العنف الاسري، حالة منتشرة في بلادنا وبنسبة ليست بالقليلة، وبين فترةٍ واخرى نسمع بالعديد من صوره، سواءً كانت الجسدية او النفسية او الجنسية او غيرها، ولأسباب عادة ما تكون تافهة، لا قيمة لها ولا تستحق ذلك، وذلك ليس غريباً في المرحلة الانتقالية التي يشهدها الوطن، والتي لا نعرف الى متى ستستمر، وفي ظل غياب تطبيق القانون بصورة وافية، وسيادة قوة بعض المليشيات الطائفية والقبائل المتخلفة.
نحن في القرن ال٢١ الميلادي، ومازلن النساء في مناطق عدة من بلادنا، يُحرمن من حقهن بالتعليم، ومازلن يُستعبدن ويضطهدن، من قبل اولياء أمورهن، لا لذنب فعلنه، وانما بسبب النظرة القاصرة الدونية اتجاه الاناث في مجتمعاتنا، بعض الدول العربية تمكنت من تجاوز الازمة هذه، من خلال تشريع قوانين خاصة في هذا الامر، كـ قانون الحماية من العنف الاسري الذي أُقر في بلاد عديدة.
الا ان العراق لا يزال حتى الان لم يشرع مثل هذا القانون، مع ان حالات التعنيف الاسري بازدياد، سواءً كانت اتجاه الاناث من الزوجات او الاخوات والبنات، او اتجاه الاطفال، او حتى للوالدين! وقد شهدنا قبل ايام حادثة الامرأة المرمية في شوارع بغداد، ولو أُقر القانون منذ مدة لما بقيت هذه المرأة المسكينة في الشارع ليلة واحدة، وما كان الطفل الذي سمعنا بحادثته قبل أيام ليموت بعد تعذيب والده اياه، وما كانت الانثى لتتزوج قسراً في سنها المبكر، ولا كانت لتُرمى أسيرةً بيد الغرباء بعد تفريط والدها بها، لا لأجل شئ، فقط لأن برقبته او رقبة احد ابناء العشيرة ثأرُ دم، فكان من الاعتيادي ان يتبجح ويرمي ابنته تحت مسمى “زواج الفصلية” وما يشابهها!
اليوم، وبعد قراءة مسودة قانون الحماية من العنف الاسري، وان جاء متأخراً جداً، إلا انه بامكانه ما ان أُقر وطبق ان يحل الكثير من الاضطهادات والتعذيبات التي يتعرض لها فرد الاسرة الضعيف، ويمكّنه من أخذ بعض حقوقه المسلوبة، والتي سُلبت منه قسراً بعد ان صار حكم العشائر اقوى من القانون، وبعض تصرفاتها المشينة كانت هي السبب فيما يحدث، وما سيحدث اذا لم يُقر ويُطَبق القانون.
الغريب في الامر، هو خروج أصوات سياسية ترفض القانون بحجج واهية، مدعية انه يخالف الشريعة ويعارضها، ولا اعرف حقيقةً ماهي نظرتهم للشريعة، فـ هل من المعقول ان يكون ديننا دين قمعٍ وقسر واضطهاد؟ هل جاء محمد للرحمة أم للنقمة؟ إن هذه الاصوات التي تدعي اسلاميتها، انما هي مسيئة معادية للاسلام، وامثالها هي التي حرفت دين الرحمة الذي جاء من اجله خير المرسلين عن مساره الصحيح، ونحن لم نستغرب من هذه الاصوات، لاننا لا نأمل منها خيراً قط، هذه الشخصيات هي نفسها التي كانت تدعوا الى تشريع قانون يسمح لولي الامر تزويج ابنته وهي في التاسعة من عمرها!
لا بد للقانون ان يُقر ويطبق، فهو سيخفف من الكثير من حالات العنف، وسيلزم الدولة بانشاء مآوٍ يلجأ اليها المعنف بعد تعنيفه، ولن يسمح بزواج القاصرات، ولا تعذيب الابناء، ولا ضرب النساء والزوجات واهانتهن، وهو خطوة جديدة ستساهم في بناء دولة عصرية عادلة، وتقتل الفكر الرجعي المتخلف عند البعض.
بعض الاصوات الداعية للتخلف تعارض القانون بحجة انه سيمكن الزوجة من ان تستقوي على زوجها، او المرأة بشكل عام على أهلها؛ ولا أعرف متى صارت المرأة عبدةً لبعلها وزوجها، او حتى لأهلها! عجيبٌ أمرنا، فبعدما كان اهل العراق يقدسون النساء ويعبدوهن، كما تذكر الاساطير وكتب التاريخ، صاروا الان يستعبدوهن، بلاد الحضارات التي كانت تقدسهن اصبحت الان عندهم بضاعة يبعونها، والبلاد الخالية من الحضارات، او ذات الحضارات المضطهدة لهن، امست اليوم تعطيهن حقوقهن كاملةً، وتمكنهن من ادارة مملكات وبلدان ومسك مناصب رفيعة. فحقاً عجيبٌ أمرنا.!