20 ديسمبر، 2024 4:11 ص

قتل ممنهج ومنهج قاتل

قتل ممنهج ومنهج قاتل

مع بدأ العام الدراسي في العراق وأمنياتنا بسنة دراسية سعيدة وناجحة لكل التلاميذ، أودّ لفت إنتباه الآباء والأمهات للمواد الدراسية التي تدرس لأبنائهم وبناتهم في المدارس وخصوصا في المرحلة الأبتدائية بإعتبارها الأهم والأخطر. فمرحلة التعليم الأبتدائي هي الحجر الأساس الذي تبنى به وعليه شخصية الطفل وتفكيره للسنوات اللاحقات.
أكتب هذا المنشور بعد صدمة وذهول وحيرة أصابتني عقب قراءة قصة تدرس لطلاب الصف السادس الأبتدائي عنوانها “ابو عثمان الجاحظ وأمه.”
لو سلطنا الضوء على كل مقطع من نص القصة و فكرنا في هدفها ومعناها بقراءة متفحصة لكل سطر لإستخلاص العبرة والدرس لوجدنا أن القصة تحث الطفل “الجاحظ” على ترك مقاعد الدراسة والتوجه صوب العمل في سن مبكرة! حيث تلوم الأم في القصة إبنها وهي حزينة وممتعضة على التزامه الدراسة وتطالبه بتركها لأنها لن تجدي نفعاً له ولعائلته والأفضل له ان يذهب للعمل في السوق كي يجلب المال والقوت لها وله!
الطفل الصغير من ناحيته يتأثر بكلام والدته ويعتريه الحزن في آن واحد وكذلك لكثرة حبه وشغفه بالدراسة فيضطر للذهاب الى الجامع والإنزواء ثم الحديث لشخص غريب لا يعرفه ويذهب معه لبيته ويقبل منه مبلغاً من المال حتى يشتري لأمه حاجيات من السوق ويرجع اليها من دون أن تهتز مشاعر الامومة عند امه او تثار مشاعر الخوف على طفلها أو حتى تسأله عن مصدر المال ومن هذا الغريب الذي يصاحبه للمنزل ولماذا يعطيه المال ومقابل ماذا؟ وكيف يسمح الطفل لنفسه ان يدخل بيت شخص غريب؟
لا عجب من هكذا أم وهي التي تقبل على نفسها حرمان ولدها من الدراسة ومتعة العلم وتأبى الخروج للعمل والتكفل بمعيشته وتتخلى عن ابسط حق طبيعي للطفل عليها او حتى واجبها الإنساني الفطري بحماية وتعليم وتربية وإنشاء طفل سليم ومتعلم.
وهنأ يكون سؤالي عن الجدوى والفحوى من تضمين هذه القصة في مناهج التعليم في العراق وماذا أراد من اجازها أن يطبع في أذهان الطلاب من فكرة تتناقض مع أساس فكرة التعليم وتحبيب العلم والدراسة كطريق للنجاح والتفوق وبناء النفس والمجتمع والوطن.
ثم اعود فأسل،
هل هذه قصة تصلح لطلاب في عمر الثانية عشرة؟ ما الذي وجده المؤلفون في هذة القصة القديمة البالية من درس وحكمة ليغرسوه في نفوس طلاب العراق الأحوج اليوم للعلم وحب المدرسة وحب الكراسات والدروس؟
كيف يمكن أن تزرع في عقل طالب صغير بعمر الورد حب التعلم وأنت تعطيه مثالاً وموعضة ليترك التعليم؟ كيف يمكن لتربوي واستاذ او معلم ان يشرح في قاعة الدرس هذه القصة ذات التأثير العكسي لطلابه عن قصة طفل وبّختهُ أمه لأنه يفضل الدراسة على العمل واضطر لترك الدراسة والإنخراط في السوق وجلب المال من شخص غريب؟ هذا نموذج وثمة نموذج آخر لدرس من الدروس قد استوقفني حقاً وآثار دهشتي وشجوني بقدر القصة الأولى او اكثر.

هذا الدرس موجود في منهج مادة التربية الإسلامية وينص على ان الأخ أو القريب يتوجب عليه ضرب وتعنيف أخته لو رفضت إرتداء الحجاب! اي شرعية العنف وتلقين التلاميذ بفكرة تؤصل لمفهوم العنف الأسري في إطار شرعي وديني وكذلك تؤسس لمفهوم إنكسار الأنثى وخضوعها بوصف ذلك القهر الممارس عليها إنما هو قهر مشرعن ومقبول لا بل محبب وواجب ديني؟ لك ان تتخيل عزيزي القارئ بهكذا امثلة عن قصة في منهج دراسي تبعد طفلك عن الدراسة واخرى تزرع في طفلك نزعة التسلط والظلم والتعدي على البنات! اي جيل محب للعنف والقتل ستنتج؟ واي جيل تودون خلقه من وراء هكذا مناهج ودروس تدس السم في العسل وتهدم وتعقد عقول الأطفال؟ أي نص ديني في القرآن يأمر الولد بضرب أخته؟ الم يقل الله تعالى لا إكراه في الدين؟ فكيف لكم أن تعلموا الأطفال الأكراه والكراهية؟ ثم تسألون من أين هذا القتل والحقد والتوحش والجماعات المتشدده؟ هي بضاعتنا الخالصة وهي منا ونحن منها. فتحنا عيوننا عليها وإنسابت من بين اوردتنا وتشربناها في البيت والمدرسة والكليات والجامع والإعلام والشارع ومؤسسات الدولة. هذه منابع ومغذيات العنف الكامن في مجتمعنا ومدارسنا، ارجوكم دعونا نميط اللثام عن وجهها القبيح ونفضحها ونعلن البراءة منها وننجوا بمستقبل اطفالنا من غياهب التخلف والتطرف المهلكين.
هي دعوة للتفكر ومراجعة مناهج الأطفال وخصوصا في المراحل الدراسية الأولى. هذه المسؤولية هي بالأضافة لكونها مسؤولية مديرية المناهج في وزارة التربية هي مسؤولية العائلة اولا وقبل كل شيء في آن يراجعوا ويدققوا مناهج اولادهم وان ينتبهوا لعقول اطفالهم بماذا تُحشى من افكار وكيف ولماذا. اعرف ان طريق تغيير المناهج أو تعديلها شاق وطويل ولكن تشخيص الخلل وكشفه والإعتراض عليه اول خطوة من مسيرة الألف ميل لتصحيح الخراب التربوي والتعليمي في العراق.

راجعوا ومحصوا ودققوا في الدروس والمناهج قبل أقرارها للطلاب فأنتم محاسبون أمام الله والمجتمع على ما ستنتجه هذه المدارس من أجيال.

أحدث المقالات

أحدث المقالات