-1-
من أهم الفوائد – التي تملأ سِلال عشّاق التتبع والمطالعة لكتب التاريخ والادب – وقوفُهم على لوحات رائعة تجسّد الخُلق العالي ، والايمان العميق، والنفس المطمئنة، والترفع عن التشبث بالتراب، وكلُّ ذلك لابُدَّ ان يترك شيئا من بصماته عليهم …
وهذا هو المردود الايجابي، الذي يُسهم في التقويم والدفع نحو الصراط المستقيم ..
-2-
انّ سيرة الرجال الصالحين ، ما هي الا صفحات ملآى بالدروس المهمة، والحكايا البليغة، التي تُحفّزُ على محاكاتها ومضارعتها في الميدان الحياتي .
وشتان بَيْنَ السائر في دروب الاستقامة، وبيْن الطائش الذي لا يستقر على حال ..!!
-3-
وقد قرأتُ في ترجمة (ابراهيم بن اسحق) – الزاهد العابد المعروف (ت284 هجرية) – وفي كتاب البداية والنهاية لابن كثير ج11 ص2989 ما استحسنتُ نقله للقارئ الكريم :
” كان يقول :
الرجل كل الرجل الذي يُدخل غَمَّه على نفسه ، ولا يدخله على عياله “
وهذه وصفة اجتماعية ونفسية ثمينة للغاية، تضمن للأسرة أنْ تكون بمنأى عما يهجم على رب الاسرة من كربات وهموم .
إنّ الانصاف يقتضي رب الاسرة ، أنْ يُميّز بين ما يُفرح فلا يكتمه عن أهله، وبين ما يُقرح فلا يعكسه على أهله رحمةً بهم واشفاقا عليهم من نيران الهموم الضارية وآلامها العاتية .
قد لا يتحمل بعض الأولاد هول الصدمات التي يعانيها رب الاسرة، فينعكس ذلك ، حتى على صحتهم ، فضلاً عما يتعلق بدراستهم وبحوثهم..!!
-4-
ويقول (ابراهيم بن اسحاق) :
” وقد كانت بي شقيقته منذ أربعين سنة ما أخبرتُ بها أحداً قط ،
ولي عشرون سنة أُصبر بِفَرْدِ عَيْنٍ ما أخبرتُ بها احداً قط “
وهنا يرتفع منسوب الصبر ، ورباطة الجأش ، والتعالي عن الشكوى، الى حدّ الكتمان لا على الاسرة والأهل فحسب، بل على الناس أجمعين .
إنّ الشكوى من المرض انما تُحزن المحبين ، وتفرح المُبغضين ، ثم إنّها لا تغيّر من الحال شيئا .
هذا بخلاف الدعاء والتوجه الى الله طلباً للشفاء والعافية، والله سبحانه هو وليّ العافية .
من هنا يدعو الصالحون في سجودهم :
يا وليّ العافية ،
أسألك العافية .
-5-
وقد جاء في سيرة الرجل أنه ترّفع عن قبول هدايا السلطان وردّها عليه.
وعندي :
إنّ رد المال المُرْسَل من السلطان من أكبر الأدلة على الورع …
إنّها الخشية من أن يُعدّ ذلك ركونا للظالمين، وقد نهانا الله سبحانه عن ذلك فقال :
( ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار ) هود / 113
يقول ابن كثير
( بعث اليه امير المؤمنين المعتضد في بعض الأحيان بعشرة آلاف درهم، فأبى ان يقبلها ،
وردّها
فرجع الرسول وقال :
يقول لك الخليفة :
فَرِّقْها على من تعرف من فقراء جيرانك ، فقال :
هذا شيء لم نجمعه ،
ولا نُسال عن جَمْعِهِ ،
فلا نسأل عن تفريقِهِ ،
قُلْ لامير المؤمنين :
إمّا يتركنا ،
وأما نتحول من بلده “
وهكذا أصرّ على الرفض، لعلمه ان السلطان انما يريد اصطياده بهذا المال فلم يمكنّه من ذلك .
-6-
والآن :
كم هو الفارق بين مَنْ يُعرض عليه، المالُ فيأباه ، وبَيْن من يخوض غمار اللجج ليسطو على المال العام، بكل وقاحه ودناءة، ليتهدل كرشُه، ويتضخم رصيدُه على حساب الجياع والبائسين والمستضعفين ؟..!!
-7-
انّ التصدي للقراصنة واللصوص الذين نهبوا أموال الشعب ، لايقل أهمية عن التصدي لدحر عصابات (داعش) لأنهما وجهان لحقيقة واحدة ..،
وجهان لتدمير البلاد والعباد .