يقول مثلنا الدارج: (المعرّف مايتعرّف).. إذ أنه أشهر من نار على علم، وتنحصر الشهرة بين حالتين لاثالث لهما، فإما شهرة بإيجابيات وإما شهرة بسلبيات.. والأمثلة على الإثنين كثيرة. والإثنان يسجلهما التاريخ في صفحاته للأجيال المتعاقبة، فتذكر الشخص المشهور بالإيجابيات بالخير والإشادة والترحم لوالديه، أما الشخص المشهور بالسلبيات فتقترن ذكراه عادة بالامتعاض والضجر.. وأحيانا باللعنات لوالديه و لـ (سلفه سلفاه).. والأخير هذا قد يكون مجهولا، إلا أن فعله المشين هو الذي يدل على خسته وأصله الدنيء، ومن أقرب الأمثلة على المتحلين بالخسة والدناءة.. والذين يذيع صيتهم لسوء صنيعهم، هم النكرات الذين يقامون بالاعتداء على الصحفيين والإعلاميين أثناء تأديتهم واجباتهم في مهنتهم التي اكتسبت مسمى “مهنة المتاعب” للجهل الذي يتحلى به بعض أفراد المجتمع تجاه الممتهنين بها.
كلنا يذكر كيف كان الإعلام إبان سنين حكم النظام البعثي مضللا، وكيف كان حكرا على القائد الأوحد والحزب الواحد، ونعي تماما سياسة القمع والكبت وتكميم الأفواه وتسييس الإعلام وتسخيره، وجعله بوقا يزمِّر ويتغزل بأخطاء المسؤولين وتجاوزاتهم، ويغطي ظلمهم لشعب وجدوا في مناصبهم لخدمته، وقد برز حينها أنصاف إعلاميين بربع قيم وخمس مبادئ وعشر أخلاق، طبلوا للمسؤول وزخرفوا قباحته وجملوها بلباس مزيف، بغية إرضائه ونيل عطائه. وبحلول الديمقراطية بعد زوال ذاك الحكم، كان من المفترض أن تزول كل السلبيات المرفقة به، وتحل محلها الإيجابيات المتوخاة من الحكومات الجديدة التي تسنمت مقاليد الحكم عن طريق صناديق الإقتراع، ومن هذه الإيجابيات حرية الإعلام التي من المفترض تطبيقها بحذافيرها، وتوفير الأمن لرجال الإعلام والصحافة وضمان حقوقهم وحمايتهم بحسب ما نص عليه الدستور. فالإعلامي والصحفي وضع روحه فوق راحته، وجعل نصب عينيه إيصال كلمة حق او شكوى او رأي، او الحث على تقويم اعوجاج، اوطرح حلول لمشاكل، ليس له في كل ذلك مأرب إلا كمأرب باقي المواطنين الذين لايصل صوتهم الى مسؤول أخطأ بحقهم، او تجاوز حقوقه مستغلا منصبه، او لم ينصف في قرار ما (وما أكثرهم اليوم في عراقنا(.
إن الخوض في تفاصيل قانون حماية الصحفيين ومواده وبنوده وفقراته، يتطلب منبرا اوسع من مقامي هذا، ويكفيني وسع صدر رئيس تحرير صحيفتنا ومدير تحريرها في طرح مايصب في خدمة العراقيين من على هذا المنبر.
عن المادة 4/ اولا من قانون حماية الصحفيين أقول: عجبي كيف يحق لمسؤول ما ان يقوم باعمال هي (محظورة وخارجة عن القانون وتخالف أحكامه وتضر في النظام العام)، وفي ذات الوقت لايحق للكاتب والإعلامي والصحفي ان يعبر ويصف ويحارب باسم الحق والشعب هذه السلبيات الـ (محظورة) بل من حقه “حصريا” تناول التجاوزات: (غير المحظورة فقط وله الحق في نشرها بحدود القانون). وبذا يجوز للمسؤول ان يسرق ويرتشي ويتواطأ ويقصر أنّى شاء، ولايجوز للصحفي الإشارة الى ذلك.
اما المادة 5/ ثانيا فانها تتيح (للصحفي حق التعقيب في حدود احترام القانون) بينما تتيح للمفسدين من المسؤولين العيث والعبث وفعل ما لايمت الى إحترام القانون بصلة، بلا رقيب.
كما تجيز المادة 6/ اولا للصحفي (حق الاطلاع على التقارير والمعلومات والبيانات الرسمية، بما لايشكل ضرراً في النظام العام) هذا يعني ان الضرر لو بدر من وزيرٍ او نائب او رئيس وزراء او رئيس جمهورية -ان حدث- فهو سر من أسرار المنصب لايحق للإعلامي الإطلاع عليه وإعلام المواطن بما يحدث خلف الكواليس.
إن السلطة الرابعة في العراق لم يطرأ عليها بعد عام 2003 من التغيير الإيجابي شيء، غير حرية التعبير والكتابة والطبع والنشر والتظاهر والاعتصام، وإن كان بعضها غير مكتمل تماما، أما كشف سلبيات المسؤول وفضح ألاعيبه والتحري في مسارات سرقاته ومخططاته، فمازال العمل به محذورا ومحظورا على الصحفيين والإعلاميين، وهذا قطعا بمباركة لبنات تشكيل الدولة الهرمي لبنة لبنة، بدءًا من حماية المسؤولين مرورا برئيس الوزراء.. صعودا حتى قمته رئيس الجمهورية.. و (گرة عينكم) ياصحفيي العراق بيوم عيدكم.. و (البگه براسكم)…!