تشكل الكرامة المطلقة للإنسان في الاسلام أهم الاصول التي تستند اليها القوانين والتشريعات ، وتتفاوت درجة الكرامة للإنسان عند الله تعالى بحسب درجة التقوى التي يتحلى بها ذلك الانسان والتي يمكن ان تصل به الى منزلة تفوق منزلة ومقام الملائكة .
هذه التقوى التي يتحصلها الانسان تأتي من خلال الالتزام بالواجبات الشرعية وترك المحرمات ، وتتناسب درجة التقوى تناسباً طردياً مع التزامه بالتشريعات الالهية ، ولذلك تجد في المعسكر الاخر ان الشيطان وبمعية حزبه وجنده يسعى دائماً لسلب تلك الكرامة من الانسان انطلاقاً من العقدة الشخصية لإبليس من تلك الكرامة التي تحصل عليها الانسان من الله تعالى بينما كان مصير ابليس اللعن والطرد من الرحمة الالهية بعد عصى الله تعالى وتمرد على اوامره بالسجود لأدم تكبراً وغروراً وحسداً للإنسان الذي توعد الشيطان ان يحرمه ويسلبه من تلك الكرامة التي خصه بها الله تعالى .
هذه المقدمة نسوقها للدلالة على ان الاسلام سعى من خلال تشريعاته الى تقديم وحفظ كرامة الانسان والارتقاء بها الى اعلى المستويات والدرجات ، بينما سعت وعمدت وخططت الايديولوجيات والمذاهب الوضعية الى سلب تلك الكرامة من خلال الاضلال والتحريف ، واستخدمت تلك المذاهب المادية الهدامة لتحقيق اهدافها وسائل مخادعة مزخرفة بعناوين وشعارات جذابة لتزويق بضاعتها الفكرية المنحرفة ، ومن أهم تلك العبارات والعناوين التي ينطبق عليها أنها كلمة حق يراد بها باطل مصطلحات مثل ( حقوق الانسان ، حقوق المرأة ، الحرية ، المساواة ، العدالة .. الخ ) ، وفي العراق ومنذ التغيير الذي حصل في (2003) تغيرت تكتيكات المخططات الشيطانية من خلال التحرك لتحقيق مأربها واهدافها في مسخ الهوية الدينية والاخلاقية والثقافية للمجتمع العراقي ، وتشكلت لتحقيق هذه الاهداف الخبيثة العشرات من المؤسسات والفضائيات التي أقتصر عملها ونشاطها على نشر الفاحشة والرذيلة والمنكرات بين افراد المجتمع العراقي بشكل تدريجي لسلب هويته الدينية والثقافية والاجتماعية .
لذلك لم نتفاجأ او تعترينا الدهشة ولا تملكنا العجب ونحن نتابع ردود الأفعال الصبيانية الحمقاء لتلك المؤسسات وأذنابها المنتشرين في العديد من المؤسسات الحكومية والاعلامية والثقافية والمدنية وغيرها تجاه صدور قانون منع الخمور الي أقره مجلس النواب أخيراً ضمن مواد قانون البلديات .
ولما كان اصدار مثل هذا القانون ينسجم مع مبادئ الدستور العراقي الذي نصت المادة الثانية منه على ان الاسلام مصدر اساسي للتشريع وانه لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت الاسلام وبالتالي فأن الغطاء الدستوري للقانون متحصل على الصعيد القانوني ولا موجب للطعن به او اعادة التصويت عليه في اروقة مجلس النواب وغيرها من مؤسسات الدولة .
اما على صعيد التشريع الاسلامي فإن الخمور محرمة صناعة وبيعاً وشراءً ، وبما أن العراق دولة يشكل المسلمون فيها الغالبية العظمى وبنسبة تفوق الـ (95%) من عدد سكانها فإن من المفروض ان يكون مثل هذا القانون ( منع الخمور) ساري المفعول ومطبق منذ سن وتشريع دستور العراق الدائم.
اما على الصعيد الاجتماعي فإن تشريع قانون منع الخمور يشكل حاجة ضرورية واساسية للمواجهة الانحلال والتفسخ الذي ينشره ويروج له العديد من مؤسسات الخلاعة والفاحشة في العراق من خلال اعلامها المختلف ، ولذلك من الطبيعي ازاء هذا الاختراق والغزو الثقافي الممنهج أن يتم التأكيد على إصدار وتطبيق مثل هذا القانون وغيره من القوانين التي تساهم في الحد من انتشار مظاهر الفساد والانحراف والحفاظ على المجتمع وحماية امنه ومعتقداته واخلاقياته .
ردود افعال المعترضين على اصدار قانون منع الخمر كشف الستار عن الخلايا النائمة السرطانية التي تحاول نشر الفساد والانحراف بكل الوسائل ، وتعمل كذلك على محاربة اي مشروع اصلاحي ذي صبغة شرعية او أخلاقية ، تلك الجهات والمؤسسات التي تدّعي لنفسها الوصاية على العراقيين من خلال تصنيف نفسها على أنها راعية المدنية والحرية والديمقراطية وحقوق الانسان تجردت من كل القيم الاخلاقية لتكشف عن وجهها الحقيقي القبيح ولتعلن مسؤوليتها ورعايتها للفساد والانحراف الاخلاقي بكل اشكاله الفاضحة والهدامة .
ان تلك المؤسسات التي تتخذ من العمل الاعلامي غطاء تتستر بها عن مشاريعها الإفسادية ودعواتها الى الانحلال والتحلل من كل القيم الانسانية أسفرت بكل وقاحة وصلافة عن وجهها القبيح ومنهجها الداعر عبر اعلانها رسميا ومن خلال منافذ اعلامها البائس الرخيص عن انطلاق معركتها المصيرية المدنسة ضد قانون منع الخمور ، ورفعت لواء الدفاع عن الحريات وحماية الاقليات لتبرير معركتها القذرة ، وكأن هذه المؤسسة حريصة فعلاً على حقوق الاقليات الذين غدرت بهم واستغلت اوضاعهم المأساوية ومعاناة فتياتهم ونسائهم الهاربات من جحيم الدواعش لتسخرهن في تحقيق كرنفالاتها المشبوهة الدنيئة الخليعة وعرضتهن في سوق نساختها كفتيات رقيق للبيع في مجموعة من مسابقات ملكات الجمال او عروض الازياء او استخدامهن كجواري في النوادي والملاهي الليلية في بغداد وأربيل ؟ّ!
ومن المخازي التي مارسها المعترضون على قانون منع الخمور هو تصريحات بعض اعضاء السلطة التشريعية الذين لم يحترموا العراقيين جميعا وخصوصاً المجاهدين في ساحات القتال والذين تجنى عليهم أحد الخمارة من اعضاء مجلس النواب ووصفهم بأنهم مجموعة من المخمورين الذين يستعينون بالسكر وهو الحافز الاساسي لهم في مواجهة الاعداء ؟!
بينما وقف نائب اخر معروف بإدمانه للخمر ليتهم محافظات جنوب العراق بأنها عبارة عن مزارع ومخازن للمخدرات ، ورأى ذلك البرلماني السكير الاحمق بان قرار منع الخمور جاء ليجعل المخدرات البضاعة الرئيسية الاضطرارية ؟!
هؤلاء وامثالهم من الشخصيات الاعلامية الكارتونية الفيسبوكية وبهذا المستويات من خطابهم وتصريحاتهم الرخيصة والحمقاء والسخيفة كشفوا عن ضحالتهم وبؤسهم وفضحوا مخططاتهم واحلامهم المريضة وبين للجميع ان المدنية والعلمانية التي يسعون لنشرها والترويج لها هي عبارة عن نشر الفجور والرذيلة وكل الموبقات الاخرى في سبيل خلق مجتمع بهيمي بائس يتلائم مع بؤسهم وضحالتهم ووضاعتهم .
ان المضي في تطبيق قانون منع الخمور له العديد من الايجابيات على صعيد الدولة والمجتمع ، خصوصاً انه سوف يخلص المجتمع من المضاعفات السلبية الكثيرة التي تهدد كيان الاسرة العراقية ، كما انه سوف يشكل نقطة بيضاء في تاريخ البرلمان العراقي الذي عجز عن تلبية طموح الناخب العراقي من خلال اقرار القوانين التي تصب في خدمته والتخفيف من معاناته والحفاظ على هوية وثقافة العراقيين وربما يكون كذلك بادرة لإقرار المزيد من القوانين المهمة ، واخيراً فأنه سوف يكون صفعة تاريخية معتبرة لكل من يحاول نشر الفساد والمجون والرذيلة في صفوف المجتمع بهدف طمس هويته الاسلامية وثقافته الاجتماعية ، وسيشكل المضي بتطبيق هذا القانون فرصة لإعادة الاعتبار لكرامة الانسان المهدورة في العراق .
[email protected]