23 ديسمبر، 2024 2:48 ص

قحطان العطار صوت الجنوب المهاجر

قحطان العطار صوت الجنوب المهاجر

للغناء الجنوبي خصوصية ينفرد بها عن بقية مناطق العراق ؛ ربما لعبت عوامل عديدة في تكوين هذه الخصيصة عبر سنوات طويلة من التاريخ تمد إلى بدايات الحضارة السومرية في وادي الرافدين . المحصلة النهائية مجموعة مؤثرات شكلت قواعد ثابتة التي عرفت فيما بعد بالأطوار الغنائية الريفية التي تمتلك سمات تختلف في الأداء والطريقة عن بعضها بعضاً؛ ولكنها تشترك في عنصرٍ واحدٍ هو الحزن الذي يسود اغلب مفردات تلك الأغاني .
عوامل عديدة ولدت انحدار الجنوب نحو الحزن ما تشكل طقوس غنائية يحاول المطربون الالتزام بها وعدم الخروج عنها .حتى أن ظاهرة الحزن الجنوبي انعكست على الأغنية البغدادية ؛ وبمرور الزمن ذابت ملاحمها لتصبح جزاءاً من الطرب الجنوبي الذي نضج على يد مطربي سبعينيات القرن الماضي حيث اغلب هؤلاء المطربين ينحدرون من أصول جنوبية ،شربوا الألوان الغناء الريفي حتى البغداديون ذابوا مع القادم الحزين بقوة وتفاعل. قحطان العطار من تلك الأصوات التي طاوع المدينة بصوته الشجي ،وحسه المرهف . ولم تكن المدينة سوى محطة غنائية في حياة العطار الذي استطاع خلال فترة زمنية قصيرة أن يسجل لنفسه حضوراً بارزاً بين أفضل مطربي السبعينيات والثمانينيات . ووجد بعض المحلين وكتّاب الأغنية العراقية في الصوت الميساني الحزين ؛صورة سريالية يستطيعون من خلاله رسم ملاحم غنائية تحاكي الواقع العراقي المفرط في الحزن . وجرت محاولات لجر الأغنية العراقية ذات الأصول الجنوبية للخرج عن ثواب حزنها ، ولكنها اصطدمت في أغنية رائعة صدح بها العطار كتبت كلماتها الشاعر جبار الغزي ولحنها محسن فرحان ” يكولون غني بفرح ” وقد زاد صوت قحطان المفعم بالحنين من رسم لوحة فنية تفوح منها رائحة الحزن ثم أغنية ” فرح يا اهل الفرح ” لتأكيد حقيقة واحدة أن المطرب العراقي لا يستطع مغادرة مساحة الحزن السومري لأنه هوية وانتماء قبل أن يكون حالة تطريبية تسعد الناس .
ربما كان لظروف العراق عموما والعطار خاصة جعلته يسر في طريق الشجن والحزن بإرادته وأحياناً مرغما ،وزاد من عمق الغربة التي شعر بها فقدان صديقه الشاعر الكويتي فايق عبد الجليل حيث وجد العطار في كلماته صورته التي تذكره بالعراق بعد أن استقر في الكويت بعد رحلة معاناة ومطاردة من قبل النظام السابق . فكتب عبد الجليل أجمل أغانيه منها ” أنت ..أنت ” و” بس ودي أشوفك ” و” فرح يا أهل الفرح ” التي لحنها المبدع محمد جواد أموري . بعد غزو الكويت وفقدان الشاعر عبدالجليل زادت حالة الغربة لدى العطار لشد الرحال مستقراً في منفاه في الدنمارك بعد أصيب بالتصوف الغنائي وهو في أوج تألقه حتى أن الموسيقار نصير شمة قال ” لو قدر للعطار أن يستمر في مشواره الغنائي لكان سفيراً للأغنية العراقية دون منازع ” . وكان حقاً سفيراً وحاضراً في قلوب من عاصروه وحتى جيل الشباب الذين لم يدركوا أيامه ولكنهم وجدوا فيه صوتاً معبراً لا يمكن أن تمحوه ذاكرة الزمن .