23 ديسمبر، 2024 4:21 م

قبل الدخول في الانتخابات – 1 / فقه النية

قبل الدخول في الانتخابات – 1 / فقه النية

جاءت الانتخابات وجاءت معها النفوس الخمسة  الامارة واللوامة  والشحيحة والزكية والمطمئنة   .
   وبدا التنافس على اشده بين المنتخبين والناخبين ولابد من توجيه الامر حسب قواعد الشرع ، ومما لابد من قوله هنا :
 ان طلب الامارة منهي عنه شرعا فقد بوب البخاري   في صحيحه  (  باب من سأل الإمارة وكل إليها). اي انه لايوفق فيها ويخرج منها مذموما مخذولا ملاما نادما .
وقد اورد البخاري الحديث برقم :
   6728
حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا يونس عن الحسن قال حدثني عبد الرحمن بن سمرة قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ( يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت  ).
وفي صحيح مسلم : رقم الحديث: 3410
   عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : ” قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي ، قَالَ : فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ ، قَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ : إِنَّكَ ضَعِيفٌ ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا.  ” .
قال ابن حجرالعسقلاني:
  ص: 133   وأما قوله ” لا تسأل الإمارة ” فهو الذي في أكثر طرق الحديث ، ووقع في رواية يونس بن عبيد عن الحسن لفظ ” لا يتمنين ” بصيغة النهي عن التمني مؤكدا بالنون الثقيلة ، والنهي عن التمني أبلغ من النهي عن الطلب .
قوله : (عن مسألة ) أي سؤال. .
قوله ( وكلت إليها ) بضم الواو وكسر الكاف مخففا ومشددا وسكون اللام ، ومعنى المخفف أي صرف إليها ومن وكل إلى نفسه هلك ، ومنه في الدعاء ” ولا تكلني إلى نفسي ” ووكل أمره إلى فلان صرفه إليه ; ووكله بالتشديد استحفظه ، ومعنى الحديث أن من طلب الإمارة فأعطيها تركت إعانته عليها من أجل حرصه ، ويستفاد منه أن طلب ما يتعلق بالحكم مكروه فيدخل في الإمارة القضاء والحسبة ونحو ذلك وأن من حرص على ذلك لا يعان ، ويعارضه في الظاهر ما أخرجه أبو داود عن أبي هريرة رفعه من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله جوره فله الجنة ، ومن غلب جوره عدله فله النار والجمع بينهما أنه لا يلزم من كونه لا يعان بسبب طلبه أن لا يحصل منه العدل إذا ولي ” أو يحمل الطلب هنا على القصد وهناك على التولية ” وقد تقدم من حديث أبي موسى إنا لا نولي من حرص ولذلك عبر في مقابله بالإعانة ، فإن من لم يكن له من الله عون على عمله لا يكون فيه كفاية لذلك العمل فلا ينبغي أن يجاب سؤاله ، ومن المعلوم أن كل ولاية لا تخلو من المشقة ، فمن لم يكن له من الله إعانة تورط فيما دخل فيه وخسر دنياه وعقباه ، فمن كان ذا عقل لم يتعرض للطلب أصلا ، بل إذا كان كافيا وأعطيها من غير مسألة فقد وعده الصادق بالإعانة ، ولا يخفى ما في ذلك من الفضل . قال المهلب : جاء تفسير الإعانة عليها في حديث بلال بن مرداس عن خيثمة عن أنس رفعه( من طلب القضاء واستعان عليه بالشفعاء وكل إلى نفسه ، ومن أكره عليه أنزل الله عليه ملكا يسدده)  أخرجه ابن المنذر .
   قال المهلب : وفي معنى الإكراه عليه أن يدعى إليه فلا يرى نفسه أهلا لذلك هيبة له وخوفا من الوقوع في المحذور فإنه يعان عليه إذا دخل فيه ، ويسدد ; والأصل فيه أن من تواضع لله رفعه الله ، وقال ابن التين : هو محمول على الغالب ، وإلا فقد قال يوسف اجعلني على خزائن الأرض وقال سليمان وهب لي ملكا قال : ويحتمل أن يكون في غير الأنبياء.
قلت: شرع من قبلنا لاحجة فيه اذا عارضه شرع نبينا صلى الله عليه وسلم .وقد عارضه هنا وقد يجاب عن طلب يوسف وسليمان بانهما نبيان معصومان من الجور وحب الدنيا وايثارها على الاخرة فمن يقوى على ذلك في هذا الزمان .
وجاء في رواية ابي هريرةعنه صلى الله عليه وسلم  برقم 7148( إنكم ستحرصون على الإمارة ، وستكون ندامة يوم القيامة ، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة).
 قال ابن حجر :
قوله :  ( إنكم ستحرصون  على الإمارة ) دخل فيه الإمارة العظمى وهي الخلافة ، والصغرى وهي الولاية على بعض البلاد ، وهذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم بالشيء قبل وقوعه فوقع كما أخبر    فيها.
 قال النووي : هذا أصل عظيم في اجتناب الولاية ولا سيما لمن كان فيه ضعف . وهو في حق من دخل فيها بغير أهلية ولم يعدل فإنه يندم على ما فرط منه إذا جوزي بالخزي يوم القيامة ، وأما من كان أهلا وعدل فيها فأجره عظيم كما تظاهرت به الأخبار ، ولكن في الدخول فيها خطر عظيم ، ولذلك امتنع الأكابر منها والله أعلم .

[ ص: 135 ] قوله ( فنعم المرضعة وبئست الفاطمة ) قال الداودي : نعم المرضعة أي الدنيا ، وبئست الفاطمة أي بعد الموت ، لأنه يصير إلى المحاسبة على ذلك ، فهو كالذي يفطم قبل أن يستغني فيكون في ذلك هلاكه . وقال غيره : نعم المرضعة لما فيها من حصول الجاه والمال ونفاذ الكلمة وتحصيل اللذات الحسية والوهمية حال حصولها ، وبئست الفاطمة عند الانفصال عنها بموت أو غيره وما يترتب عليها التبعات في الآخرة .

ولذلك انصح كثيرا من الاخيار الا يتنافسوا على الامارة ولا يتطلعوا اليها الا اذا رشحتهم جماعة المؤمنين وعليهم ان يكتفوا بنيتهم الصالحة فما عند الله خير وابقى .
وقد ذكر شيخ الاسلام ابن تيمية كلاما جميلا في فضل النية الصالحة الجازمة على العمل
 فقال  في مختصر الفتاوى للبعلي :
فصل: (نية المؤمن خير من عمله) .
هذا قاله غير واحد، بعضهم يرفعه  ، وبيانه من وجوه :
أحدها :أن النية المجردة عن العمل يثاب عليها والعمل بلا نية لا يثاب عليه.
 الثاني: أن من رأى الخير وعمل مقدوره منه وعجز عن إكماله كان له أجر عامله لقوله عليه الصلاة والسلام إن بالمدينة رجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم.
 الثالث: أن القلب ملك البدن والأعضاء جنوده فإذا طالب الملك طالبت جنوده وإذا خبت خبثت والنية عمل الملك.
 الرابع :أن توبة العاجز عن المعصية تصح عند أهل السنة كتوبة المجبوب من الزنا وكتوبة الأخرس عن القذف وأصل التوبة عزم القلب.
 الخامس: أن النية لا يدخلها فساد فإن أصلها حب الله ورسوله وإرادة وجه الله وهذا بنفسه محبوب لله ورسوله مرضى لله ورسوله والأعمال الظاهرية يدخلها آفات كثيرة ولهذا كانت أعمال القلوب المجردة أفضل من أعمال البدن المجردة كما قيل قوة المؤمن في قلبه وضعفه في جسمه والمنافق عكسه والله أعلم
وقال في موضع اخر:
ومن هذا الباب حديث أبي كبشة الأنماري الذي رواه أحمد وابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إنما الدنيا لأربعة : رجل آتاه الله علما ومالا فهو يعمل فيه بطاعة الله فقال رجل : لو أن لي مثل فلان لعملت بعمله فقال النبي صلى الله عليه وسلم فهما في الأجر سواء } وقد رواه الترمذي مطولا وقال حديث حسن صحيح فهذا التساوي مع ” الأجر والوزر ” هو في حكاية حال من قال ذلك وكان صادقا فيه وعلم الله منه إرادة جازمة لا يتخلف عنها الفعل إلا لفوات القدرة ؛ فلهذا استويا في الثواب والعقاب .
وليس هذه الحال تحصل لكل من قال : ” لو أن لي ما لفلان لفعلت مثل ما يفعل ” إلا إذا كانت إرادته جازمة يجب وجود الفعل معها إذا كانت القدرة حاصلة وإلا فكثير من الناس يقول ذلك عن عزم لو اقترنت به القدرة لانفسخت عزيمته كعامة الخلق يعاهدون وينقضون وليس كل من عزم على شيء عزما جازما قبل القدرة عليه [ وعدم ] الصوارف عن الفعل تبقى تلك الإرادة عند القدرة المقارنة للصوارف كما قال تعالى : { ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون } وكما قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون } وكما قال : { ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين } { فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون } وحديث أبي كبشة في النيات مثل حديث البطاقة في الكلمات . وهو الحديث الذي رواه الترمذي وغيره عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم { أن رجلا من أمة النبي صلى الله عليه وسلم ينشر الله له يوم القيامة تسعة وتسعين سجلا كل سجل منها مدى البصر ويقال له هل تنكر من هذا شيئا ؟ هل ظلمتك ؟ فيقول : [ ص: 735 ] لا يا رب . فيقال له : لا ظلم عليك اليوم فيؤتى ببطاقة فيها التوحيد ؛ فتوضع في كفة والسجلات في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة } فهذا لما اقترن بهذه الكلمة من الصدق والإخلاص والصفاء وحسن النية ؛ إذ الكلمات والعبادات وإن اشتركت في الصورة الظاهرة فإنها تتفاوت بحسب أحوال القلوب تفاوتا عظيما . ومثل هذا الحديث الذي في حديث : المرأة البغي التي سقت كلبا فغفر الله لها ؛ فهذا لما حصل في قلبها من حسن النية والرحمة إذ ذاك ومثله قوله صلى الله عليه وسلم { إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت . يكتب الله له بها سخطه إلى يوم القيامة } اهــ
قلت: ويؤكد صحة المعنى قوله صلى الله عليه وسلم (انما الاعمال بالنيات  ولكل امرئ مانوى ).
 وقد جاء عن بعض السلف أنه قال رب عمل صغير تكبره النية  .
وقد سئل الإمام أحمد النصيحة فقال  للسائل إنو الخير . قلت:  وهذه نصيحة بليغة  من الامام احمد فمن لم يستطع عمل الخير لعجز في البدن او الوقت او المال فانه يبلغ ذلك عن طريق النية الجازمة . والله اعلم
فاذا تبين فضل النية على العمل فان هذا سيقلل من التنافس على الانتخابات ويكتفى بمن يرشحه اخوانه الصادقون ولا ينفرد هو بترشيح نفسه والله الموفق لكل خير .
وهو الهادي لارب سواه