اذا استمرت أسعار النفط في التدهور،اكثر مما هي عليه اليوم، فلا شك أن الدولة سوف تعلن إفلاسها وتعجز عن تسديد رواتب موظفيها، وقبل مجيء هذا اليوم باشرت الحكومة باجراءات التقشف، بدأتها بسلم الرواتب الجديد، وهو لايختلف كثيرا عن سابقه، إذ لم يمس الراتب الاسمي كثيرا، ولكنه يخفض المخصصات الاستثنائية للرئاسات وبعض الوزرات التي يتمتع منتسبيها بامتيازات عالية، والتي تشمل جميع الموظفين في هذه الدوائر، وليس فقط العاملين في المواقع الإدارية العليا أو حملة الشهادات الجامعية العليا.
وقد بررت الحكومة قرارها بأنه يحقق العدالة، ويضيق الفوارق الكبيرة بين المنتسبين للدولة ! ولا أعلم ماهو مقياس العدالة لدى الحكومة، لأننا لحد هذه اللحظة، لانعرف كيف تتخذ القرارات ولا من هو خلفها، او الدائرة الضيقة لصنعها، فإذا كان القرار يمس شريحة تمثل أكثر من نصف الشعب العراقي، ويخرج القرار على عجالة ولم يطرح للتداول، لافي مجلس النواب ولا على الأكاديميين وخبراء الاقتصاد ولا منظمات المجتمع المدني اوالنقابات المهنية، هل العدالة تتمثل بطرف ينفرد بالقرار ووجهة نظر واحدة؟ وعلى هذا يجب ان نتنبأ بمصير الإصلاح والتغيير.
القرار أدى إلى انخفاض شديد بمرتبات أساتذة الجامعات والأطباء وبعض الأكاديميين ،وبدأ بعضهم بالاحتجاج، وهو أمر صحي أن يعترض المواطن على قرارات الحكومة عندما يراها مجحفة بحقه، ولكنها وللأسف أتت أنانية ومتاخرة، فما شاهدنا مثل هذه الاحتجاجات، على سقوط الموصل ولا على تفشي الفساد، ولا على هيمنة إيران على مؤسسات الدولة.
والحقيقة ان مشكلة العجز المالي ليست هذه المخصصات الكبيرة والغير العادلة والاستثنائية ، والتي يصل حجمها أكبر من ضعفي حجم الرواتب الاسمية ، لب المشكلة هي المؤسسات التي أوجدت لأغراض حزبية وانتخابية ،منها مؤسسة الشهداء والسجناء السياسين والهجرة والمهجرين، ولا أعرف ما هو التكيف القانوني لصرف رواتب ضخمة لذوي الشهداء الذين اعدمهم النظام البائد، أو المعتقلين في سجونه،والموضوع ليس مظلومية هؤلاء من عدمها، ولكن الدولة تصرف رواتب تقاعدية للعاملين في قطاعاتها، ومن يتوفى أثناء الخدمة أو من جرائها ،وليس لمن خدم في حزب معين واستشهد أو اعتقل جراء عمله الحزبي، علما أن معظم المستفيدين من هذه المؤسسات هم موظفون في الدولة، أي أنهم يتقاضون أكثر من راتب وبعناوين مختلفة ،أما الفصل السياسي فقد حصل ما لم يكن في الأحلام، فالكثير من العراقيين هاجر خارج العراق، في فترة الثمانينات من القرن الماضي، هربا من أتون الحرب العراقية الإيرانية، ولم يكن مطاردا من النظام السابق، وبعضهم لأغراض الدراسة والميسورون منهم لأغراض السياحة والبحث عن العيش الرغيد، وبعد سقوط النظام السابق، عادوا إلى البلاد وحسبت لهم كل هذه الفترة الزمنية خدمة جهادية، وتقاضوا رواتب عن كل هذه السنين، وبعضهم لم يكن بالأساس موظف لدى الدولة العراقية، فحسبت له الخدمة من يوم تخرجه من الجامعة، وطبعاً الجميع أعمارهم قريبة من السن التقاعدية، فخدم بالدولة خدمة فعلية سنة أو سنتين ولربما أشهر وعاد مرة أخرى إلى بلاد الغرب، محملا بمال قارون، وبقي الساكن داخل العراق ولم يغادر وطنه يلتقط قوته من القمامة.
إذا كنا نريد التظاهر السلمي، يجب ان نكون شجعان ونطالب بإيقاف الهدر الغير مبرر بالمال العام، ولا نشخصن الموضوع أو نجعله فئوي، فهذه الأموال التي تنثرها الحكومة لأغراض انتخابية أو حزبية، هي أموال الشعب وليست ملكا للمنتسب أو الموظف بالدولة فقط ، والحكومة مؤتمنة عليها ولا يحق لها التفريط بها، رئيس الوزراء له نصيب فيها يساوي نصيب أي فرد من الشعب العراقي، سواء يتيم أو أرملة أو مريض أو صاحب عاهة، أتمنى عليه أن لا يكون (حمال خطايا غيره ).