17 نوفمبر، 2024 9:48 م
Search
Close this search box.

قتل وتهجير !

يبدو أن حكومات العراق اعترفت قتل وتهجير النخب الثقافية والعلمية منذ النظام البعثي السابق وأستمر الحال ما بعد الديمقراطية الامريكية ولكن بغزارة وبارقام خيالية وبخاصة في عهد حكومة المالكي الاولى والثانية ، ففي حصيلة اولية يتصدر العراق بقتل علمائه من اطباء واكاديميين ومثقفين وعقول نيرة استطاعت خلال سنوات المنفى الطويل ان تقدم للعالم اجمع الكثير من الامكانات العلمية وان تحصد هذه النخب عشرات الجوائز العالمية في العلوم والفنون والآداب وغيرها ، وتحاول حكومة المالكي منذ سنوات تشجيع الكفاءات العراقية التي تقيم خارج العراق على العودة للوطن لخدمته ، وقد عاد الكثير من الاطباء والمهندسين والادباء والفنانين وغيرهم ليس بتشجيع الحكومة انما بسبب آلام الغربة وقساوتها ، لكن ما شاهدوه داخل وزارات الدولة ودوائرها من تعامل مع هذه النخب العراقية التي جاءت لخدمة بلدها بعد غربة طويلة ومضنية كان عبارة عن صدمة كبيرة ! فليس من السهولة أن يأتي حامل شهادة دكتوراة الى العراق ولكي يبحث عن عمل ما في احدى الجامعات فعلى الفور سيواجه برفض شديد من قبل القائمين على هذه الوزارة او تلك والتابعة لواحد من الاحزاب الاسلامية المدججة بالعشرات من حاملي الشهادات المزورة ، بالتأكيد سيكون هذا القادم من خارج العراق غير مرحب به في بلده ! .

لقد صدم العديد من الاكاديمين هذه الصدمة وعادوا الى منافيهم من جديد بعد ان فشلوا في حصولهم على وظيفة تتناسب مع شهاداتهم العليا التي افنوا اعمارهم في الدراسة والتنقيب والبحوث لنيلها من جامعات عربية تعادل شهاداتها جامعات عالمية او أؤلئك الذين حصلوا على شهادات عليا من لندن وامريكا ودول اوروبية اخرى . والمشكلة ان هذه النخب تعرضت الى القتل والاغتيال في الشارع والجامعة الامر الذي جعل منهم ان يرزموا حقائبهم مرة اخرى ويعودوا الى المنفىى من جديد ، وقد كان آخرهم الشاعر الدكتور شاكر لعيبي الذي صدم في عدم حصوله على وظيفة في احدى الجامعات ضمن اختصاصه والذي قرر بعد غربة قاربت الثلاثين عاماً وأراد الاستقرار في وطنه العراق إلا ان العراق الجديد رفضه رفضاً قاطعاً ! .

وقبل ايام قلائل غادر العراق الشاعر عبد الخالق كيطان عائداً الى منفاه الاسترالي بعد استقرار دام لمدة سنتين داخل العاصمة بغداد ، لكنه على ما يبدو لم يجد ثمة اشراقة أمل لهذا العراق الجديد الذي بدأ يقتل ابناءه الواحد بعد الآخر ، خاصة وأن اغتيال المخرج هادي المهدي عبر كاتم صوت في بيته كان عبارة عن أنذار مع سبق الاصرار الى كل الادباء والفنانين والمفكرين والعلماء ، أن لا مكان لكم في هذا العراق الجديد الذي اصبح بيد العمائم المتخلفة !

وقبل ايام جاء الانذار واضحاً الى الشاعر صلاح حسن الذي قرر قبل اسابيع قليلة استقراره في العراق ، وبمجرد انه فكر بهذا الامر جاء اليه الانذار الذي يتوعده بالتصفية الجسدية يوم السادس والعشرين من اكتوبر الماضي ! الامر الذي شد رحاله من جديد وعلى عجل الى بيروت لتذهب احلامه وتطلعاته المستقبلية وحلمه في العيش داخل بلده العراق بعد غربة طويلة وقاسية ، هكذا تم تبليغه من قبل بعض الضباط والاصدقاء ! .

لقد اصبح العراق في ظل حكومة المالكي الطائفية والبرلمان العراقي الذي يعمل بطريقة المحاصصة وتقسيم العراق الى طوائف وقوميات ، وكأنه البلد المبهم فيه العيش ، فلا يعرف الانسان متى تنفجر بقربه المفخخة او العبوة الناسفة داخل سيارته أو يأتيه كاتم الصوت وهو في باب بيته ! تصفيات جسدية وتصفيات فكرية وتصفيات نفسية داخل العاصمة بغداد ومدن العراق الأخرى ! بينما العراق ذاهب الى الهاوية ، ذاهب الى التقسيم لا محال بعد أن استحوذت على هذا البلد عصابات الاحزاب الاسلامية والكردية وسرقوا ثرواته وقتلوا ابنائه وها هم يذهبون الى التقسيم بعد أعلان مدينة تكريت كأقليم مستقل ثم تعالت مطالب المحافظات الغربية والجنوبية باقامة اقاليمها الامر الذي سيجرد حكومة المالكي من السيطرة على كافة المحافظات وبالتالي سيبقى وحكومته تحت الاقامة الجبرية داخل المنطقة الخضراء التي استنزفت اموال وثروات العراق دون اي تقدم يذكر ، ولعل الورقة الكردية وطروحات النجيفي بدعمه اقليم السنة وبتصريحات المالكي الذي قرر أن لا تخرج رئاسة الوزراء من الشيعة ! ستفضي بنا في نهاية المطاف الى التقسيم إلا في حالة واحدة : هي اسقاط هذه الحكومة وحل البرلمان والتحضير لانتخابات جديدة ولكن على الشعب العراقي ان لا ينتخب هذه الحثالات التي انتخبها في السابق ! .

أن بلداً مثل العراق يغتال ويقتل ويهجر مثقفيه وعلمائه بمساعدة عصابات الاحزاب الاسلامية المرتبطة بدول الجوار وتنفذ اجنداتها بالضد من تطلعات الشعب العراقي  والتي تحكم داخل المنطقة الخضراء ، هو في حقيقة الامر بلد لا يحترم دماء شهدائه الذين ضحوا من أجله ! العراق أصبح الآن بيد هذه الاحزاب والعصابات والميليشيات التي تقتل كل شيء جميل من أجل الحصول على السلطة والمال وسياسة التهجير القسري للنخب العراقية التي تحاول بناء العراق الجديد لكنها صدمت بالقتل والتهجير القسري ! .

أحدث المقالات