سأقف اليوم عند ظاهرة خطيرة صارت مرضا مزمنا يحتاج الى أكثر من دراسات معمقة لمعرفة كل ما له صلة بأسبابها ودوافعها ونتائجها. فحينما تفتح أي موقع من مواقع التواصل ألاجتماعي هذه الايام فإنك ستتفاجأ بكم التعليقات الساخطة الهائل بحق العملية السياسية ورجالاتها وكل من يتقرب منها, وستقرأ صفحات طويلة من السِباب و الشتائم تعبر عن مدى الشعورباليأس والغضب الذي يشعر به عامة الناس جراء أداء الدولة بكل مفاصلها, وحينما تلتقي بالناس في أي مكان تذهب اليه, ومع أول إشارة الى الوضع المتردي في البلاد فإنهم وبلا تردد يبدأون بإستخدام أقسى ألالفاظ الجارحة بحق كل وجوه الأحزاب والشخصيات التي تتصدر الساحة حتى الوطنية منها, ذلك أن الناس تشعر بالخذلان والخداع من قبل تلك الوجوه التي تصرُعلى البقاء في مواقع السلطة مهما كان الثمن رغم الفشل المتكرر لأدائهم .
ولكنك ستتفاجأ وتصاب بالذهول والحيرة وأنت تشاهد نفس تلك الجموع التي أطنبت سبا ولعنا بكل وجوه السياسة ورموزها من خلال مواقع التواصل ومن خلال لقاءاتك معهم, ستشاهدها وهي تحتفي وتحتفل وتطلق ألاهازيج وألاشعار وترقص بين يديّ نفس المسؤول الحكومي أو الحزبي حينما يحضر في أي مناسبة في مكان عام, وستشاهد نفس تلك الوجوه وهي تهتف ببطولات المسؤول الذي قد تكون بطولته الوحيدة هي الضحك على الناس وإستغفالهم وإطلاق الوعود الكاذبة والتظاهر بمظهر الناسك المتعبد النزيه.
وفي ذات مرة كنت جالسا بمجلس فاتحة ضمّ الكثير من مختلف شرائح المجتمع التي جاءت معزية وكالعادة فأن الموضوع ألأثير لدى أغلب الحضورهو نقد الأوضاع العامة في البلد, وصارالجميع ينتقد ويشتم مسؤولي البلد, الذين لا همّ لهم سوى مصالحهم ونفخ جيوبهم وإهمال المواطن وتجاهل متطلباته, وراح الحاضرون يسهبون بالحديث حول فشل السياسيين الذريع بادارة دفة الدولة وتحميلهم كامل المسؤولية, بل ولعنوا حتى حظهم العاثر الذي جعل بعض الفاسدين يتحكمون بثروات ومستقبل الوطن, وفجأة حضرّ أحد المسؤولين الى مجلس الفاتحة بموكبه المجحفل وسياراته المضادة للرصاص, وهنا قطع الجميع حديثه, ونهض الجميع من مقاعدهم وركضوا بإتجاه الموكب مصطفين ترحيبا بمقدمه, فراح أحدهم يفتح باب سيارة السيد المسؤول ومعانقته بكل حرارة مقبلا يديه ورأسه, وأخرهرول وأحضرخروفا ونحره تحت أقدامه, وهتف أحدهم بحياته قائلا: لولاك لضعنا وضاع البلد, فيما هتف الاخرون بصوات واحد : علي وياك علي.. علي وياك علي… !!!. وهنا تذكرت قول الامام علي عليه السلام في موقف مماثل عندما قال : وددت أني لم أعرفكم معرفة، والله جرت ندما وأعقبت سدما ..قاتلكم الله ، لقد ملأتم قلبي قيحا وشحنتم صدري غيضا وجرعتموني نغب التّهام أنفاسا وأفسدتم عليّ رايي بالعصيان والخذلان.