22 نوفمبر، 2024 2:00 م
Search
Close this search box.

قانون ماغنيتيسكي اتجاه جديد في القانون الجنائي الدولي وقضية خاشقجي

قانون ماغنيتيسكي اتجاه جديد في القانون الجنائي الدولي وقضية خاشقجي

مع اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي في الثاني من تشرين الاول بعد دخوله الى قنصلية المملكة العربية السعودية في اسطمبول وتحولها الى قضية راي عام عالمي ظهرت اصوات تدعو الى تطبيق قانون غلوبال ماغتينسكي لعام 2016 الذي صدر في الولايات المتحدة الامريكية فما هو هذا القانون وماالاهمية التي يشكلها في تاريخ القانون الجنائي الدولي ؟ هذا ما سوف نتناوله في مايلي دون ان نقصد توجيه الاتهام لاي طرف قد يكون ورد اسمه في حادثة الاختفاء فالحقيقة مازالت غير واضحة وغير مكتملة ولكن القانون موجود منذ عام 2016 .
في عام 2011 قام السناتور بنجامين كاردين من الحزب الديمقراطي مدعوما من 38 عضوا في مجلس الشيوخ على راسهم السيناتور جون مكين والسيناتور ماركو روبيو من الحزب الجمهوري والسيناتور جوزيف ليبرمان عن الحزب الديمقراطي بتقديم مشروع قرار لمعاقبة المسؤولين الروس الذين تم اتهامهم بتعذيب واخفاء وقتل المحاسب الروسي سيرغي ماغتنيسكي عام 2009 في روسيا بعد ان قام بكشف ملفات فساد خطيرة . في حزيران من عام 2012؛ رفعت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ تقريرا اعده عضو اللجنة السيناتور كيري تقريرها باعتماد المشروع باسم قانون سيرغي ماغنيتسكي للمسؤولية . كانَ القصد الرئيسي من القانون هوَ معاقبة الساسة الروس المسؤولين عن وفاة سيرغي ماغنيتسكي من خلال حظر دخولهم إلى الولايات المتحدة ومنعهم من استخدامِ النظام المصرفي. في السادس من كانون الأول من نفس العام صادقَ مجلس الشيوخ الأمريكي على نسخة من القانون وذلك بعد موافقة 92 نائبًا مُقابل رفض 4 فقط.وقّعَ الرئيس باراك أوباما على القانون في 14 كانون الأول 2012.
اختص الجزء الرابع من القانون بتحديد الاشخاص الذين يخضعون للقانون وتم تحديدهم في الفقرة اولا بالمسؤولين الروس الذين تثبت علاقتهم بحادث ماغنيتسكي حصرا الا ان الفقرة الثانيا من الجزء الرابع وسعت من ذلك بادراجها اي شخص في العالم يثبت اشتراكه في تعذيب او اخفاء او قتل اي شخص في العالم يحاول كشف عمليات فساد يرتكبها مسؤولين حكوميين او يحاول الكشف عن اي انتهاكات لحقوق الانسان المعترف فيها عالميا .
في عام 2015 عاد السيناتور كاردين مدعوما بزعيم الجمهوريين جون ماكين واعضاء بارزين في الحزب الديمقراطي وقدم مشروع قرار يدعو الى توسيع القانون ليصبح اسمه قانون غالوبال ماغنيتسكي وتم تمرير القانون في عام 2016؛ بحيث يسمحُ لحكومة الولايات المتحدة بمعاقبة المسؤولين الحكوميين الأجانب المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان في أي مكان في العالم . وعلى نفس الخطى سارت العديد من دول العالم على راسها كندا التي قامت باصدار قانون مشابه عام 2017 وكذلك المملكة المتحدة التي عدلت قانون العقوبات وضمنته فقرات من قانون غلوبال ماغتنيسكي عام 2017 وكذلك فعلت استونيا عام 2016 وليتوانيا عام 2017 ولاتيفيا عام 2018 .

تكمن اهمية هذا القانون في انه ولاول مرة في القانون الجنائي الدولي يتم منح السلطة التنفيذية والتشريعية وليس القضائية لدولة ما وهنا المقصود بها الولايات المتحدة الامريكية سلطة التحقيق وفرض العقوبات حيث ان نص الجزء الثالث من قانون عام 2016 منح لرئيس الولايات المتحدة الامريكية صلاحية فرض عقوبات اقتصادية على اي شخص تتوفر لدى الرئيس معلومات عن قيامه بانتهاكات حقوق الانسان مهما كانت صفة ذلك الشخص او منصبه في دولته حتى وان كانت تلك الانتهاكات قد وقعت على اشخاص لايحملون الجنسية الامريكية وليسوا مقيمين في الولايات المتحدة الامريكية ولم يحصلوا على تاشيرة دخول الى الولايات المتحدة الامريكية وليس لهم اي علاقة مادية او معنوية بالولايات المتحدة الامريكية . وتمتد تلك العقوبات الى كل شخص او مؤسسة او منظمة او جهة علمت او ساندت او دعمت او حاولت التستر او حماية الاشخاص الذين يرتكبون الجرائم المنصوص عليها في القانون .
من ناحية اخرى منح القانون السلطة التشريعية (الكونغرس) للولايات المتحدة الامريكية صلاحية الطلب من رئيس السلطة التنفيذية القيام بالتحري والتحقيق في اي ادعاءات لانتهاكات حقوق الانسان او فساد مالي يحصل في بلد اخر وفي مناطق خارج الولايات المتحدة الامريكية لبحث امكانية قيام الرئيس بفرض العقوبات المنصوص عليها في القانون وحسب ماورد في نص الفقرة (د) من الجزء الثالث فان على الرئيس خلال مدة 120 يوم من استلامه طلبا من رئيس الكونغرس او اعاء اللجان المختصه في الكونغرس للتحقيق في مزاعم اخفاء وتعذيب اشخاص او قتلهم ان يقرر فرض العقوبات المنصوص عليها في القانون او ان يقدم تقريرا للكونغرس يبين فيه اسباب امتناعه عن تطبيق العقوبات .
كما ان الفقرة (ج) من القسم الثالث اشارت ولاول مرة الى اعتماد الرئيس في فرض العقوبات المنصوص عليها في القانون على المعلومات المقدمة من قبل حكومات الدول الاخرى والمنظمات غير الحكومية المعنية بمراقبة انتهاكات حقوق الانسان وكذلك المعنية بمكافحة الفساد المالي والاداري دون تحديد جنسية تلك المنظمات اي ان جميع المنظمات غير الحكومية في العالم من حقها ان تقدم معلومات عن قيام اشخاص بتعذيب او قتل او اخفاء او تطبيق اجراءات خارج اطار القضاء الاعتيادي بحق اشخاص حاولوا كشف فساد مالي او اداري او حاولوا كشف عمليات انتهاك لحقوق الانسان . هذا النص يمنح صلاحية قوية غير مسبوقة للمنظمات غير الحكومية مهما كان حجمها او جنسياتها او تبعياتها في ملاحقة انتهاكات حقوق الانسان وملاحقة عمليات الفساد المالي والاداري .
كما ان نصوص القانون جعلت للسلطة التشريعية الحق في متابعة تنفيذ العقوبات وحددت من قدرة الرئيس على رفع تلك العقوبات الا بعد ان يتم تقديم تقرير الى الكونغرس بالاسباب التي يتم على اساسها رفع العقوبات كذلك نص الجزء الرابع من القانون على قيام الرئيس بتقديم تقرير الى الكونغرس يتضمن اسماء الاشخاص (المادية والمعنوية ) الذين تم تطبيق القانون عليهم واسباب تطبيق العقوبات والقضايا التي تم التحري والتحقيق فيها . والزم القانون الرئيس بتقديم تقرير سنوي في يوم 10 كانون الثاني وهو اليوم العالمي

لحقوق الانسان عن اجراءات تطبيق القانون وان يكون هذا التقرير علنيا الا اذا اقتضت مصلحة الولايات المتحدة الامريكية جعل جزء منه سريا لاحتوائه على معلومات قد تمس المصالح العليا للدولة .
يلاحظ في هذا القانون ان اهميته تنبع في انه لم يحيل الامر الى السلطة القضائية في الولايات المتحدة الامريكية لتقرير ما اذا كان الشخص يجب فرض العقوبة عليه ام لا وقد سبق للعديد من دول اوربا ان منحت لمحاكمها حق النظر في دعاوى انتهاكات حقوق الانسان التي تقع خارج اوربا ولكنها اول مرة يتم منح هذا الحق للسلطة التنفيذية في تطبيق عقوبات على اشخاص ارتكبوا جرائم خارج اراضي الدولة التي تفرض العقوبة والضحايا والمتهمين فيها ليس لهم علاقة بالدولة التي تفرض العقوبة وهو توجه خطير كون العقوبات تمنح الحق لاي مواطن امريكي وحسب ماورد تعريفه في نص الفقرة 3 من القسم 2 من القانون الحق في احتجاز اي اموال او ممتلكات تعود ملكيتها الى شخص تم فرض العقوبات عليه بموجب هذا القانون .
من الجدير بالذكر ان النظام القضائي الامريكي يسمح بالطعن بالقرارات الصادرة عن رئيس الادارة الامريكية امام المحاكم الفدرالية في الولايات المتحدة الامريكية وبامكان القاضي الفدرالي المنفرد اصدار قرار بايقاف تنفيذ القرارات الصادرة عن السلطة التنفيذية بصورة دائمة او مؤقته . من هذا المنطلق يحق للاشخاص الذي يتم فرض العقوبات عليهم بموجب قانون ماغنيتيسكي الطعن بتلك العقوبات امام المحاكم الفيدرالية الامريكية ولكن ذلك يتطلب وجودهم او من يمثلهم على الاراضي الامريكية ليتم الاستماع لقضاياهم.
بالنسبة لما يتعلق بقضية خاشقجي وهنا يمكن استخدامها كمثال للالية التي يمكن بموجبها استخدام قانون ماغنيتيسكي لعام 2016 . جمال خاشقجي وكما هو معروف مواطن سعودي رغم ان عائلة خاشقجي من اصول تركية ولكنها عاشت في مكة المكرمة منذ زمن طويل قبل انشاء الدولة السعودية ، كان خاشقجي يعيش في الولايات المتحدة الامريكية ويكتب عمودا في صحيفة الواشنطن بوست كما انه صحفي معروف . خاشقجي لم يحصل على الجنسية الامريكية ولم يحصل على حق الاقامة الدائمة او مايعرف بالكرين كارد الامريكي وكان يتنقل بجوازه السعودي وبتاشيرة دخول يتم تجديدها سنويا في الولايات المتحدة الامريكية . من الناحية السياسية كان خاشقجي يرفض تسمية نفسه معارضا لنظام الحكم في بلده الام ، كما انه ولوقت طويل كان يعتبر من المقربين للاسرة الحاكمة وخصوصا في زمن الملك عبدالله كما كان مستشارا صحفيا لرئيس جهاز المخابرات السعودي السابق الامير تركي الفيصل وعمل خاشقجي على تلميع صورة النظام الحاكم في السعودية بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 . حادثة اختفاءه حصلت بعد زيارته الى قنصلية بلده في مدينة اسطمبول . فهل يمكن استخدام قانون ماغنيتيسكي في التحقيق في قضيته ؟ الجواب هو مادام هناك من يستطيع جمع اصوات كافية داخل الكونغرس الامريكي لاقناع المجلس لمناقشة الموضوع وهو الحاصل فعلا وفقا لتصريحات العديد من اعضاء مجلس الشيوخ من جمهوريين وديمقراطيين وعلى راسهم السيناتور ليندسي غراهام من ولاية ساوث كارولاينا الذي يعتبر من صقور الجمهوريين الذين يشكلون حزب الاغلبية حاليا .

من ناحية اخرى فان النشاطات الاخيرة لخاشقجي قبل اختفاءه كانت تتعلق بنشر الديمقراطية حيث قام بانشاء منظمة غير حكومية تهدف الى نشر الديمقراطية في الدول العربية اطلق عليها اسم (DAWN ) وقام بتسجيلها في مدينة ديلاور الامريكية واستخدم علاقاته باثرياء الخليج للحصول على تمويل لها وهو الامر الذي جعل العديد من اجهزة الاستخبارات العالمية والمحلية مهتمه بمعرفة مصادر التمويل خصوصا وان خاشقجي كان معروفا بتعاطفه مع حركات الربيع العربي وكان مقربا للحركات الجهادية في افغانستان خلال عقد الثمانينيات . مما يجعله مثالا مناسبا لامكانية تطبيق القانون موضوع البحث .
السوال الذي يثار هنا هل يمكن استخدام هذا القانون في متابعة جرائم اضطهاد واخفاء النشاطين في مجال الدفاع عن حقوق الانسان ومكافحة الفساد الاداري والمالي في العالم ؟ الجواب هو بكل بساطة نعم . لكن يجب ان نعلم ان تطبيق اي قانون يحتاج الى الاليات معينة يجب اتباعها وبعكسه فسوف تفشل اي جهود خارج تلك الاليات وفي هذا الموضوع تنفرد الولايات المتحدة الامريكية بوجود مايعرف بمجموعات الضغط التي ترتكز في العاصمة واشنطن او اللوبيات وهي المجموعات التي يمكن ان تحرك اعضاء مجلس الشيوخ لتبني اي قضية ومعظم دول العالم تستعين بمكاتب علاقات عامة لخلق مجموعات ضغط ومن اشهرها اللوبي الاسرائيلي واللوبي الايراني .
في النهاية نكرر ان هذا القانون واتجاه العديد من الدول في العالم لاصدار تشريعات مشابهه يعتبر تحول مهم في القانون الجنائي الدولي يمنح للسلطات التنفيذية صلاحيات كبيرة ويمنح لاجهزة الاستخبارات امكانية التحري والكشف عن جرائم ترتكب في دول اخرى ولكنها في نفس الوقت تساهم بصورة كبيرة في محاربة خروقات حقوق الانسان وجرائم الفساد المالي باعتبار ان المتهمين لن يستطيعوا التستر خلف جدار السيادة الوطنية للتهرب من المحاسبة ولكن يجب ان يتم ذلك ضمن الاطر والاليات القانونية وليس بالشعارات والكلام فقط .

أحدث المقالات