23 ديسمبر، 2024 8:02 ص

قد فهمها شيعة إيران متى يفهمها شيعة العراق؟

قد فهمها شيعة إيران متى يفهمها شيعة العراق؟

أنتشرت على موقع (يو تيوب/ الرابط في أدناه) أفلام تصور التظاهرات الحاشدة التي قامت في مدينة مشهد الإيرانية بعد مقتل حوالي (169) وجرح (325) من الحجاج الإيرانيين خلال إداء مراسم الحج في منى، وطالب المتظاهرون بطرد الشيعة العرب من المدينة. كما رفع المتظاهرون شعارات معادية للعرب تقطر سما وليست اقل سمٌية من ذلك السمٌ الزعاف الذي جرعه الخميني، الذي تتصدر مع الأسف صوره القبيحة الساحات والشوارع العراقية بكل صلافة وإستهتار. لاشك إن هذه التظاهرات تكشف بأن نزعة النظام القومية تتفوق على طائفيته المذهبية، وهذا ما يجب أن يعرفه أهلنا الشيعة في العراق. أوضاع الشيعة العرب في الأحواز العربية، واللاجئين الإيراننين في معسكر أشرف تكشف بأن إيران تتلاعب بمشاعر الشيعة العرب وتسخرها لخدمة مصالحها القومية فقط.

بالرغم من ان الحادثة هي خسارة للمسلمين بشكل عام، والقتلى المسلمون يمثلون كافة الجنسيات إلا أنه عندما يكون الحجم الأكبر من القتلى هم من الإيرانيين، يجعلنا هذا نتوقف قليلا! ونتساءل لماذا هم بالذات الأكثرية من القتلى؟ هل هناك هدف سعودي مقصود لإستهدافهم؟ أم كانوا ضحية مؤامرة دنئية حاكتها مخابراتهم لتوريط السعودية، سيما ان المئات من الحجاج دخلوا بأسماء مستعارة لأنهم من المخابرات والحرس الثوري الإيراني؟

لو أخذنا بالإحتمال الأول: لا يمكن لعاقل أن يقبله، لأن الأمر ينعكس أصلا سلبيا على السعودية، بإعتبارها المسؤول الأول والأخير عن سلامة الحجاج على أراضيها. كما إن السعودية تعرف جيدا حساسية النظام الإيراني تجاهها سيما بعد فشل النظام الإيراني من إيقاف أو مواجهة عاصفة الحزم في اليمن. من جهة أخرى سبق أن أثار النظام الإيراني زوبعة بعد سقوط رافعة على عدد من الحجيج خلف قتلى وجرحى من بينهم إيرانيين، وإستغلت إيران هذه الفاجعة الإنسانية لأغراض سياسية بحته وتهجمت على المملكة. لذا ليس من المنطق أن تتقصد السعودية إستهداف الحجاج الإيرانيين لمعرفتها بصدى مثل هذا العمل على سمعتها ومكانتها. كما إن السعودية لو كانت تستهدف الحجيج الإيرانيين فقط فأن عدد القتلى والجرحى من بقية الجنسيات يفند هذا الإدعاء، لأن عدد القتلى والجرحى الإيرانيين لا يصل إلى ربع مجموع القتلى والجرحى. كما أن غالبية الحجيج أناس أبرياء لا علاقة لهم لا بنظام المملكة ولا بأنظمة بلادهم السياسية. لذا ليس من المنطق أن يتم إستهدافهم، لا من قبل المملكة ولا غيرها إحتراما لبيت الله الحرام وقدسية المشاعر وبراءة الحجيج. كما أن ردٌة فعل المملكة تجاه المسؤولين السعوديين عن شعائر الحج يعكس تماما جدية المملكة في التعامل مع هذه الحادثة التي تعكس إهمالا كبيرا في إدارة وتنظيم عملية تدفق الحجاج، ولا يعفيها مطلقا من المسؤولية.

أما الإحتمال الثاني: فيما إذا كان النظام الإيراني يقف وراء الحادثة من خلال إستغلال براءة الحجيج ودس عدد من عناصر المخابرات والحرس الثوري بين صفوفهم، فأن الأمر يدعو الى الشك وليس اليقين. لو دققنا قليلا في ممارسات الحجيج الإيرانيين خلال هذا الموسم لإنتابنا الشك فيها، فقد كان هناك رجالا يقودون مسيرات منتظمة ومنسقة للحجيج وهم يهتفون (لبيك يا حسين) وشعارات الولاء لعلي بن أبي طالب، ولا نفهم ما علاقة الحسين بالحج؟ هل دعاهم لزيارة الكعبة فلبوا النداء؟ أن أحاديث الأئمة تذكر بأن الحج لكربلاء أفضل من الحج للكعبة بآلاف المرات! إذن لماذا لم يلبوا نداء الأئمة بزيارة كربلاء بدلا من الكعبة؟

عن ابن أبي يعفور قال” سمعت أبا عبد الله (ع) يقول رجل من مواليه: يا فلان، أتزور قبر أبي عبد الله الحسين بن علي (ع)؟ قال: نعم أزوره بين ثلاث سنين مرة، فقال له وهو مصفر وجهه: أما والله الذي لا إله إلا هو لو زرته كان أفضل مما أنت فيه، فقال له: جعلت فداك كل هذا الفضل؟ فقال: نعم والله لو أني حدثتكم بفضل زيارته وبفضل قبره تركتم الحج رأساً وما حج منكم أحد، ويحك ما علمت أن الله اتخذ كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يتخذ مكة حرماً”. (وسائل الشيعة14/513).

كل من شاهد مسيرات وهتافات الحجيج الإيرانيين وطريقة تنظيمها وإدارتها يدرك فورا بأن هذه المسيرات مبيت لها، لذا ليس من المستبعد وليس اليقين أن يحاول النظام الإيراني خلق فتنة دفع ثمنها الأبرياء من كل الجنسيات. كما لا يغرب عن بالنا الممارسات السابقة التي قام بها الحجيج الإيرانيين وأساءوا فيها إلى الحج وحولوه من شعائر دينية إلى شعائر سياسية. مما يزيد من إحتمال التخطيط مسبقا للحادثة. وما يدعم هذه الشكوك تصريح مسؤول في مؤسسة مطوفي حجاج إيران لجريدة الشرق الأوسط قال فيه” أن قرابة 300 حاج إيراني خالفوا تعليمات التفويج المحددة، مما تسبب بحادثة التدافع في شارع 204 بمشعر منى، في أول أيام التشريق، ونتج عنها وفاة (1000) حاج من مختلف الجنسيات، وإصابة 863 بإصابات مختلفة وأن .تفاصيل المخالفة بدأت عندما تحركت هذه المجموعة من مزدلفة صباح الخميس مباشرة لرمي الجمرات ولم تنزل في المخيمات المخصصة لها كما هو معمول به لعموم الحجاج لوضع أمتعتهم والانتظار لموعد التفويج، ومن ثم توجهوا بعكس الاتجاه في شارع 204. أن هذه المجموعة المكونة من نحو 300 حاج إيراني، لم تنتظر انتهاءها من رمي جمرة العقبة، وفق التعليمات التي تطالب بالانتظار في المخيم حتى الموعد المحدد، وقررت العودة في الاتجاه المعاكس، مما تزامن مع خروج بعثات أخرى حسب جدولها الزمني المخصص لرمي الجمرات، ونتج عن ذلك اصطدام مباشر مع الكتل البشرية”. مضيفا بأن المجموعة توقفت قليلاً ولم تتحرك باتجاه آخر، مما ساعد في الضغط ودفع الحجاج للخروج من طريق لا يزيد عرضه على 20 مترا.

هذا الكلام هو نفس الرواية السعودية التي تعاملت مع الحدث بشفافية وواقعية، وأقالت على أثره العدديد من المسؤولين الكبار عن الحج، وأكدت بأن العقوبة ستنال جميع المقصرين، بعد إنتهاء اللجنة التحقيقية من عملها وإعلان النتائج الأخيرة. لا شك إن إقالة كبار المسؤولين السعوديين هو إعتراف من قبل المملكة بوجود تقصير، علاوة على تحميل الجانب الآخر أي الحجاج الشطر الآخر من المسؤولية بإعتبارهم لم يلتزموا بالتعليمات وهم على معرفة بها. ومع هذا فإنه من التجني ان يلام طرف دون لآخر، ومن التجني أن يتم توزيع التهم وفقا للرؤى السياسية والميول وشراء الذمم. إن تسييس هذا الموضوع الإنساني خطيئة كبرى، وإعطائه بعد طائفي هو جريمة بحد ذاتها، أما المطالبة بأن تتسلم منظمة المؤتمر الإسلامي مسؤولية الحج، فنجوم السماء أقرب إلى المتوهمين بهذا الرأي والذين لا يفقهون معنى السيادة والقانون الدولي. والعجيب أن نشاطات هذه المنظمة ينطبق عليها المثل (حبر على ورق) فكل المآسي التي تعرض لها المسلمون في العراق وسوريا وافغانستان واليمن وآخرها الإنتهاكات الجسيمة التي شهدها المسجد الأقصى، لم تكلف المنظمة نفسها بأن تصدر بيان إستنكار، وأن فعلت فإنها لا تختلف عن الأمين العام للأمم المتحدة الذي يساوره القلق بشأن ما يتعرض له العرب والمسلمون في سوريا والعراق واليمن، لكنه يتخذ موقفا حازما عندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني!

مما يزيد الشك في نوايا النظام الإيراني المشبوهة على طول الخط، تزويره وثيقة نسبها بكل صفاقة الى نائب وزير الصحة السعودي، نشرها تلفاز( العالم) في 30/9/2015 زعم فيها ” حسب ما ورد في الإحصاءات الأولية، تم تقدير الوفيات 769 من قبل الكوادر الميدانية، لكن آخر الإحصاءات، حتى الآن، تدل عل 4173 متوفياً، نظراً للجثث التي تم تسليمها لوزارة الصحة السعودية ليلة أمس. جاء الإعتراف  بعد أن وُبخ الضليع من قبل ولي العهد رئيس لجنة الحج، الأمير محمد بن نايف، مما يعكس حالة الارتباك التي يعيشها النظام السعودي، والخلافات والصراعات بين أقطابه وأجهزته الأمنية والرسمية”. وقد نفى وزير الصحة السعوديو هذه الفرية الدنيئة، وأكد أن عدد القتلى 769 والجرحى و934 ، وأنهم ينتمون لأكثر من 20 دولة.

نود أن نشير إلى ما ذكره ممثل خامنئي في مؤسسة الحج والزيارة الإيرانية، علي قاضي عسكر” إذا أستثمرنا ظروف الحج بشكل صحيح، نستطيع أن نحقق مكاسب مهمة وكبيرة هناك حن الإيرانيون نستحق ونستطيع أن نمثل ثورتنا سياسيا ودينيا واجتماعيا بين المسلمين، وأن نطرح عليهم هذه المسائل والقضايا الهامة في الحج، ليتم نشرها بين عامة المسلمين هناك”. وهناك العشرات من التصريحات التي تصب في هذا الإتجاه. الأمر الآخر الذي يدعو إلى الدهشة إن الإعلام الإيراني والمنابر الحسينية كما يبدو كان لديهم إستعداد مسبق للتطبيل وتحميل المملكة مسؤولية الفاجعة.

قال خطيب جمعة طهران  آية الله (محمد إمامي كاشاني) بإنه ” يجب محاكمة السعودية في المحكمة الدولية، على خلفية حادث التدافع في مشعر منى، الذي أدّى إلى وفاة مئات الحجاج. إن المملكة السعودية مسؤولية عن الكارثة وهي ليست أهلاً لإدارة الحج”. وهذا الأمر ليس بجديد ولم يتزامن مع الحادثة فحسب، فقد صرح آية الله جوادي آملي يوم 16 نيسان 2015 ” ان سدانة الاراضي المقدسة يجب ان تكون بيد اناس أتقياء وليس بيد آل سعود، وان تحرير مكة والمدينة من سيطرة آل سعود واجب على الجميع. ولا يجب التعويل على الحكومات، بل على الشعوب الاسلامية ان تفكر بتحرير الحرمين الشريفين من قبضة آل سعود وهو بمثابة الجهاد الاكبر”.

وضح المفكر والمحلل السياسي الإيراني صادق زيبا الأستاذ في كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة طهران والجامعة الحرة هذه الظاهرة بقوله ” البعض لا يزال يحمل أحقاد هزيمة (إيران) من العرب قبل 1400 عام ويحاول بأي ذريعة استعراض مشاعره المعادية للعرب والبعض الآخر وجد فرصة لتفريغ حقده على الإسلام ولا يهمه ما جرى في منى، بينما الكل كان واثقا مسبقا تجاه اسباب الحادث”. كما صرح الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي العلامة محمد علي الحسيني لصحيفة الحياة “لطالما أرسلت طهران بعثات حج مدججة بعناصر الحرس الثوري؛ لتخريب الموسم، ومنع حجاج بيت الله الحرام من أداء مناسكهم براحة ويسر. وكلنا نذكر أحداث عام 1987. وقد كانت السلطات السعودية دائماً بالمرصاد لهذه المحاولات، وأحبطتها كلها بعونه تعالى. اليوم تجدد إيران اتهاماتها مستغلة الحادثة المأسوية الأخيرة في منى، وهذا معيب في حق دولة تدَّعي الإسلام، أن تستغل فاجعة موت مئات الحجيج لأهداف سياسية دنيئة. وقد بات معروفاً أن مواقف طهران لا تأبه لسلامة موسم الحج، بقدر ما هي محاولة لتصفية حسابات سياسية في ظل الوضع المتأزم في المنطقة”. وهذا ما يمكن أن نستشفة من خلال الموقف الإيراني من الحادثة الذي تفردت به مع أقزامها في المنطقة.

في الأخير نود الإشارة ـ اللٌهم لا شماته في الموت ـ كأن الله تعالى أراد أن يكشف زيف النظام الإيراني بسقوط رافعة في العاصمة الإيرانية طهران بسبب ما قيل أنه حمل زائد لم تتحمله الرافعة وصرح جهاز الدفاع المدني الايراني على موقع التواصل الاجتماعي تويتر بأن عدد القتلى قد بلغ أكثر من 20 قتيلاً واكثر من 50 جريحاً كلهم إيرانيين الجنسية. لم يطبل الإعلام العربي والسعودي بهذا الحدث المفجع، ولم يحمل النظام الإيراني مسؤولية الحدث أو الإهمال وسوء الإدارة والتنظيم. لأنه القضايا الإنسانية لا يجوز الإتجار بها سياسيا، سيما إن كانت مؤلمة. اللهم أرحم الشهداء جميعا.

https://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=-6TBbwGH_6c