18 ديسمبر، 2024 6:24 م

-1-
من أهم الفوائد – التي تملأ سِلال عشّاق التتبع والمطالعة لكتب التاريخ والادب – وقوفُهم على لوحات رائعة تجسّد الخُلق العالي ، والايمان العميق، والنفس المطمئنة، والترفع عن التشبث بالتراب، وكلُّ ذلك لابُدَّ ان يترك شيئا من بصماته عليهم …

وهذا هو المردود الايجابي، الذي يُسهم في التقويم والدفع نحو الصراط المستقيم ..

-2-

انّ سيرة الرجال الصالحين ، ما هي الا صفحات ملآى بالدروس المهمة، والحكايا البليغة، التي تُحفّزُ على محاكاتها ومضارعتها في الميدان الحياتي .

وشتان بَيْنَ السائر في دروب الاستقامة، وبيْن الطائش الذي لا يستقر على حال ..!!

-3-

وقد قرأتُ في ترجمة (ابراهيم بن اسحق) – الزاهد العابد المعروف (ت284 هجرية) – وفي كتاب البداية والنهاية لابن كثير ج11 ص2989 ما استحسنتُ نقله للقارئ الكريم :

” كان يقول :

الرجل كل الرجل الذي يُدخل غَمَّه على نفسه ، ولا يدخله على عياله “

وهذه وصفة اجتماعية ونفسية ثمينة للغاية، تضمن للأسرة أنْ تكون بمنأى عما يهجم على رب الاسرة من كربات وهموم .

إنّ الانصاف يقتضي رب الاسرة ، أنْ يُميّز بين ما يُفرح فلا يكتمه عن أهله، وبين ما يُقرح فلا يعكسه على أهله رحمةً بهم واشفاقا عليهم من نيران الهموم الضارية وآلامها العاتية .

قد لا يتحمل بعض الأولاد هول الصدمات التي يعانيها رب الاسرة، فينعكس ذلك ، حتى على صحتهم ، فضلاً عما يتعلق بدراستهم وبحوثهم..!!

-4-

ويقول (ابراهيم بن اسحاق) :

” وقد كانت بي شقيقته منذ أربعين سنة ما أخبرتُ بها أحداً قط ،

ولي عشرون سنة أُصبر بِفَرْدِ عَيْنٍ ما أخبرتُ بها احداً قط “

وهنا يرتفع منسوب الصبر ، ورباطة الجأش ، والتعالي عن الشكوى، الى حدّ الكتمان لا على الاسرة والأهل فحسب، بل على الناس أجمعين .

إنّ الشكوى من المرض انما تُحزن المحبين ، وتفرح المُبغضين ، ثم إنّها لا تغيّر من الحال شيئا .

هذا بخلاف الدعاء والتوجه الى الله طلباً للشفاء والعافية، والله سبحانه هو وليّ العافية .

من هنا يدعو الصالحون في سجودهم :

يا وليّ العافية ،

أسألك العافية .

-5-

وقد جاء في سيرة الرجل أنه ترّفع عن قبول هدايا السلطان وردّها عليه.

وعندي :

إنّ رد المال المُرْسَل من السلطان من أكبر الأدلة على الورع …

إنّها الخشية من أن يُعدّ ذلك ركونا للظالمين، وقد نهانا الله سبحانه عن ذلك فقال :

( ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار ) هود / 113

يقول ابن كثير

( بعث اليه امير المؤمنين المعتضد في بعض الأحيان بعشرة آلاف درهم، فأبى ان يقبلها ،

وردّها

فرجع الرسول وقال :

يقول لك الخليفة :

فَرِّقْها على من تعرف من فقراء جيرانك ، فقال :

هذا شيء لم نجمعه ،

ولا نُسال عن جَمْعِهِ ،

فلا نسأل عن تفريقِهِ ،

قُلْ لامير المؤمنين :

إمّا يتركنا ،

وأما نتحول من بلده “

وهكذا أصرّ على الرفض، لعلمه ان السلطان انما يريد اصطياده بهذا المال فلم يمكنّه من ذلك .

-6-

والآن :

كم هو الفارق بين مَنْ يُعرض عليه، المالُ فيأباه ، وبَيْن من يخوض غمار اللجج ليسطو على المال العام، بكل وقاحه ودناءة، ليتهدل كرشُه، ويتضخم رصيدُه على حساب الجياع والبائسين والمستضعفين ؟..!!

-7-

انّ التصدي للقراصنة واللصوص الذين نهبوا أموال الشعب ، لايقل أهمية عن التصدي لدحر عصابات (داعش) لأنهما وجهان لحقيقة واحدة ..،

وجهان لتدمير البلاد والعباد .

 

[email protected]