23 ديسمبر، 2024 6:02 ص

قتل ابنة ألكسندر دوغين.. رسالة لمناصري المذهب الاوراسي

قتل ابنة ألكسندر دوغين.. رسالة لمناصري المذهب الاوراسي

ألكسندر دوغين مفكر وباحث سياسي واجتماعي روسي وعالم في الجيوبوليتيكة، ومؤسس للمذهب الاوراسي الجديد ولديه القاب عديدة أولها (بابا الاوراسية)، (عقل بوتين).
ويتجه دوغين المستشار الخاص للرئيس الروسي بوتين في نشاطه السياسي نحو استحداث إقامة دولة روسية عظمى عن طريق التكامل مع الجمهوريات السوفيتية السابقة، وبالدرجة الأولى الأقاليم التي ينطق أهاليها اللغة الروسية مثل القرم وأوكرانيا ويرى دوغين إن أوكرانيا ذات السيادة ستشكل مشكلة كبيرة لروسيا وإن ميولها نحو المحور الغربي يعتبر اعلان حرب جيوبوليتيكية على روسيا لإنها ستقوم بتنفيذ استراتيجية الاورواطلسية الأوروبية فستلعب دور النطاق الصحي الأطلسي لمحاصرة روسيا جيوبوليتيكياً ومنعها من تحقيق مشروعها الاوراسي واقترح دوغين على صناع القرار الروسي محورين لتفادي تلك المحاصرة يكمن المحور الأول بإعادة ادماج أوكرانيا ضمن الجغرافية الروسية اما الثاني فيتمثل بعدم السماح بأستمرار أوكرانيا كدولة موحدة ويجب تقسيمها الى وحدات عديدة تتفق مع الوقائع الجيوبوليتيكية والثقافية.
في يوم السبت الماضي اهتزت ضواحي العاصمة الروسية موسكو بانفجار ذهب ضحيته ابنة الفيلسوف ألكسندر دوغين وهي (داريا دوغينا)، بعد مشاركتها في مهرجان التقاليد والذي يهدف إلى المحافظة على التقاليد الوطنية والذي انطلق قبل ثماني سنين بدعم من الصندوق الرئاسي للمبادرات الثقافية ووزارة الثقافة والسياحة، ولم تكن داريا بعيدة عن المشهد السياسي فهي صحفية ومحللة سياسية في الشأن السياسي الفرنسي وذلك لكونها تتكلم اللغة الفرنسية وحاصلة على الدكتوراه في الفلسفة، وتعتبر داريا دوغين بإنها داعمة وبشدة للعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وقد أدرجتها بريطانيا في قائمة العقوبات، كما انها احد الداعمين لفكرة ابيها بضرورة عودة روسيا كقوة عظمى من خلال دمج وتوحيد المناطق الناطقة بالروسية وغيرها ضمن (إمبراطورية روسية) جديدة واسعة النطاق.
لكن المعطيات تؤكد بأن من كان المراد استهدافه بهذا الانفجار هو ألكسندر دوغين، وذلك بعد إن اقرت التقارير الروسية ان السيارة التي انفجرت هي سيارة الاب الذي كان يروم قيادتها إلا إنه غير رأيه في اللحظة الأخيرة، لذلك فإن هذه العملية تعتبر من حملات إضعاف روسيا في الصراع القائم بينها وبين الغرب ويمكن القول هنا بإن النظام العالمي اليوم يشهد ابعاداً أكثر شراسة وخطورة من تلك التي دارت بين المعسكرين الغربي والشرقي طيلة الحرب الباردة، اما السؤال الأهم لماذا دوغين دون غيره؟
فبعد وصول بوتين الى الحكم في روسيا لم تكن أفكار دوغين تأخذ بعين الاعتبار لكن بعد طلب الرئيس بوتين من الرئيس الأمريكي الاسبق بيل كلينتون بأن روسيا تروم الانضمام الى حلف الناتو لم يتلقى بوتين ترحيب لهذه الفكرة وفي السنة التي تلت زيارة كلنتون الى روسيا، تحدّث بوتين، في خطاب ألقاه أمام البرلمان الألماني، عن المصير الأوروبي لروسيا، ولم يجد آذاناً صاغية بين المسؤولين الألمان والأوروبيين، لكن بعد توسع حلف الناتو شرقاً عام 2004 أيقن بوتين تماماً بإن الغرب مستمر بإن استراتيجية الاحتواء لا يزال الغرب معتمدها ضد روسيا، لذلك بدأت أفكار دوغين تطرح بقوة وأثبتت التطورات الحاصلة صحة أفكاره، مما توصل للغرب بإن التحول في استراتيجية روسيا بتأثير من أفكار دوغين.
وعرف دوغين بتأثيره الكبير في السياسة الخارجية الروسية فقام بأنشاء علاقات واسعة مع عدد كبير من مسؤولين دول مهمة وصديقة لروسيا منها تركيا وإيران والصين والهند فهو واسهم في تقريب وجهات النظر بين روسيا وهذه الدول، فهو من قام بتخفيض حدة التوتر بين روسيا وتركيا بعد اسقاط الجيش التركي للطائرة الروسية عام 2015، كما تتهم المعارضة التركية واوساط أمريكية دوغين بأنه نقل تحذيراً من الرئاسة الروسية الى اردوغان حول عملية الانقلاب هذا الامر ساعد الأخير بأفشالها عام 2016.
وكشف جهاز الأمن الفيدرالي الروسي إن مرتكبة جريمة قتل داريا دوغين، هي مواطنة أوكرانية اختفت بعد الجريمة في إستونيا، واتهم جهاز الأمن الفيدرالي الروسي الاستخبارات الأوكرانية بتخطيط وتنفيذ اغتيال داريا، هذا الامر الذي نفاه النظام الاوكراني.
لكن بوجهة نظر واقعية فإن من يقف وراء هذه العملية هو من يريد إيصال رسالة الى الكرملين بإن الثمن وراء استمرار الروس في الحرب ضد كييف ومحاولتها في تغير النظام العالمي الى نظام متعدد الاقطاب له اثمان كبيرة، ليس في العقوبات المفروضة التي لم تجدي نفعاً بل ستتعدى ذلك لتصل الى الداخل الروسي والعناصر المقربة من بوتين هذا من جانب، ومن جانب اخر فإن عملية الاغتيال تفتح قسماً جديداً من تاريخ الاغتيالات السياسية في روسيا، ويعيد الأذهان الى فوضى التسعينيات في أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتي خاصة بعد إن تم استهداف شخصيات موالية لروسيا في الأجزاء التي تحتلها روسيا في الأسابيع القليلة الماضية، كما إن هذه العملية تفتح افاقاً جديداً في الصراع حول منطقة اوراسيا هذا المنطقة الذي أشار اليها المفكر البريطاني ماكندر في نظرية قلب العالم والذي أكد بإن من يمد نفوذه في هذه المنطقة هو من يدير العالم، فلو كان دوغين مكان ابنته لخسرت روسيا اهم مفكر لها في مشروعها الاوراسي.