22 ديسمبر، 2024 7:36 م

قتل إيهاب الوزني: ” اغتيال أسود” مُتبَّل بالدرَّاجات اللاتينيّة و المناسبات الدينيّة

قتل إيهاب الوزني: ” اغتيال أسود” مُتبَّل بالدرَّاجات اللاتينيّة و المناسبات الدينيّة

حذَّرتُ في وقتٍ سابِق، إنَّ الكاظمي قد يضعُ رِصاصةٍ في رأسِ مستقبلهِ السياسي، إذا لم يستطع الكشف بشكلٍ صريح، عن قتلةِ المتظاهرين والناشطين. اغتيال الناشط العِراقي؛ إيهاب الوزني، يوم السبت؛ الثامن من مايو 2021، يؤكِّدُ اقتِراب هذهِ الرِصاصة، وأيضاً هو فضيحة جوَّالة، تفتِنُ للعالم: العِراق مُصاب بمرضِ ” الاغتيال الأسود” الإيراني.

هذا المرض، تحدث عنه احمد عبد القادر الشاذلي، كاشِفاً؛ إنَّ مؤسس الأُسرةِ البهلويّة؛ رضا خان، هو مُخترِعُ هذا النوع مِنْ ” الجريمةِ الكامِلة”. جميعُ مَنْ عارضوه، اغتيلوا في هذا العالم الموازي.

الثورة الإسلاميّة في إيران (1979)، لم تُفرِّط كما يبدو بإرث الشاه في اغتيال المُعارضين – بحسبِ الكاتب الفرنسي بيير رازو – مُذكِّراً بالمقولةِ الشهيرة للمرشد الإيراني الأول؛ روح الله الخميني: الحربُ هديةُ الله.

الوزني: خبير في قراءة نشرة موته

الوزني؛ و قبل أيّامٍ مِنْ اغتيالهِ، تنبأ بموتِه، و كشف أمام مسؤولين في شرطة كربلاء وبعضٍ مِنَ الناشطين، أنهُ يعرِفُ إنَّ هنالِك أطرافاً، داخل هذه المؤسسة الأمنيّة، ستكونُ ضالِعةٍ في قتلِه. هدد الوزني: إنَّ مقر هذهِ المؤسسةِ الأمنيّة لن يبقى موجوداً بعد رحيلِه.

تحقق جزءٌ كبير مما قالهُ الوزني، أُحرِقت مديرية شرطة كربلاء، و كان إحِراقُ الجِدار الخارجي للقنصلية الإيرانيّة في المحافظة، تأكيداً على أن صانِع الدمى التي تُطلِقُ الرصاص؛ طهران، لها نصيبٌ مِنْ التصفيق بالنيران.

الصِحافي بيندكت دكروز؛ كان قد رفض مثلاً، تفسير موت الناشِطة رِهام يعقوب، في البصرة، باستخدامِ بوتاكس عمليات التجميل الإعلاميّة “ناشِطة في ساحة التظاهرات”. دكروز اختصر المسألة بالعناصر الطبيعية التي امتلكتها يعقوب، و أهمُّ تلك العناصر ” صوتٌ مؤثِّر، عائِلة متوطِّدَة في المدنيَّة، ولا تمتلِكُ روابطاً عشائريّة قويّة، وشخصية قادِرة على إدارة الأصوات الانتخابيّة، بعيداً عن صناديق الأحزاب العراقية الدينيّة”.

مواصفات إيهاب الوزني، كانت مُتطابقة تقريباً، مع ما تمتعت بهِ نظيرتُهُ؛ رِهام يعقوب. الشيء الوحيد المُختلِف، أنهُ كان يتمتعُ بعائلةٍ، تمتلِكُ روابطاً عشائريّة قويّة ونشِطة – تنتمي إلى قبيلة خفاجة العراقيّة.

الشيء الآخر؛ انتِقادُه المستمر، لبطء إنجاز مشروع “المستشفى التركي” في المحافظة. أحدُ أفراد عائلتِه، أشار إلى ذلك، في حديثٍ مع إحدى القنوات الفضائيّة. إنَّ هذهِ المواصفات الطبيعيّة و غيرُها، كانت بدورِها سبباً في اغتيال هشام الهاشمي، في السادس من يوليو 2020.

اشترك كُلٌ من الوزني و الهاشمي، بتلقيهِما تهديداتٍ لا حصر لها قبل موتِهما، لكن المُختلِف في حالة الوزني، أنهُ كان شاهِداً على اغتيال الناشط فاهم الطائي، و ناجيّاً مِنْ محاولةِ اغتيالٍ سابقة، و يسكنُ في “حي الحداد”، في محافظة كربلاء، و الذي وصفهُ أحد الساكنين ” أكثرُ أماناً مِنْ المنطقةِ الخضراء”.

قتل النُشطاء العراقيين: اغتيال بأسلوب “الحِراسة” و بالتوابل الدينيّة

اغتيال الوزني، و (الهاشمي مِثالاً) قبله، و ( احمد حسن كمِثالٍ آخر) بعده، أصبح دليلاً، على امتلاكِ فرق الاغتيالات في العِراق، حُدْبَة “القتلة المولودين في درَّاجاتٍ ناريّة”. كان بابلو إيسكوبار؛ القابلة اللاتينيّة التي ولَّدت هؤلاء القتلة، عام 1980.

حاولت دولٌ كثيرة في أمريكا اللاتينيّة – نتحدَثُ هنا عن العقد الثاني مِنْ القرن الحادي و العشرين- أن تُلغي الدرَّاجات ذات المقعدين، أو أن يكون هنالِك راكِبٌ ثاني في الدرّاجة، لكن الآوان قد فات: ذاب نسلُ ” القتلة المولودين في درَّاجاتٍ ناريّة”، كملحٍ كولومبي، في قارات العالم السبع، كذلك كان لارتفاع نسبة الفقر؛ دورٌ، في ترويجِ استخدام هذا النوع مِنْ الدرَّاجات، كوسيلةِ نقلٍ رخيصة، للأفراد و البضائع.

أرخبيلُ الفلبين، المرتبط بشبهِ جزيرة الهند الصينيّة، يُعاني أيضاً مِنْ هؤلاء القتلة. هذا البلدُ الشهير بقناة بنما، أطلق وصف ” القتل بأسلوب الحِراسة”، على هذا النوع من الاغتيالات. العينُ العوراء لهذا النمط الفلبيني، و التي لا يمكِنُ الادعاء بأننا أغفلنا عن رؤيتِها: إنَّ ” قتلة الدرَّاجات الناريّة”، يتجوَّلون ليلاً بانتظارِ الأوامر، وأن وجودهم دليلٌ على أنك تعيشُ في بلادِ عصابات.

العينُ العوراء لـ “قتلة الدرَّاجات” في العِراق، تتمتعُ ببدائل عن نظيرتِها الكولومبية و الفلبينية: هي أرضٌ لعِصابات ميليشياويّة، تُتاجِرُ بالموتِ الديني، و تعيشُ على مُخدَّرات ” المحاصصة” بين الأفرقاء السياسيين.

“قتلة الدرَّاجات” في العِراق يستفادون أيضاً، مِنْ غياب الضبط و الربط الإداري. مثلاً – نستطيع أن نعتبِرهُ كوميديا سوداء – إنَّ دائرة المرور العامّة العِراقية، اعترفت في 2021 ” ليس لدينا إحصاءات عن أعدادِ الدرَّاجات، لأن أعداداً مهولةٍ منها قد دخلت البلاد”.

الفضيحةُ الأُخرى؛ إنَّ عدد الدرَّاجات المُسجَّلة رسمياً، لم يتجاوز الـ 134 ألفاً تقريباً، لغاية مايو 2019. هنا؛ يجبُ علينا أيضاً، أن نُعرّي هذهِ الفضيحة مِنْ ” الأرقام الخرساء”؛ التي تنطِقُ ألغازاً ولا تشرحُ للحقيقةِ صدراً.

إحصاءات وزارة التخطيط العراقيّة، بيَّنت أنَّ نسبة (6.6) بالمائة مِنْ الشعب العراقي، تستخدِمُ الدرَّاجات الناريّة. هذهِ الإحصائيات كانت عام 2011. المُفارقة اللطيفة أن الرابط الإلكتروني للوزارة، و الذي اعتمدتهُ بي. بي. سي البريطانية كوثيقةٍ إلكترونيّة، ما عاد يعمل.

الصورةُ لن تكتمل هنا، إلَّا بتذكيرِنا إنَّ تعداد الشعب العراقي تجاوز الثلاثة وثلاثين مليوناً، عام 2011، و هكذا فإنَّ هنالِك ما لا يقِلُ عن المليونين، مِنْ مُستخدميْ الدرَّاجات الناريَّة في العِراق، و ربّما تكون أرقامُ الدرَّاجين، قد وصلت عتبة الثلاثة ملايين تقريباً، في هذا العام (2021)، إذا ما عرِفنا إنَّ تخمينات وزارة التخطيط العراقيّة، تذهبُ إلى أن تعداد الشعب العِراقي، أصبح أربعين مليون نسمة.

هنالِك أيضاً ظِلالٌ هوليوودية، تسيرُ خلف ” قتلة الدرَّاجات الناريّة”؛ خاصّةً مَنْ لهم علاقة بتصفية الشخصيات المدنيّة المؤثِّرة؛ التي تسكنُ في أحياءٍ سكنيّة، تقعُ في “مناطق أمنيّة مُحصَّنة”، مِثْلَ إيهاب الوزني: هناك نقطة مُرابطة شُرطيّة ثابتة عند مدخل المنطقة، و يكون القتلة بانتِظار وصول الضحيّة – مما يؤكِّدُ أن هناك أكثر من شخص يؤمِّنون المناخ اللوجستي للاغتيال – ليفرِّوا بعدها مِنْ مكان الجريمة بسرعةٍ غير مُبالغٍ فيها.

الأهم، و بحسبِ ملاحظةٍ، أدلت بها إحدى مصادري في محافظةِ كربلاء، بعد اغتيال الناشط فاهم الطائي، لم أُعِرها اهتِماماً – كانت بحسب تقييمي هوليوودية أكثر مِنْ اللازم – أنهُ كان شاهِداً على ” صعود درَّاجة نارية إلى شاحنةٍ، تستخدمُ لنقل المرطبات، بعد وقتٍ قصير مِنْ حدوثِ الاغتيال”.

هذا الموضوع عاد لينقُر رأسي، في تحقيقٍ استقصائي، كنتُ قد قمتُ بهِ، مع السيد علي الخيام، لهُ علاقةٌ بواقع تجارة المُخدَّرات في محافظة كربلاء، حيثُ كشفت لنا إحدى المصادر، إنَّ ” ترويجاً قويّاً للمُخدَّرات، تشهدُه المحافظة، قبل المناسبات الدينيّة”. المُفارقة التي صنعتها ملاحظةُ الشاهد الهوليوودية، مع ما كشفتهُ تلك المحاولة الاستقصائيّة، رغم إنّها لم تُفلِح لحدِّ هذهِ اللحظة، في الاحتِماءِ تحت سقفِ فرضيّةً مُعيَّنة: حدوث حالات اغتيال، بعد مدَّةٍ من انتهاء هذهِ المناسبات الدينيّة!

الصِحافي؛ بيندكت دكروز، كان قد كشف أنَّ من يتمُّ اغتيالُهم، يكونُ قد تمَّ وضعُهم في ” لوائح اغتيال” ، تصِلُ إلى الجِهات الأمنيّة – السؤال المهم: كيف تصِل – حيثُ على الأغلب لن يترجَّلوا منها إلَّا إلى القبر. التفَّاحة الأخيرة التي تستطيع معلوماتي هذهِ ان تأكلُها؛ كي تُطرَدَ مِنْ جنَّةِ الملاحظات إلى أرض الفرضيات: إنَّ الميليشيات الإيرانيّة الصاعِدة – اتحدَث عن العاصِمة بغداد – كانت دائِماً و قبل أن تحتل مقاعد الميليشيا التي قبلها، تُسرِّبُ لوائِحاً تذكرُ أسماء مَنْ كانوا وراء الاغتيالات في هذهِ المنطقة أو تلك، مِنْ أفراد الميليشيا التي تنحسِرُ حظوظها مؤقتاً.

حصّة الانتخابات المُبكِّرة مِنْ اغتيال الوزني

ردَّةُ فعلِ رئيس الحكومة الحالية؛ مصطفى الكاظمي، على اغتيالِ إيهاب الوزني، و التي أبداها أمام مُمثِّلين لقنواتٍ فضائيّة حزبيّة، تقودُها الفضائيّة الرسمية.. قناة العِراقيّة، تميَّزت بأمرين مهمين بحسبِ تقديري: إعادةُ تأكيدِه على أنهُ لن يُرشِّح في الانتخابات القادِمة (المُزمع أن تجري في العاشر من أكتوبر القادم)، و وصفه للزعيم الصدري؛ مقتدى الصدر بأنّه ” سيد المقاومة”.

الزعم الأول لعدم نيّة رئيس الحكومة، للترشيح في الانتخابات القادمة، جاء على لِسان مُقرَّبٍ منه، وكان بعد حادثة حرق مستشفى ابن الخطيب؛ التي علَّق عليها الزعيم الصدري بما مفادُه: حربٌ انتخابيّة قذِرة. طبعاً؛ وزارة الصحة هي مِنْ ضمنِ حصَّةِ التيار الصدري و لسنواتٍ طويلة، شهد فيها القِطاعُ الصَّحي أسوأ عهودِه.

الزعم للمرّةِ الثانية، بعدم رغبته للتَرَشُّحِ، في انتخابات أكتوبر القادمة، و الذي جاء على لِسانه (نقصد مصطفى الكاظمي)، لا يمكِنُ إعطائه الوزن الثقيل، إلَّا بربطِه بما وجدتُه أنا شخصياً، غزلاً سياسيّاً فاضِحاً للزعيم الصدري، مِنْ خِلالِ إضفاء صفة ” سيد المقاومة” عليّه، ومما يؤكِّدُ: إنَّ الكاظمي يُقامِرُ بمستقبلهِ السياسي، على طاولة التيار الصدري.

ما أُشيع أيضاً عن نيّة التيّار الصدري في الآونةِ الأخيرة، في خفضِ سقف توقعاته الماضيَّة: مِنْ مائة مقعد، إلى ثلاثةٍ و ستين مقعداً – على اعتبار أنهُ قرر خوض الانتخابات القادِمة بهذا العدد مِنْ المُرشَّحين – يبدو محاولةً منه، لتخفيف التوتر السياسي، واشيّاً لنا: إنَّ الانتخابات القادمة، روليت روسي، لحظوظِ الأفرِقاء السياسيين.

الخبير الأمني و العسكري؛ ماجد القيسي، و الذي استعنتُ به في هذا المقال، توقَّع ” ارتفاع نسبة الاغتيالات قبل الانتخابات، و أنَّ خطَّها البياني، سينفجِرُ بعد الانتخابات القادمة، إذا لم تكن الأحزاب راضية عن النتائِج”. أمّا تفسيرُه للموضوع، مِنْ الزاويةِ الحزبيّة ” إنَّ هنالِك خطَّاً حزبيّاً لا يريدُ إجراء الانتخابات في أكتوبر القادم، و هو المسؤول عن الاغتيالات الحاليّة”. النتيجة النهائية، وضعها القيسي في الجملةِ التاليّة ” ما يحصُل صِراعُ دَّوْلَةٍ ضِدَّ دَّوْلَة”.

المُفارقة، التي وضعتُها للخِتام، إنَّ عائلةالناشط إيهاب الوزني، صرَّحت إنَّ الجهة التي اغتالت الناشط فاهم الطائي، هي من اغتالت أبنها. يأتي ذلك في وقتٍ بيّنت فيه مصادري الخاصَّة، إنَّ تلك الجهة ” تُجري مفاوضاتٍ مع عائلة فاهم الطائي، عبر القناة العشائريّة، لدفعِ ما يُعرفُ بـ “ديّة القتيل” و غلق القضيَّة.