بقلم ستيفن كالين “بزنس انسايدر”
قد تواجه القوات العراقية قتالا شرسا ضمن معركة كبيرة قرب بغداد اثناء مسيرتها الرامية لاستعادة مدينة الموصل احد اكبر معاقل تنظيم داعش، قتالا يتمثل في استعادة مدينة الفلوجة التي تعد واحدة من حصون الجهاديين الاسلاميين السنة على مشارف العاصمة العراقية غربا.
و كانت حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ومعها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، كانوا حذرين، ولغاية الان، ازاء الخطط المتعلقة بالفلوجة، تلك المدينة التي تقع ما بين بغداد والرمادي مركز محافظة الانبار العراقية الغربية السنية التي تمكنت القوات العراقية من انتزاعها من براثن تنظيم داعش مؤخرا.
لكن الفلوجة نفسها كانت اول مدن العراق التي سقطت بيد تنظيم داعش شهر كانون الثاني بداية العام 2014، وذلك قبل 6 اشهر من بروز التنظيم المتطرف الذي ولد من رحم تنظيم القاعدة في العراق الذي سبقه، حيث تمكن داعش لاحقا من احتلال مساحات واسعة من العراق وسوريا المجاورة مع بدء صيف العام الماضي. لقد تحدث رئيس الوزراء العراقي العبادي يوم الاثنين الماضي قائلا ان الجيش العراقي سيتوجه بعد الرمادي الى الموصل التي تعد اكبر مركز حظري سكاني عراقي يقع تحت سيطرة التنظيم. وقال العبادي ان استعادة الموصل ستعلن نهاية دولة الخلافة التي بشر بقيامها زعيم التنظيم البغدادي من داخل اكبر جوامع الموصل شهر حزيران من العام 2014 اثر اجتياح اتباعه لمدينة في حينها .
لكن مع العديد من المناطق الشمالية والغربية التي لا تزال تحت سيطرة التنظيم، فأن السلطات لم توضح ما هو الطريق الذي تنوي سلوكه لاستعادة الموصل التي تبعد 400 كيلومترا الى الشمال من بغداد. في هذا السياق، يقول وزير البيشمركة الكردي اللواء جبار ياور الذي تمكنت قواته من استعادة بعض المناطق الشمالية من براثن التنظيم نهاية العام الماضي، يقول معلقا “ان الحكومة بحاجة لاستعادة السيطرة على الفلوجة قبل الموصل”.
اما احمد الاسدي الذي يشغل منصب المتحدث الرسمي بأسم الحشد الشعبي الذي قاد معارك كبيرة ضد تنظيم داعش، فيقول ان الفلوجة يمكن ان تكون الهدف التالي ما قبل الموصل. لكن الاسدي اضاف قائلا “ان القرار النهائي منوط بالقائد العام للقوات المسلحة”، في اشارة منه الى العبادي الذي يتلقى الحشد الشعبي تعليماته منه.
في سياق متصل، تشير البيانات العسكرية اليومية الى ان الضربات الجوية التي ينفذها الجيش العراقي والتحالف الدولي تشمل مناطق محيط الفلوجة التي كانت تضم 300000 من السكان ما قبل الحرب وتبعد بحدود 70 كيلومترا غربي العاصمة العراقية.
لكن لغاية الان، ليس هنالك من مؤشرات تتعلق بكيف او متى يمكن ان يبدأ الهجوم بغية استعادة المدينة التي يقول الخبير الامني والمحلل المتخصص هاشم الهاشمي انها لا تزال تؤوي اكثر من 1000 من مقاتلي تنظيم داعش المتطرف. من جانبه، قال اللواء يحيى رسول المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة لوكالة انباء رويترز يوم الخميس الماضي معلقا “هنالك قيادة عسكرية تخطط وتضع رؤية عسكرية في الوقت الراهن”. واضاف رسول قائلا “اذا ما بدأت معركة لتحرير مركز الفلوجة او اي منطقة اخرى، فأننا سنعلن ذلك رسميا”.
في هذه الاثناء، لا يزال هنالك بحدود 3000 عائلة متبقية في الفلوجة، حيث يمكن لتنظيم داعش ان يستخدمها كدروع بشرية حسب الخبير الهاشمي الذي يعمل لصالح الحكومة العراقية.
وفي السياق ذاته، فأن اكثر من 70000 من العوائل الفلوجية نزحت الى بغداد وضواحيها حسب المفوضية العراقية العليا لحقوق الانسان.
ماض مضطرب
تقع الفلوجة اسفل مصب وادي نهر الفرات، هذا النهر الذي تتوزع حوله الكثير من الوحدات التابعة للجيش العراقي حسب ما يؤكد التحالف الدولي، وان كان ذلك لم يمنع مقاتلي التنظيم المتطرف من تدبر امر التسلل برغم طوق القوات العراقية.
يقول الاسدي ان الحشد الشعبي كان حاضرا جنوب الفلوجة على الطريق المؤدي الى مدينة كربلاء الشيعية المقدسة، فضلا عن تواجده في بعض المناطق الشرقية والغربية الاخرى. وهناك، ساعد الحشد الشعبي على عزل المدينة والامساك بالمناطق وتحرير بعض القوات العسكرية النظامية كي تتمكن من التقدم والمضي قدما.
تقول السيدة ماريا فانتابيه، وهي محلل متخصص بالشأن العراقي في مجموعة الازمات الدولية، تقول انه بصرف النظر عن قرب مدينة الفلوجة من بغداد، الا ان هذه المدينة قد لا تصبح الهدف التالي بعد الرمادي بالضرورة. ومن اللافت ان شبكة العشائر العربية القوية في الرمادي كان لها دور في تسهيل مهمة القوات العراقية بغية تشكيل تحالف لاستعادة السيطرة على بعض المناطق المهمة. لكن فانتابيه تحدثت من اسطنبول عن هذا الموضوع قائلة “ان الفلوجة مدينة ذات التركيبة حضرية مختلفة بعض
الشيء، تركيبة تضم وجودا للعشائر لكن بطريقة اقل ترابطا داخل المدينة، الامر الذي سيصعب عملية استعادة المدينة واعادتها لسيطرة الحكومة من جديد”.
تمثل الفلوجة التي يطلق عليها لقب “مدينة المنائر وام المساجد”، تمثل محور اهتمام بالنسبة للهوية السنية في البلاد. وقد تعرضت المدينة لدمار شديد نتيجة لهجومين قامت بهما القوات الاميركية ضد مقاتلي تنظيم القاعدة في العام 2004.
وكان لعشائر الانبار ان ساعدت على قلب الموجة ضد التمرد في ذروة شدته عام 2006، وذلك بعد ان تمكنت القوات الاميركية من ايجاد سبب مشترك يجمعها مع تلك العشائر يتمثل في ضرورة الخلاص من تنظيم داعش الارهابي آنذاك.
لكن اعادة انبعاث التنظيم القديم مرة اخرى تحت مسمى الدولة الاسلامية الجديد كان له ان صنع حالة من الانقسام ما بين سكان محافظة الانبار التي يتهم العديد من ابناءها رئيس الوزراء العراقي الاسبق نوري المالكي بإقصائهم وتهميشهم مقابل انحياز سلطته الى ايران. ولنا ان نذكر ان بعض هؤلاء يدعمون تنظيم داعش او انهم خائفون الى درجة عدم مقدرتهم على الوقوف ضده.
تقول فانتابيه ان اي محاولة لاستعادة الفلوجة يمكن ان تجابه بمقاومة محلية بسبب الاتفاق الذي ابرمه الجهاديون مع شيوخ عشائر ووجهاء المدينة قبل عامين تقريبا.
لكن مسؤولي الحكومة المحليين يقولون ان استعادة الرمادي التي تعد اكبر مدن محافظة الانبار السنية من براثن التنظيم انما كان لها وقع الصدمة الكبير الذي اضعف من معنويات المتطرفين. كما ان ذلك خلق قدرا من التوتر ما بين سان الفلوجة انفسهم، فضلا عن تسببه بأشعال فتيل صدامات ما بين العشائر السنية، وان لم يكن ممكنا التأكد من مصداقية التقارير التي تحدثت عن ذلك من مصادر مستقلة.
من جانبه، يقول السيد ابراهيم الفهداوي، وهو احد اعضاء مجلس المدينة، يقول عن هذا الموضوع معلقا “لقد هرب بعض عناصر تنظيم داعش من الرمادي الى الفلوجة، ما تسبب بتصاعد منسوب الخوف لدى سكان الاخيرة من ان خطوة الحكومة القادمة ستكون الهجوم على مدينتهم، الامر الذي دفع العديد من عوائلها الى الرحيل عنها”.
وختم الفهداوي يقول “لقد هدد عناصر داعش بأعدام كل من يحاول الفرار من المدينة، الامر الذي خلق صدامات وشجارات ما بين السكان المحليين من جهة، وافراد التنظيم المتطرف من جهة ثانية وهم من الاجانب غالبا”.