخ ألمعتقدات وألأفكار ألدينية – ألشيعية وألتأويل ألباطني:
(( إنّ وحدة ألجماعة ألإسلامية (ألأمة) فقدت على أثر ألأنفصال بين ألسنة وألشيعة، ألتي كانت تدّعي بأنّ ألخليفة ألحقيقي ألأول هوألإمام علي بن أبي طالب. وإضافة لذلك ” فمنذ وقت مبكر توزع ألإسلام إلى مذاهب متعددة جدا وإلى مدارس غالبا ما كانت تتصارع وحتى أنّها تدين بعضها بألتناوب، وكل واحد منها يدّعي أنّه المالك ألمتميز للحقيقة ألعليا، وقد زال كثير منها عبر ألتاريخ، وفي ألإمكان زوال غيرها، ولكن كثير من هذه ألمذاهب ” وغالبا ألأكثر قدما” قد أستمر حتى أيامنا بحيوية بارزة مصمما بجد على ألأستمرارية وعلى متابعة ألأغتناء بمعطيات جديدة، وبكمية من ألمعتقدات وألأفكار ألموهوبة من قبل ألأجداد.
إنّ ألجماعة ألسنية مثّلت وما زالت تمثّل غالبية ألإسلام، وهي تتميز بدئيا بألأهمية ألمعطاة للتفسير ألحرفي للقرآن وألسنة، بألدور ألرئيسي للشريعة، ولكن نطاق ألشريعة أكثر أتساعا من ألأنظمة ألقانونية من ألنموذج ألغربي.
فمن جهة هي تنظم ليس علاقات ألمؤمن مع ألجماعة وألدولة فحسب، وإنّما أيضا مع ألله وضميره ألخاص. ومن جهة أخرى فإنّ ألشريعة تمثل ألتعبير عن ألإرادة ألإلاهية، كما أوحي بها إلى نبي ألإسلام محمد.
وفي ألواقع بألنسبة للمذهب ألسني فإنّ ألشريعة وألفقه متضامنان ومصدرهما هو تفسير ألقرآن وألسنة ألمؤسسة على نشاط وكلمات ألرسول، وألإجماع أو إتفاق شهادات صحابة ألنبي محمد أضافة فإنّ من بين مصادر ألشريعة ألقياس وأعتبر ألإجتهاد كألطريقة ألتي يتوصل بها لهذا ألقياس.
غير أنّ ألنصوص قابلة لتفسيرات شتى، مبتدئة بألأكثر وضوحا (ألتفسير ألحرفي).
وحسب قول صهرألنبي محمد، علي بن أبي طالب، ألإمام ألأول: ” لا يوجد آية قرآنية إلّا ولها أربع معاني: ألظاهر وألباطن وألحد وألمشروع ألإلاهي”.
فألظاهر هو من أجل ألتلاوة ألشفهية، وألباطن هو من أجل ألعلم ألداخلي، وألحد هو ألتلاوة ألمقيّمة للحلال وألحرام، وألمشروع ألإلاهي هو ما قصد ألله تحقيقه في ألإنسان بواسطة كل آية ( نظرية ألمعاني في أللاهوت ألمسيحي للقرون ألوسطى هي : ألمعنى الحرفي، وأللاهوتي، وألأخلاقي وألمشابه).
وهذا ألمفهوم هو خاص بالشيعة، ولكنه موزع بين عدد من ألمتصوفين وألإشراقيين ألمسلمين. وحسب حديث معتبر يعود للرسول ذاته” ألقرآن له ظاهر خارجي وعمق مخبأ، معنى ظاهري ومعنى باطني”.
إنّ ألفكرة ألحقيقية تتطلب ألمعلمين ألملقنين والأدلاء ألروحانيين بإمتياز، وهم ألأئمة. وفي ألواقع، إنّ واحدا من أكثر ألتفاسير ألروحية قدما للقرآن يوجد في ألتعليم الباطني ألمعطى من قبل ألائمة لتلامذتهم، وهذا ألتعليم قد نقل بأمانة وبشكل مدونة ضخمة ( خمسة وعشرون جزءا في طباعة ألمجلسي).
وألتفسير ألمقدم من ألأئمة والكتّاب ألشيعة مؤسس على تكاملية مصطلحين جوهريين: ألتنزيل وألتأويل. فألأول يدل على الدين الإيجابي أي حرفية ألوحي ألمتنزل من ألملأ ألأعلى بناء على إملاء ألملاك. وعلى ألعكس فإنّ ألتاويل يرجع للأصل أي للمعنى ألحقيقي وألأصلي للنص ألمقدس.
وخلافا لآراء ألأصوليين فإنّ ألشيعة يقدرون أنّه بعد ألنبي محمد بدأ دور جديد هو دور ألولاية “محبة،حماية”. إنّ “محبة” ألله تكشف للأنبياء وألأئمة ألدلالات ألسرية للكتاب وألسنة، ومن هنا، تجعلهم قادرين لتلقين ألمؤمنين في ألأسرار ألإلاهية.
” تحت هذا ألمظهر، فإنّ ألشيعية هي عرفان (غنوص) ألإسلام. إنّ دورة ألولاية هي إذن دور ألإمام ألوارث للرسول، أي ألباطن ألتابع للظاهر، وبعبارة أخرى ألحقيقة ألتابعة للشريعة”. والحقيقة إنّ ألأئمة ألأوائل أرادوا ألحفاظ على ألتوازن بين ألدين ألإيجابي و”ألفكرة” دون حل ألباطن عن ألظاهر، ولكن ألظروف قد حالت دون الحفاظ على هذا ألتوازن، وبألنتيجة ألوحدة للشيعة.
ونشير إلى ألتأريخ ألمأساوي لهذه ألحركة. فزيادة عن ألإضطهاد ألسياسي للخلفاء ألأمويين وخصومة فقهاء ألشريعة، فإنّ ألشيعية تحملت كثيرا من إنقساماتها ألداخلية ألخاصة. مثيرة ألعديد من ألشيع وألمذاهب. فبما أنّ ألرئيس ألديني كان ألإمام، أي منحدر مباشرة من ألإمام علي، فإنّ أزمة أنفجرت عند موت ألإمام ألسادس جعفر ألصادق (148 هجرية- 765 ميلادية). فإبنه إسماعيل ألذي سبق وقلّد من قبل والده، مات قبل ألأوان، وتجمع قسم من ألمؤمنين حول أبن هذا ألأخير محمد بن إسماعيل ألذي أعتبروه كإمام سابع، وهؤلاء هم ألإسماعيليون أو ألشيعة ألسبعية.
ومؤمنون آخرون أعترفوا بموسى ألكاظم كإمام سابع وهو شقيق إسماعيل، وهو أيضا قلد من قبل ألإمام جعفر ألصادق.
وأستمرت سلسلة نسبه حتى ألإمام ألثاني عشر محمد ألمهدي، ألمختفي سرا في عام (260هجرية – 874 ميلادية) وكان عمره عند إختفائه خمس سنوات، وفي أليوم نفسه ألذي مات فيه والده ألشاب ألإمام قبل ألأخير.
إنّ ألتجديدات للفرعين من ألشيعة بارزة وخاصة حول ألمخطط أللاهوتي، فقد شوهدت ألأهمية للباطنية وألغنوص (ألعرفان)، وحسب بعض علماء ألدين ألسنة وألكتّاب ألغربيين، أنّه فعلا بفضل ألتعليم ألسري للأئمة دخل ألعديد من ألمفاهيم ألغربية (خاصة، ألغنوصية وألإيرانية) ألإسلام ألشيعي، وعلى سبيل ألمثال، فكرة ألصدور أو ألإنبثاق ألإلاهي، في مراحل متتابعة، وإندماج ألأئمة في هذه العملية، والتقمص، وبعض النظريات ألكونية وألأناسية( ألأنثروبولوجية ).
وألجدير بالذكر أنّ ظواهر مشابهة تصادف في ألصوفية وألقبالة وفي تأريخ المسيحية. وإنّ ما يجب إبرازه في كل هذه الحالات ليس هو الفعل في ذاته، بخاصة ألأستعارة من ألأفكار وألطرائق ألروحية الاجنبية، وإنّما إعادة تفسيرها وإعادة تركيبها بواسطة ألأنظمة التي تمثلوها.
إنّ ألإمام بألنسبة للشيعة ألأثني عشرية، كما هو ألأمر بألنسبة للإسماعيليين، يصبح ألوسيط بين ألله وألمؤمنين، إنّه لا يقوم مقام ألنبي، ولكنه يكمل عمله ويشاطر إحترامه، وهذا مفهوم جريء وأصلي، لانّه يترك مستقبل ألتجربة الدينية مفتوحا، فبفضل ألولاية “محبة ألله” يستطيع ألإمام الكشف وألبيان للمؤمنين أبعادا مازالت غير مشكوك فيها من ألإسلام ألروحاني ))….. أنتهى ألأقتباس.
خاتمة:
الايمان بالاديان له سلبيات عديدة فهو سبب رئيسي للحروب وويلاتها،حروب بين الاديان المختلفة كحروب الفتح الاسلامي والحروب الصليبية والحروب بين اليهود والمسلمين في فلسطين والحروب الداخلية بين المذاهب المختلفة للدين الواحد كالحروب بين البروتستانت والكاثوليك في الماضي وبين الشيعة والسنّة في الحاضر وفي العراق بالذات وقد تقع حرب المذاهب بين الدول السنيّة والشيعية.
ولا ننسى العمليات الانتحارية الّتي يقوم بها المتطرفون الاسلاميون والّتي حصدت وتحصد وستحصد المئات من الارواح البريئة للاطفال والنساء والرجال اضافة الى الخسائر الماديّة، وكذلك المجازر الّتي نفذها المتطرفون الاسلاميون في الجزائر.
لقد اثبتت التجارب الإنسانية أنَّ العلمانية وفصل الدين عن الدولة هي احسن الخيارات امام الانسان للعيش بسلام في عالمنا، لذا فمن الافضل للانسانية أنْ يكون كلُّ إنسان حُرّاً في إختيار عقيدته ولا يحاول فرضها على ألآخرين بألقوّة أو بألإرغام، ولنا في تجربة مؤسس ألعلمانية في تركيا مصطفى كمال أتاتورك ومؤسس ألعلمانية في تونس ألحبيب بورقيبة خير مثال لنقتدي بهما ونتخلص من ألتطرف وألإرهاب ألإسلامي بشقيه ألسني وألشيعي.
في ألمقالة القادمة سنتناول بألبحث ألإسماعيلية وتمجيد الإمام وألبعث ألكبير وألمهدي.
مصادر البحث:
تأريخ ألمعتقدات وألأفكار ألدينية…… ميرسيا إلياد ألمترجم: عبدألهادي عباس