عندما احتل الانكليز العراق خلال الحرب العالمية الاولى كانوا هم اول من بدا بما يمكن تسميته “قبلنة السلطة” منذ انشاء الدولة العراقية الحديثة اوائل عشرينات القرن الماضي. وكان من بين ابرز ما عمله الانكليز هم انهم حولوا شيوخ القبائل الى اقطاعيين عندما وضعوا تحت تصرفهم اراض شاسعة فتحولوا الى سلطة بحد ذاتها. وعندما تولى الملك فيصل عرش العراق حاول البحث عن معادل موضوعي بين سلطة القبائل وسلطة الدولة الجديدة ولكنه اعلن فشله لانه لم يتمكن من ايجاد مفهوم للمواطنة يجمع الكتل البشرية العراقية. لهذا السبب واسباب اخرى ظلت القبيلة هي العامل الاساس في التحكم بمسارات الدولة من خلال انظمة الحكم سواء كانت ملكية ام جمهورية في العراق. لكن هذه الانظمة وبسبب فشلها هي الاخرى في بناء مفهوم جامع للمواطنة عابر للانتماءات العرقية والدينية والمذهبية فانها اعتمدت على القبيلة بصيغة او باخرى ومن خلال صيغ ومسارات مختلفة. لقد توالت فكرة استيعاب القبيلة او الاعتماد عليها حتى تداخل مفهوم السلطة مع مفهوم القبلية عندما وصل الى السلطة رجال حملوا معهم القابهم القبلية بدء من خوض الانتخابات البرلمانية التي تجرى عادة باسم الديمقراطية. ان نظرة سريعة الى القاب اعضاء البرلمان العراقي الحالي والدورة التي سبقته سواء الذين بقوا تحت قبة البرلمان او تسلموا مناصب تنفيذية عليا في الحكومة تدل بوضوح على قدرة القبيلة في ان تتحول الى سلطة تتحكم بالدولة والحكومة معا. والمفارقة اللافتة ان غالبية من وصل الى البرلمان او دفة السلطة ينتمون الى احزاب سواء كانت دينية او ليبرالية وتحمل مشاريع وطنية ولكنهم يحاولون الجمع بين انتمائين سياسي وقبلي متداخلين حينا ومتحدين حينا اخر . ولعل هذا من بين العوامل الرئيسية التي ادت الى عدم تبلور مفهوم للمواطنة يعبر القبيلة ومن ثم الطائفة او المذهب او الدين او العرق اما بسبب علاقة الانتماء والنسب والمصاهرة بين رجال السلطة الذين توصلهم القبائل الى اعلى المناصب باسم الديمقراطية او نتيجة لاقصاء وتهميش المفكرين والمثقفين وصناع الراي العام الذين هم اليوم والامس ايضا لاحول لهم ولا قوة في العراق الحديث. ليس المقصود في توصيف سلطة المفكرين والمثقفين في ان يذهبوا الى ساحة التحرير للتظاهر او الفردوس للاعتصام, او يتبنوا حملات هنا وهناك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة. بل المقصود تحديدا تفعيل القدرة على التاثير من خلال مراكز ابحاث او دراسات استراتيجية وهو مانفتقر اليه تماما قادرة على تنوير المجتمع والطبقة السياسية معا. وحتى لو وجدت مثل هذه المراكز والابحاث فانها تفتقر الى الاسس الاكاديمية والعلمية الرصينة يضاف الى ذلك ان اعدادا كبيرة من الكفاءات العراقية الفكرية والابداعية تعيش في بلدان الغربة والمهاجر بسبب الفشل في استيعابها فعليا بسبب عدم توفر البيئة المناسبة لها للعمل في مناخ ملائم بالاضافة الى اصطدامها بالروتين الذي قد يجعل عالما يعود ادراجه من حيث اتى لانه لم يجلب تاييد .. من المجلس البلدي.
[email protected]