18 ديسمبر، 2024 11:07 م

قبل أن يطيش الخطاب ويتبعثر !

قبل أن يطيش الخطاب ويتبعثر !

ليس من حق أصحاب القصور العامرة والأبراج العاجية ومواكب السيارات الفارهة والمنتجعات والشاليهات والفنادق الفخمة ، الحديث عن الزهد والتصبر والعدالة الاجتماعية ، اذ لاشك في أن وعظ الجياع والفقراء والمحرومين في الزهد ، يشبه الى حد بعيد وكما قال البغادة “تعليم اليتيم على البجي – البكاء- !”فهل يحتاج اليتيم الذي قضى عمره كله باكيا أن ينبري له احدهم ليعظه ويعلمه فنون البكاء ويدخله دورة فيها ؟! ولعل من المؤاخذات على بعض الشخصيات الاسلامية الحركية منها والتقليدية ، السلطوية والشعبوية ، التي تعيش داخل البلاد او خارجها وفي عموم الوطن العربي “انها باتت تتحدث كثيرا عن فضائل الزهد وحسناته لأتباعها وتشجعهم عليه اسوة بالصبر والتصبر والمصابرة والتصبير بكثرة ، ومن ثم تخرج من الاستوديو..من المؤتمر ..من المهرجان ..من الاجتماع …من المحاضرة ..من الندوة ، من الجامع …وفي تناقض صارخ وصريح وقبيح لتركب سياراتها الفارهة الاميركية او اليابانية ذات الدفع الرباعي وهي في طريقها الى البنك – غير الاسلامي – لتنسلم رواتبها ومخصصاتها ورواتب ومخصصات حماياتها الفلكية ، بينما يصطف المُطَالبون بالزهد والصبر والورع على جانبي الطريق لتحية دعاة الزهد والتصبر والدموع تغطي وجوههم قائلة بلسان واحد ” ياااااه ما ازهده …ما اروعه ..ما اطيبه …دعوني اقبل يديه وقدميه ، أنه بقية حية مما ترك الزاهدون الاقدمون امثال الجنيد والسري سقطي ومعروف الكرخي والجيلاني والغزالي ” وللباكين اقول ” عليكم أن تعرفونهم من ثمارهم ، لأنك لن تجني من الشوك عنبا ، ولا من العليق تينا …واعجب كيف تصدق من يحدثك عن الزهد والتراحم والمرحمة ولا اثر لهذا كله في حيثيات وتفاصيل حياته بمجملها ..كيف؟! ” .
ومن المؤاخذ على الشخصيات اليسارية والقومية وما يسمى بالوطنيين – والاخير مصطلح فضفاض جدا اشبه ما يكون بالمراقبين والمحللين السياسيين والناشطين مما افرزته لنا مواقع التواصل والمنصات وبرامج التوك شو – انها تتحدث كثيرا عن الاشتراكية واهمية التوزيع العادل للثروات وتحقيق العدالة الاجتماعية،في وقت تحمل فيه على الرأسمالية البشعة بكل شاردة وواردة قبل ان تولي وجوهها شطر قصورها العامرة في أرقى أحياء العاصمة وأغلاها ثمنا بسياراتها الفارهة ومواكبها الطويلة متصلة أثناء المسير وبعد الاطمئنان على الجواز والجنسية الاجنبية الثانية وريما الثالثة، بأولادها وبناتها ممن يدرسون في الجامعات البريطانية والاميركية والفرنسية الرأسمالية للاطمئنان على أحوالهم ! “.
نصيحة اخوية للاشتراكيين والاسلاميين والقوميين وما يسمى بالوطنيين على سواء ” اذا أردت ان تتحدث عن الزهد والتراحم والعدالة الاجتماعية فليظهر ذلك جله او كله على محياك ، على مجالسك ، على حياتك ، على مأكلك ، على مشربك ، على ملبسك ، ولتكن الدنيا في يدك لا في قلبك …لأن كثرة الحديث عن الزهد والعطاء – اسلاميا – والعدالة الاجتماعية – اشتراكيا ووطنيا وقوميا – والدعوة اليها بوجود مواكب السيارات الطويلة بزجاجها المضلل المضاد للرصاص ، ذات الدفع الرباعي موديل 2021 – 2022 المدججة بالسلاح والمحشوة بالحمايات واجهزة الاتصال وربما بالكلاب البوليسية يتنافى كليا مع أحاديث وخطب ومواعظ الزهد والعدالة الاجتماعية كليا ، بل ويعارضها كذلك !
مناسبة الحديث انه ومع رفع قيمة الفوائد وتخفيض العملات المحلية ورفع اسعار العملات الاجنبية وارتفاع اسعار الدواء والعلاج والنقل والتعليم والمواد الغذائية والتموينية الاساسية وبدلات الايجار بشكل جنوني في كل من العراق ومصر وسورية والسودان ولبنان وبقية الدول التي تلبس مما لاتصنع ، وتأكل مما لاتزرع ،وتتحدث فيما لاينفع ، وتعظ فيما لايُقنِع ولا يُسمَع قد بدأنا نسمع كثيرا عن أحاديث الزهد والعدالة الاجتماعية على لسان – الاكثر والافحش والاغزر اموالا وقصورا ومواكب وثراءا – وكلهم صار يذكرنا بمعاناة المسلمين ايام حصارهم في شعب ابي طالب ، وكيف ان الحبيب الطبيب صلى الله عليه وآله وسلم كان زاده التمر والماء طوال حياته ، وان الصحابة وأل البيت الكرام قد جاعوا وزهدوا ..واقول لهؤلاء جميعا ” ارني الزهد على نفسك وعيالك وبيتك اولا ..ثم حدثني عن الزهد ..اما ان تأتيني بلباس فاخر مستورد على الموضة ، وبحذاء ايطالي أحدث صرعة ، وبعطر فرنسي فاخر ، وببشرة ناعمة من شدة الرخاء والترف ، وبساعة رولكس يدوية ثمنها يكفي لإعالة 1000 عائلة فقيرة شهريا ، وبكرش تقدمي ، وخلفية رجعية من كثرة الشره والبطر والاسراف والتبذير في الكماليات والتحسينات وليست من الضرورات بشيء ثم تحدثني عن فوائد الزهد وروائع العدالة الاجتماعية واهمية التراحم ، فهذا مجرد هراء ، وهواء في شبك يراد منه تنويم العوام وتخديرهم جماعيا !” …سيقول قائل ” ولكن الله تعالى يحب ان يرى اثر نعمته على عبده ” واقول احسنت ” يحب ان يرى اثر نعمته على عبده ..وليس نقمته على عبده …ولا اخال ان مواكب طويلة وعريضة مضللة حديثة مدججة بالسلاح تقطع طريق الناس وتخبث خاطرهم وتعيق حركتهم ذهابا وايابا هي نعمة من الله على عبده ، وانما هي نقمة ، ولو انك ارسلت نفرا من اتباعك ليتحسسوا ما يقوله الناس اثناء مرور موكبك الطويل وسمعتهم كيف يشتمون ويلعنون ويطعنون ويدعون على صاحب الموكب ومن معه ومن يؤيده ومن يدعمه ومن يموله ..لأدركت جليا ما اقول لك ولكرهت نفسك اسوة بحديثك عن الزهد والصبر والعدالة الاجتماعية في بلاد الطبقيات والثراء الفاحش …بلاد البون الشاسع والهوة السحيقة بين الفقراء والاغنياء التي تشهد اختفاء الطبقة الوسطى وتلاشيها واندثارها بالتدريج …واعلم بأن البطون الجائعة قسرا لاتحتاج الى خطب ومواعظ في الزهد ، لأنها زاهدة بطبعها ونتيجة لظروفها ورغما عن انفها وقرقات معيها الفارغة باتت تصم الاذان صادحة ” حي على التغيير..حي على الاصلاح ..حي على الثورة ” …احتفظ بمواعظك وخطبك ومحاضراتك لنفسك، ووجهها بدلا من ذلك للاثرياء من حاشيتك وحشمك وذيولك واذنابك وخدمك ،للطبقات الارستقراطية،للأوليغارشية،للكلبتو قراطية، للاوتوقراطية ، للعوائل التيوقراطية، للطبقات البيروقراطية، لطبقة الكومبرادور التي تعبث بإقتصاد البلاد وتتلاعب بقوت العباد ، للبلوتوقراطية التي جعلت المال العام والخاص دولة بينها من دون بقية شرائح الشعب المغلوب على أمره ، وان كنت أشك بمعرفتك لكل هذه المصطلحات مجتمعة ، حدث وارثي النعمة عن اجدادهم وابائهم ، كذلك حدثاء النعمة ممن كان يبرى بأظفارهم لطولها القلم ، ويقشر بها الثوم والبصل ، عن أهمية الصدقة، وإخراج الزكاة وعقوبة مانعها ،عن فضائل الانفاق في أوجه الخير المختلفة ، عن استحداث المؤسسات الخيرية والانسانية والتنموية ، ادعوهم للكف عن الاحتكار، عن التلاعب بالعملات ،عن تهريب النفط والغاز والاغنام والابقار والاثار ، عن بشاعة رفع الاسعار،عن قتامة الجشع ،عن عقوبة الغش في الميزان والتطفيف في المكيال ، عن اكل أموال الشعوب ونهب خيراتهم وثرواتهم بالباطل ..وسترى بأم عينيك جموع الفقراء والجياع الغفيرة كيف ستدعو لك بالخير بدلا من الدعاء عليك ، وكيف ستسير من خلفك مؤيدة ، وهي تسمع وتنصت الى ما تقول وتؤمن به عن قناعة “. اودعناكم اغاتي