جاء في أدبيات الأخوة الكورد ، بعيد سقوط النظام السابق ، إن محافظة (كركوك) هي بمثابة (قدس أقداس) كوردستان ، على وزن ما أشيع في أدبيات الفكر القومي العربي التقليدي أن (فلسطين) هي قدس أقداس العرب ! . والأمر شتان بين الاثنين كما هو واضح ؛ لا لجهة طبيعة الملابسات التاريخية والقومية والسياسية بين هذه عن تلك ، ولا لجهة أطراف العلاقة المعنيين بين هذه وتلك ، ولا لجهة الظروف والأوضاع التي ستتمخض عن هذه أو تلك . ولأجل أن نبتعد عن العاطفية التي تلازمنا ونتخلص من الانفعالية التي تتلبسنا ، وننظر إلى الأمور من موقع حيادي قدر الإمكان نقول ؛ إن الأخوة الكورد (لعبوها صح !) هذه المرة ، لا بل أن إشكاليات الشأن العراقي المستعصية على الحل ، منحتهم الفرصة الذهبية التي كانوا ينتظرونها بفارغ الصبر طيلة عقود ، لكي يبادروا بالعمل على احتلال كركوك وفرض السيطرة السياسية والعسكرية عليها كواقع حال لا رجعة عنه . ونحن إزاء هذا الأمر لا نملك إلاّ أن نهنئ حامي حمى دولتنا ورئيس حكومتنا الفطحل (نوري المالكي) ، على منحه هذه (الهدية التي ما وراها جزية) لإخواننا في الوطن والدين والهوية !! . صحيح إن أخوتنا الكورد أعلنوا مرارا”وتكرارا”وعلى رؤوس الأشهاد ، أن هدفهم النهائي هو الانفصال عن مستنقع العراق والتخلص من أوباش العرب الشيعة والسنة ! الذين لا يجيدون سوى شتم بعضهم البعض الآخر ، ولا يحسنون سوى تخوين بعضهم البعض الآخر ، ولا يفقهون سوى استئصال بعضهم البعض الآخر ، وبالتالي تحقيق دولتهم الكردستانية المستقلة . بيد أنهم ومن باب الاعتبار لمواقف النبل والشهامة أجّلوا – إلى حين – طرح مسألة الانفصال عن العراق ، مراعاة لظروفه الحرجة وأوضاعه المكركبة ، وبالتالي فهم أصحاب فضل على الأخوة الأعداء (عرب السنة والشيعة) ، الذين خليق بهم أن يقدموا فروض الشكر والعرفان بالجميل لإخوانهم الكورد على وقفتهم الكريمة هذه ! . واليوم حين يعبّر الأخوة الأكراد عن أفراحهم وبهجتهم بهذا النصر المؤزر لفوزهم بهذه الكعكة الدسمة ، عليهم أن يتذكروا إن في الجانب الآخر أطراف لن ترضخ للأمر الواقع ولن ترضى بما جرى في غفلة منها ودون موافقتها ، الشيء الذي تحسب له الرئيس الناجح (مسعود البرزاني) ، حين أعلن انه على استعداد لاستقدام كل مقاتلي كردستان وزجهم في كركوك ، لحماية (قدس الأقداس) من العابثين الذين يريدون إفشال هذه المهمة وإسقاط هذه التجربة . الواقع إن أخوتنا الأكراد يدركون تماما”إن ( لا جديد تحت الشمس) العراقية الحارقة ، بحيث باتوا يصرحون في وسائل الإعلام – لتحاشي إحراج المسئولين الأمريكان في سعيهم المرائي لإعادة الفصيل الكردي إلى حضيرة العراق المفكك – إن المشهد السياسي لم يعد كما كان في السابق ، وأن على رفاق السلاح وحلفاء القضية أن (ينكعوا) الاتفاقيات والالتزامات السابقة ويشربوا مياهها بألف عافية ! لاسيما وان هناك من المؤيدين والمناصرين لهذه الحركة الانفصالية طوابير من تجار السياسة وزعماء الطوائف وشيوخ العشائر ينتظرون انجلاء الموقف ، لإعلان تأييدهم وإشهار دعمهم لهذه الخطوة المباركة ! وبالتالي الانضمام إلى جوقات المطبلين والمزمرين من كل الأشكال والألوان . واللافت إن مظاهر الفرح التي طغت على الشارع الكردستاني جراء الحصول على (قدس الأقداس) ، أشاعت لدى بقايا العراقيين الاقحاح انطباع – وان فات أوانه ولم تعد له أية أهمية – مفاده إن (عراقية) الأكراد لم تكن يوما”في وعيهم القومي سوى مرحلة مؤقتة أملتها ظروف شاذة ، ينبغي تخطيها وتجاوز ما ترتب عليها من اتفاقيات مجحفة والتزامات مرتجلة ، ومن ثم فان محاولات إظهار (زعلهم) و (تباكيهم) على ما آلت إليه أمور العراق من تدهور ، لم تكن سوى حركة دبلوماسية مكشوفة لذر الرماد في عيون من يهتم لأمر العراق وشعبه . بقي أن نقول أخيرا”؛ هل من حق أبناء الشعب الكردي أن يحتفلون بيومهم العظيم هذا ، دون أن يجرحوا مشاعر أخوانهم الساخطين في بقية أشلاء الوطن العراقي المتداعي ، بإطلاق بعض الألفاظ الاستفزازية والغير مسئولة – كما ورد على لسان أحد الشباب الأكراد وهو يرفع صورة الزعيم (مسعود) معلنا”كرهه واحتقاره للعرب – نجيب نعم ولم لا يحتفلون وقد جنوا ثمار صبرهم وحصاد معاناتهم ، مع أقوام لا تجتمع إلاّ لتفرقها المصالح الشخصية ، ولا يلتأم شملها إلاّ لتمزقه الصراعات الطائفية . هذا بعد أن أعطونا – نحن الذين لا نحسن حب الوطن – درسا”في الثبات على المواقف مهما غلى الثمن ، والمثابرة على تحقيق الوطن القومي مهما بعد المشوار ، وليذهب العرب من السنة والشيعة إلى الجيم ! . أرجوكم أيها الفدراليون والكنفدراليون اهتفوا معي بملء حناجركم ؛ عاش كاكه (مسعود) رمز الوحدة القومية الكردية ، ومحرر الشعب الكردي من الهمجية العربية ، ومنتزع كردستان من براثن الدولة العراقية ، ولترفرف راية كردستان خفاقة فوق جبالها الشماء !!! .