لقد شاءت قدرة الله سبحانه وتعالى أن يبتليًّ الأنبياء جميعهم عليهم السلام ، وكانت هذه الإبتلاءات تختلف من نبي لآخر وقد جازى الله سبحانه وتعالى أنبياءه عليهم السلام بعد كل أختبار وأمتحان ، ومن أهم وأصعب الأمتحانات كانت على نبي الله إبراهيم عليه السلام ، فقد أمتحنه الله سبحانه وتعالى في نفسه حيث أوذي أشد الأذية بيد أعداء الله سبحانه وتعالى حتى ألقوه في نارٍ عظيمة تحرق الطائر الذي يطير على علوٍ من فوقها لعظمتها وحرارتها ، حيث قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه (قالوا حرقوه وأنصروا ألهتكم إن كنتم فاعلين ، قلنا يا نار كوني برداً وسلاما على إبراهيم )… (1) ، وأمتحانه في أهله حيث أمره الله سبحانه وتعالى أن يسكنهم في وادي غير ذي زرع ويتركهم في ذلك الوادي غرباء وحيدون وليس لهم من ناصر ولا معين ، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد ( ربنا اني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ، ربنا ليقيموا الصلاة فأجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وأرزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون)… ( 2) ، وأمتحانه في ولده أسماعيل عندما أمره العزيز القدير أن يذبحه ، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم (أني أرى في المنام أني أذبحك فأنظر ماذا ترى قال يا أبت أفعل ما تؤمر…)…(3) ، فأتم نبي الله إبراهيم هذه الأمتحانات الثلاث على أفضل وجه وأتمه على الرغم من عدم معانات نبي الله إبراهيم عليه السلام بعد كل أمتحان ، فقد كانت النار برداً وسلاماً عليه قال الله سبحانه وتعالى (يا نار كوني برداً وسلاما)…(4)، لقد حفظ الله سبحانه وتعالى أهله من كل آذى ورزقهم من الماء والثمرات وجعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم ، وقد حفظ الله سبحانه وتعالى ولده إسماعيل من الذبح وفداه بكبش عظيم قال الله سبحانه وتعالى ( وفديناه بذبح عظيم )…( 5 ) ، فأكرمه الله سبحانه وتعالى بسبب هذه التضحيات العظيمة التي قام بها من أجل أعلاء كلمة التوحيد فضائل كثيرة منها : قال الله سبحانه وتعالى ( إني جاعلك للناس إماماً)…(6) ، إتباع الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم له قال الله سبحانه وتعالى (ثم أوحينا إليك أن أتبع ملة إبراهيم حنيفا)….(7) ، تعظيم شعائر إبراهيم عليه السلام واجباً على جميع البشر تعظيماً له عليه السلام .
وقد أبتيلة الله سبحانه وتعالى الإمام الحسين عليه السلام بنفس الابتلاءات التي أبتلية بها نبي الله إبراهيم عليه السلام بل أعظم منها وأشد بل لا تقاس بها ، فهذا ابتلاء الإمام الحسين عليه السلام في نفسه كيف عانا من العطش ومن ثم القتل وقطع الرأس وجعل الخيول تدوس على جسده الشريف فلم يحتوي التاريخ بين طياته طريقة قتل أبشع من هذه الطريقة الوحشية ، وقد وصف الله سبحانه وتعالى هذه الجريمة لآدم عليه السلام حيث قال (ولو تراه يا آدم وهو يقول وا عطشاه وا قلة ناصراه ، حتى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان فلم يجبه أحد إلا بالسيوف)…( 8) ، وقد ابتلية الإمام الحسين عليه السلام في أبناءه وقد ذبح رضيعهم وكبيرهم عطاشا أمام عينيه ،وقد ابتيلة عليه السلام في أهل بيته وقد تركهم غرباء لا ناصر لهم ولا معين بين أشر ما خلق الله سبحانه وتعالى ، وقد سبى بني أمية أهل بيت الرسالة عليهم السلام وسلبوهم كل ما يملكون وعاملوهم أقسى وأشد معاملة ، فهذه أبتلاءات أبا عبد الله الحسين عليه السلام التي ابكت كل الأنبياء والصالحين وفي مقدمتهم سيد الكائنات محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فأين ابتلاءات نبي الله إبراهيم عليه السلام أمام أبتلاءات سيد الشهداء عليه السلام بل أين ابتلاءات جميع الأنبياء والرسل أمام هذه الأبتلاءات العظيمة التي تعرض لها سيد الشهداء عليه السلام ولم يسمع منه إلا (الهي إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى) ، فقد أكرم الله سبحانه وتعالى الإمام الحسين عليه السلام بسبب التضحيات التي قدمها الكثير من المكارم والفضائل منها أن الأئمة عليهم السلام من ولده وأنتفاء محكومية قانون هلاك النفس أمام زيارته عليه السلام ، هذا القانون الذي عنده محكومية على جميع السنن التشريعية ، مثلا عندما تفقد الماء وأنت في صحراء قاحلة لا تملك من السوائل أو الشراب إلا الخمر فيجيز لك الشرع أن تشرب القليل من الخمر من أجل إنقاذ النفس وغيرها من الأمثلة التي تثبت محكومية قانون هلاك النفس على جميع السنن التشريعية ، ولكن أمام زيارة الإمام الحسين عليه السلام تتوقف محكومية هذا القانون أمام زيارة الحسين عليه السلام ،وقد أثبتت الروايات التي تؤكد دفع الأئمة المعصومون شيعتهم الى زيارة الإمام الحسين عليه السلام في جميع الظروف وحتى وأن تطلب الأمر التضحية بالنفس ، فهذا المتوكل الذي قام بهدم القبر ومنع في زمنه زيارة الإمام الحسين عليه السلام وهدد بقتل كل من يزور الإمام الحسين عليه السلام وقد وضع مسالح حول مدينة كربلاء لتوقف كل من يريد زيارة سيد الشهداء عليه السلام ، أن المتوكل من خلفاء بني العباس كان كثير العداوة شديد البغض لأهل بيت الرسول وهو الذي أمر الحارثيين بحرث قبر الحسين عليه السلام وأن يخربوا بنيانه ويحفوا آثاره وأن يجروا عليه الماء من النهر العلقمي بحيث لا تبقى له آثر ولا أحد يقف له على خبر وتوعد الناس بالقتل لمن زار قبره وجعل رصداً من أجناده وأوصاهم كل من وجدتموه يريد زيارة الحسين عليه السلام فاقتلوه يريد بذلك إطفاء نور الله وإخفاء آثار ذرية رسول الله … (9) ، وأمر (المتوكل) منادياً ينادي ببراءة الذمة ممن زار قبره ( عليه السلام) ونبش القبر وحرثه وأنقطع الناس عن الزيارة وعمل على تتبع آل أبي طالب والشيعة …. (10)، وفي نفس المعنى في الروايات …(11) ، وبالرغم من كل هذه القساوة والوحشية والقتل ولكن الإمام الهادي عليه السلام يؤكد على زيارة الحسين عليه السلام ويحث على زيارته ويرغب مواليه عليها ، روى إبراهيم بن عقبة قال كتبت الى أبي الحسن الثالث ( الإمام الهادي عليه السلام) أسأله عن زيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام وزيارة أبي الحسن بن موسى عليه السلام وأبي جعفر محمد بن علي عليه السلام ببغداد فكتب إليّ 🙁 أبو عبد الله عليه السلام مقدم وهذان أجمع وأعظم ثواباً )..( 12) ،عن أبي هاشم الجعفري قال : دخلت أنا ومحمد بن حمزة عليه نعوده وهو عليل فقال لنا : وجهوا قوماً الى الحائر من مالي فلما خرجنا من عنده قال لي محمد بن حمزة : المشير يوجهنا الى الحائر وهو بمنزلة من في الحائر قال ، فعدت إليه فأخبرته فقال لي ( ليس هوهكذا ان لله مواضع يحب ان يعبد فيها ، وحائر الحسين ( عليه السلام) من تلك المواضع )….(13) ، وهكذا حطمت زيارة الإمام الحسين عليه السلام محكومية قانون هلاك النفس الذي له محكومية على جميع السنن الشرعية ، وهذا يدلل على أهمية زيارة الإمام الحسين عليه السلام وكل شيء يرتبط بهذا الإمام العظيم ( من شعائر حسينية ) لأنه أعطى كل شيء لله سبحانه وتعالى فأعطاه الله كل شيء.
(1)سورة الأنبياء أيات 68،69،70(2) سورة إبراهيم أية 37(3) سورة الصافات آية 102(4) سورة الأنبياء أية 70(5) سورة الصافات آية 107(6) سورة البقرة آية 124(7) سورة النحل آية 123(8) بحار الأنوار ج44 ص245ح44(9) بحار الأنوار العلامة المجلسي ج45 ص401(10) مرقد الإمام الحسين (ع) السيد تحسين آل شبيب ص134(11) مقاتل الطالبيين ص395 ، تاريخ الطبري ج9ص185، تاريخ أبن الأثير ج6ص108، آمالي الطوسي ص328(12) مقاتل الطالبيين ص395 ، تاريخ الطبري ج9ص185، تاريخ أبن الأثير ج6ص108، آمالي الطوسي ص328(13) كامل الزيارات – جعفر بن محمد بن قولويه ص460 الباب 90 الحديث 698 ، مستدرك الوسائل – الميرزا النوري ج10ص346 ، جامع أحاديث الشيعة- السيد البروجردي ج12ص518(14)