“العراق لم يعد بحاجة إلى وجود بعثة الأمم المتحدة ونطالب بإنهاء أعمالها” كان ذلك مضمون رسالة محمد شياع السوداني رئيس الوزراء العراقي في مخاطبة موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” مطالباً الرئيس الأممي إلى إنهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة بشكل نهائي بحلول 31 كانون الأول/ديسمبر2025، مؤكداً إن مسوغات وجود بعثة سياسية في العراق لم تعد متوافرة بعد الآن.
السوداني أضاف في رسالته إلى طلب العراق في 2023 تمديد بعثة الأمم المتحدة لمدة عام تنتهي في مايس 2024 والنظر في تقليص ولاية البعثة.
القرار العراقي جاء بالتزامن مع قرب إنتهاء عمل المبعوثة الأممية في العراق جينين بلاسخارت ومغادرتها هذا البلد.
إعتراف ضمني بفشل عمل تلك المنظمة وإن جاء متاخراً ليكشف الخطوط الحمراء في دهاليزها التي لم يتجرأ أحد على كشف ملفات فسادها وتواطئ المنظمة مع الحكومات العراقية المتعاقبة، إلا أن تقرير صحيفة الغارديان الإستقصائي بتاريخ 22 كانون الثاني/يناير 2024 كشف عن حجم ذلك الفساد الذي كانت تمارسه تلك البعثات منذ عملها في العراق بعد عام 2003، ويبدو أن الفهم الخاطئ لعمل تلك المنظمات في داخل النظام السياسي العراقي وطبيعة ردود الأفعال من خلال التدخل في الشأن الداخلي للبلد جعل من وصف دورها بالإستعماري وتسمية ممثلها بالمندوب السامي على الرغم من تفويضها الأساسي لتقديم المشورة والدعم والمساعدة لحكومة وشعب العراق بشأن تعزيز الحوار السياسي الشامل والمصالحة الوطنية والمجتمعية ومساعدته في تيسير الحوار الإقليمي مع جيرانه وتعزيز حماية حقوق الإنسان وتنظيم الإنتخابات.
يدرك العراقيون حجم التخادم الفاسد بين المنظومة السياسية الحاكمة وتلك المنظمات، يصعب الكشف عن ملامحه طالما كان الجميع يسير في مركب الفساد الواحد.
لا ينسى العراقيون الدور السلبي الذي لعبته بلاسخارت في أحداث العراق ومحاولاتها الرقص على جراحهم، والمحصلة أن الجميع لم يكن راضٍ عن أفعالها، فشباب تظاهرات تشرين يتهمونها بالإنحياز إلى الجاني ضد الضحية حين كانت تتنقل بالتوك توك بين متظاهري ساحة التحرير وتنقل صورة مغايرة لما يحدث، في ذات الوقت الذي كانت فيه أحزاب الإطار التنسيقي تتهمها بالتدخل في الشأن الداخلي للبلد.
لكن اللعنة التي تلاحق بلاسخارت تلك التي حدثت في عام 2015 حين إرتكبت القوة الجوية الهولندية خطأً أثناء تنفيذ ضربة جوية ضمن عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش وأودت بحياة 85 مواطناً من الأطفال والنساء المدنيين في الحويجة في محافظة كركوك، حين كانت بلاسخات آنذاك تشغل منصب وزيرة الدفاع الهولندية كمسؤول مباشر عن ذلك الخطأ والتقصير إلا إن بلاسخارت أفلتت من العقاب وظلت القضية في أدراج النسيان والتعتيم، بل وصل الحال إلى مكافأتها برئاسة البعثة الأممية لمساعدة العراق “يونامي” فيما بعد لسنوات طويلة.
أخذ حجم الفساد نوعاً آخر حين كشفت الصحافة الهولندية في تقرير إستقصائي عام 2023 إلى ضياع أو سرقة أربعة ملايين ونصف المليون يورو خُصصت كتعويضات من الحكومة الهولندية لضحايا تلك المجزرة بالحويجة نتيجة الخطأ في الضربة الجوية والتي لم تصل إلى ضحايا الجريمة.
بعثة الأمم المتحدة التي تأسست في العراق بعد عام 2003 برقم 1500 والتي تعرّض مقرها في بداية عملها بفندق القناة في بغداد في آب/أغسطس2003 لتفجير إنتحاري أدى إلى تدميرها، حيث ذهب ضحية ذلك العمل الإرهابي 23 موظفاً من ضمنهم الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة “سيرجيو دي ميللو” وجرح أكثر من 100 آخرين.
في المقابل يصف البعض طلب إنهاء الدور الأممي في العراق بأنه قرار سياسي سيزيد من سطوة الأحزاب والنخب الماسكة للسلطة ويجعلها تتمرد على القانون بعد رحيل تلك المنظمة بغياب الرقيب الذي كان متابعاً لشؤون البلاد، لكن القرار العراقي من خلال رسالة السوداني إلى الأمين العام للأمم المتحدة يرسم بوضوح الرغبة العراقية بإنهاء تفويض تلك البعثة مهما كانت النتائج ليبقى السؤال الذي يصعب الإجابة عليه وهو كيف سيكون رد مجلس الأمن الدولي الذي يشرف على عمل هذه المنظمة للطلب العراقي دون وجود حق النقض الفيتو؟ وهل يُسمح بأخذ زمام المبادرة عراقياً والتخلص من قيود التدخلات الأجنبية؟ والأهم هل سيكون قراراً عراقياً موحداً دون أن ترفضه أطراف مشاركة في الحكم؟.
يسأل العراقيون قبل أن تغادرهم بلاسخارت عن جردة حساب لعمل تلك البعثة الأممية وأين كان صالحها من طالحها طوال تلك السنين من عملها؟ وهل إستفاد الشعب من عمل تلك البعثة؟.