الوقت هو منتصف الليل ،والطقس شديد البرودة ، هاهو شهر كانون الأول يشرف على الأنتهاء ، ومن خلف نوافذ المنازل والمقاهي تتلألأاضواء الزينة ابتهاجا ببداية عام جديد….في أحد الشوارع المظلمة ، مازالت فتاة صغيرة تتعثر بأذيال ملابسها الرثة وهي تحمل أعواد الكبريت لتبيعها على المارة …أنامل الطفلة تتجمد من البرد لكن قلبها يشتعل بالحسرة فوالدها مريض واشقائها لم يتناولوا العشاء بعد وعليها ان تبيع مالديها من أعواد الكبريت لتعود اليهم …
تنصت الفتاة الى اصوات المحتفلين وتسترق النظر الى مايجري خلف النوافذ فيطردها الأثرياء …تمطر السماء فتبتل الفتاة وأعواد الكبريت وتضطر الى اشعال ماتبقى لديها من اعواد لتتدفأ بها لكن البرد والمطر والجوع كانوا اقوى منها بكثير ، وفي النهاية يعثر عليها رجال التنظيف في اليوم الثاني ملقاة كقطعة قمامة متجمدة على الرصيف !!
كلما اقتربت أعياد الميلاد وراس السنة ، تطفر الى ذهني هذه القصة المرتبطة بمرحلة الطفولة فافكر في من يستقبل العيد فقيرا ،معدما ، او مجروحا ، فأعياد الميلاد تعني الفرح والحب والسلام ومن يفتقد احد هذه الأشياء او كلها ، لن يشعر بالتاكيد بطعم العيد …
في بلدنا الذي افتقد طعم الفرح الحقيقي منذ زمن بعيد ، صار يمكن ان نرى المسيحيون الذين يحتفلون في كل انحاء العالم باعياد الميلاد بفرح وحماس يبكون ألما بعد ان فقدوا أهم عنصر يربطهم بالعراق وهو (الأمان ) ..اغلبهم هاجر ومن بقي منهم صاريبكي الغائبين او ذكرياته الماضية في بلد الأديان والمذاهب المهددة بقلق (التهجير )…
وصار يمكن ان نقبل على عام جديد وقد تركنا وراءنا عاما اعتبرته المفوضية العليا لحقوق الانسان العام الاقسى وحشية وعنفا ضد اطفال العراق بسبب مافعلته داعش بهم حين جندتهم اوحولتهم الى ايتام او دروع بشرية او بضاعة يمكن بيعها في سوق النخاسة او نازحين ..وهو العام الذي
شهد ايضا الكثير من التفجيرات والقتل والدماركما شهد هذه المرة فيضانا بسبب الامطار ووباء (الكوليرا ) الذي انقرض منذ سنوات بعيدة يضاف اليه باقة مختارة من الامراض الخطيرة والمعدية …
في عام 2015 ، تصورنا ان محاربة الفساد بالتظاهرات ستحقق لنا مطالبنا وتعيد الينا بلدنا الغارق في مستنقع الفساد والتناحرات الطائفية لكنه اشرف على نهايته ولم يتحقق أي شيء فعلي وقد تتواصل التظاهرات في العام الجديد دون ان تتغير الضمائر والافعال فمن لم تجر محاكمته من مرتكبي الفساد والجرائم لن يجد حتما يدا ضاربة او عقوبات رادعة في العام المقبل …سينقضي عام 2015 مخلفا وراءه 11الف قتيل عراقي حسب احصائيات بعثة يونامي فهل سيتوقف نزيف الدم في العام المقبل ؟….
سنحاول ان نوقف نزيف الاسئلة قبل ذلك وان نتعلم فن الانتظار ..انتظار أمل ما ..ربما يبدأ مع تحرير مدينة الرمادي وعودة النازحين ،أما ماتبقى من ركام العام الفائت من موت وامراض وتقشف واختزال للرواتب وفسادلاينتهي فسينتقل معنا الى العام الجديد ..وآمل ان يصبح بعضه ماضيا في سنواتنا المقبلة القريبة لنعيش اعياد الميلاد بفرح حقيقي ..