قانون حرية التعبير.. خنجر في جسد الديمقراطية

قانون حرية التعبير.. خنجر في جسد الديمقراطية

امر محزن ..حينما تتحول الضمانات الدستورية إلى سلاح بيد السلطة..ففي عالمٍ تتفاخر فيه الحكومات بالديمقراطية كأنها وسام على صدر الدولة، تبرز حرية التعبير كأحد أبرز مقوماتها، إن لم تكن حجر الأساس الذي تُبنى عليه. لكن المفارقة المؤلمة أن القوانين التي يُفترض أن تحمي هذه الحرية، باتت في كثير من الأحيان تمثل خنجرًا مغروسًا في جسد الديمقراطية النازف.

فبين النص الدستوري والتطبيق القمعي.. واشكالية النصوص الدستورية.. حيث ينص الدستور العراقي، كما هو حال دساتير دول أخرى، على ضمان حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، بما لا يخل بالنظام العام أو الآداب. هذه الصياغة التي تبدو براقة لأول وهلة، تخفي بين طياتها مساحة رمادية شاسعة تستغلها السلطات لتأويل النصوص بما يتوافق مع مصالحها، ويُجرّم من خلالها النقد، ويُقمع الصحفي، ويُحاصر الناشط، ويُهدد المواطن البسيط لمجرد تغريدة أو منشور على شبكات التواصل.

وهنا يكمن جوهر الأزمة: فحين تُطلق القوانين دون ضوابط واضحة، تصبح أداة للانتقام السياسي لا وسيلة لحماية الحقوق.

ان الحرية التي تحت وصاية الخوف ستتحول إلى حقل ألغام، يتحسس فيه الناس كلماتهم قبل أن ينطقوا بها، ويحسب الصحفي عدد سطوره قبل أن يرسل مقاله، ويزن الناشط كل جملة قبل أن يكتبها. لقد أصبحت بيئة التعبير حافلة بالملاحقات، والتهديدات، والتشهير، وتكميم الأفواه، سواء بالوسائل القانونية أو الأمنية أو الإلكترونية.

والأخطر من ذلك، أن هذه السياسات لا تُمارَس فقط من قبل الدولة، بل تنتقل عدواها إلى المجتمع نفسه، لتتشكل حالة من الرقابة الذاتية، تقيد الحريات طوعًا، وتحوّل الشعوب إلى جماهير صامتة.

ان قانون حرية التعبير المراد أقرارة.لهو اشد القيود .. على الكلمه الحره والراي الصريح ،ففي السنوات الأخيرة، شهد العراق محاولات متعددة لتشريع قوانين تنظم حرية التعبير. لكن معظم هذه المسودات قوبلت بانتقادات حادة من المنظمات الحقوقية والإعلامية، لاحتوائها على بنود فضفاضة تسمح للسلطة باعتقال المعارضين تحت ذرائع “الإساءة للرموز”، أو “إثارة الفتنة”، أو “نشر الكراهية”، وهي تهم قابلة للتأويل والتوظيف السياسي بحسب مزاج السلطات.

إن ما نحتاجه اليوم ليس قانونًا يُضاف إلى رفوف القوانين التي لا تُطبَّق أو تُطبَّق بانتقائية، بل نحتاج إلى قانون ضامن، شفاف، مستقل، ينطلق من مبادئ حقوق الإنسان، ويحترم التعددية، ويكرّس الحق في النقد والمساءلة.

ان الديمقراطية لا تُقاس فقط بصناديق الاقتراع، بل تُقاس بقدرة الناس على التعبير بحرية عن آرائهم، وممارسة دورهم في الرقابة والمساءلة دون خوف. فإذا كانت حرية التعبير مُكبّلة بالقوانين، مُهددة بالسجن، ومقموعة بالرعب، فإننا نعيش ديمقراطية مشوهة، لا تختلف كثيرًا عن أنظمة الاستبداد.

فحين يصبح قانون حرية التعبير أشبه بـ”خنجر” يغوص في جسد الديمقراطية، علينا أن ندق ناقوس الخطر. فالقضية ليست في الكلمات التي تُقال، بل في المساحة التي نُمنحها لنقولها. وإذا ضاقت هذه المساحة حتى اختنق فيها الضمير، فإن الديمقراطية تموت اختناقًا، لا اغتيالًا.

أحدث المقالات

أحدث المقالات