23 ديسمبر، 2024 9:10 م

قرأة متأنية في مشروع قانون الاحوال الشخصية الجعفري

قرأة متأنية في مشروع قانون الاحوال الشخصية الجعفري

الاحوال الشخصية وحسب ماورد في الموسوعة العربية الميسرة بانها مجموعة ما يتميز به الإنسان عن غيره من الصفات الطبيعية أو العائلية التي رتب القانون عليها أثراً قانونياً في حياته الاجتماعية مثل كونه ذكراً أو أنثى وكونه زوجاً أو أرمل أو مطلقاً أو أباً أو ابناً شرعياً أو كونه تام الأهلية أو ناقصها لصغر سن أو عته أو جنون أو كونه مطلق الأهلية أو مقيدها لسبب من أسبابها القانونية.  وقد ظهرت هذه العبارة ، مع اشتداد حركة التجارة وتنقل الأشخاص في بلدان أوروبا المختلفة في العصور الوسطى ، إذ كان لكل مدينة أو مقاطعة حكمها الذاتي وقوانينها الخاصة بها التي قد تختلف بكثير أو قليل عن أنظمة المدينة الأخرى. فكان لا بد للمشتغلين في الدراسات الحقوقية والفقهية من فصل بين حالات المرء المختلفة. فجعلوا للحالة الشخصية قوة تنتقل مع المرء حيثما ذهب، وترافقه كظله الذي لا ينقطع. وأطلقوا على ما يتعلق بالعقارات مثلاً الأحوال العينيه وأعطوها قوة تشدها إلى مكانها فتسري عليها دوماً أحكام ذلك المكان .
نسوق هذه المقدمة بمناسبة طرح مسودة قانون الاحوال الشخصية الجعفري والزوبعة التي ثارت حول هذه المسودة من قبل العديد من الجهات مما يستدعي قرأة متأنية لهذه المسودة من وجهة نظر قانونية بحته ومناقشة الانتقادات التي وجهت الى تلك المسودة .
ان اول تلك الانتقادات واكثرها تكرارا هو ان هذا القانون سوف يزيد من تقسيم العراق على اساس طائفي باعتباره يختص بطائفة واحدة وهي الطائفة الجعفرية وكما يشير الى ذلك اسم المسودة وفي الرد على هذا يثور السؤال هل ان قانون الاحوال الشخصية الحالي رقم 188 لسنة 1959 يوحد كافة اطياف وطوائف الشعب العراقي ؟
أﻥ ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ(١) ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ(٢) ﺃﺣﻮﺍﻝ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺗﻘﺮﺭ ﻣﺒﺪﺃ ﻋﺎﻡ ﻣﻔﺎﺩﻩ ﺍﻥ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻳﺴﺮﻱ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻲ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻓﻘﻂ ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻲ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻓﻴﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻨﺪ ﻋﺮﺽ ﺍﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻲ  قانون الاحوال الشخصية للاجانب ﺭﻗﻢ 78 لسنة 1931  استنادا للمادة 33 من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل (تختص محكمة البداءة بنظر المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت بشرط عدم المساس باصل الحق . وتختص كذلك بنظر مواد الاحوال الشخصية لغير المسلمين وللاجانب الذين يطبق عليهم في احوالهم الشخصية قانون مدني . ويكون حكمها فيما ذكر بدرجة اخيرة قابلا للتمييز ). ويتم ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻟﻠﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ ﻭﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﺑﻤﻮﺟﺐ ﻟﻮﺍﺋﺤﻬﻢ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﻓﻖ ﺩﻳﺎﻧﺎﺗﻬﻢ ﻭﺗﺨﺘﺺ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻗﻀﺎﻳﺎﻫﻢ ﻣﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﺒﺪﺍﺀﺓ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺇﻧﻬﺎ ﻣﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﺺ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻗﻀﺎﻳﺎﻫﻢ ﻭﺇﺻﺪﺍﺭ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﻭﻓﻘﺎﹰ ﻟﺬﻟﻚ ، كما ورد على سبيل المثال في المادة 12 من قانون تنظيم المحاكم الدينية للطوائف المسيحية والموسوية رقم (32) لسنة 1947(تنظر المحاكم والمجالس الطائفية في الدعاوي الاتي ذكرها الخاصة بالعراقيين المنتمين الى الطائفة التي تخصص لها المحكمة : النكاح والصداق والطلاق والتفريق والنفقة الزوجية خلا الامور الداخلة ضمن اختصاص المحاكم المدنية) .وكذلك تعليمات الاحكام والقواعد الفقهية لطائفة السريان الارثوذكس لسنة 1950 .
،فاذا كانا الزوجين مسلمين كان الاختصاص لمحكمة الاحوال الشخصية والصابئة واليزيدين من اختصاص محكمة المواد الشخصية أي محكمة البداءة لانهما اصبحا من الطوائف الدينية المعترف بها رسميا بموجب النظام رقم 32/681 منشور بالوقائع العراقية 2852 في 5/10/1981 وملحق هذا النظام المنشور في الوقائع العراقية عدد2867 في 18/1/1982 وكذلك بالنسبه للمسيحين واليهود فان محكمة البداءة هي المختصة في نظر الاحوال الشخصية المتعلقة بهم .
اذا فقانون الاحوال الشخصية الحالي للمسلمين العراقيين فقط دون غيرهم فهل تطبق نفس القواعد لجميع المسلمين العراقيين ؟ ونظرة بسيطة الى عقود الزواج تعطينا الجواب بالنفي حيث ان اتباع المذهب الجعفري يعتبرون المهر مستحق عند الطلب والميسره والمذهب السني عند اقرب الاجلين الموت او الطلاق والقاضي عند اي خلاف ينظر الى هذه العباره لحل الخلاف . والنتيجة ان العراقيين لايتعاملون فعليا بقانون واحد .
اذا عرضنا الامر على الدستور نرى ان قانون الاحوال الشخصية الحالي من القوانين التي اصبحت تتعارض واحكام الدستور حسب المادة 13 التي نصت على( اولاً :ـ يُعدُ هذا الدستور القانون الاسمى والاعلى في العراق، ويكون ملزماً في انحائه كافة، وبدون استثناء. ثانياً :ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع هذا الدستور، ويُعد باطلاً كل نصٍ يرد في دساتير الاقاليم، او أي نصٍ قانونيٍ آخر يتعارض معه) . وان بقائة نافذا لحد الان يستند الى نص المادة 130 من الدستور والتي تنص على (تبقى التشريعات النافذة معمولاً بها، ما لم تلغ أو تعدل، وفقاً لاحكام هذا الدستور). وقد نصت المادة 41 من الدستور على (العراقيون احرارٌ في الالتزام باحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون). وهي من الحريات التي وردت في الباب الثاني من الدستور التي لايجوز ان تعدل الا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين وبموافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب وطرح التعديل على الاستفتاء العام وحسب ماورد في نص المادة 126 الفقرة ثانيا والتي نصت على (لا يجوز تعديل المبادئ الاساسية الواردة في الباب الاول، والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور، الا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين، وبناءاً على موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية، خلال سبعة ايام).
اما الاعتراض الثالث والذي نال اكبر قدر من البحث والنقد فهو القول بان المسودة المطروحة تجيز زواج البنت في سن التاسعه وان اي قراة بسيطه للمسودة تبين ان المسودة لم يرد فيها اي ينص يشير الى ذلك بل ان المادة التي تتحدث عن سن البلوغ بالنسبة للانثى والذكر قد وردت في الفرع الثاني من الفصل الرابع والذي يتحدث عن الموصي اما بالنسبة لسن الزواج فلم يرد نص معين يحدد هذا السن في المسودة بل ان نظرة الى القوانين الاخرى في العالم نرى ان العديد من الدول التي تعتبر متقدمة في امريكا واوربا قد حددت سن الزواج بين 16-18 او اقل فعلى سبيل المثال السن القانوني للزواج في الولايات المتحدة الأمريكية، للزواج يختلف من ولاية إلى أخرى إلا أنه وعلى الأغلب حدد بسن 15-16 بشرط موافقة الأبوين، ومن تلك الولايات : نيويورك، ألاباما، ألاسكا، أريزونا، كونيكتيكت، مقاطعة كولومبيا، مونتانا، نيفادا، نيو جيرسي، نيو مكسيكو، كارولينا، بنسلفانيا، داكوتا الجنوبية، تينيسي، فرجينيا، فيرجينيا الغربية، ويسكونسن. كما أجازوا زواج من هم دون ذلك بموافقة المحكمة، فنيويورك على سبيل المثال اعترفت بزواج من بلغ 14 بموافقة الوالدين والمحكمة، وولاية نيو هامبشير أجازت زواج الذكور البالغين 14 والإناث البالغات 13 بموافقة الوالدين والمحكمة، وهذه القوانين تشابه بشكل يكاد يكون مطابقا لقوانين القارة الأوروبية في تحديد سن الزواج. القانون فى كندا شبيه جدا بمثيله فى امريكا…السن هو 16 ويصل لـ 15 فى حال الحصول على موافقة قاضى . وفي انجلترا يكون سن الزواج 16  سنة بموافقة الوالدين وفي اسكتلندا16  سنة بدون شروط ، في الفاتيكان 16  سنة للذكور و 14 للاناث بموافقة الوالدين اما النمسا فسن الزواج هو 16 سنة بموافقة الوالدين, بشرط ان يكون احد الطرفين متجاوزا لل 18 عاما وفي المانيا 16 سنة بموافقة الوالدين والقاضى وهولندا16  بموافقة الوالدين واقل من 16 بموافقة شخصية من الملكة.
اما مايتعلق بمخالفة المسودة للاتفاقيات الدولية فان المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة
للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون/ديسمبر1966 نصت على (لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة. لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره). كما ان العهد الزم الدول بالتعهد باحترام حرية الآباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في تأمين تربية أولادهم دينيا وخلقيا وفقا لقناعاتهم الخاصة. اما الاتفاقية الدولية لمنع كافة اشكال التمييز ضد المرأة المعروفة باسم سيداو فانها تنص على المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات وهو مايتعارض مع احكام وقانون الاحوال الشخصية العراقي رقم 188 النافذ اي ان نفس الحجج التي تستخدم للطعن بالمسودة المقترحة يمكن ان تستخدم للطعن بالقانون النافذ . ولكن المسودة المقترحة قد منحت لكل من الرجل والمرأة الحق الكامل بقبول الخضوع للقانون بالارادة الحرة الكاملة بعكس القانون الحالي الذي يجعل الخضوع له اجباري وهذا مانصت عليه صراحة المادة 246 من المسودة المقترحة وهي تمنح الحق لكافة العراقيين بدون تحديد مكون معين ان يختاروا الخضوع للقانون وهي تمنح هذا الحق بدون تحديد الجنس او العمر او اللون .
في الختام اود ان ابين ان ماتقدم هو ليس دعوه لتأييد المسودة المقدمة او رفضها فهذا يعود الى القناعات الشخصية ولكنها دعوة للقرأة المتأنية لاي نص قانوني بعيدا عن الاهواء والاتجاهات السياسية لتحقيق القناعة العلمية .