11 فبراير، 2025 10:36 ص

قانون العفو العام في العراق حاجة مجتمعية ملحة

قانون العفو العام في العراق حاجة مجتمعية ملحة

يُعَدّ إطلاق سراح المعتقلين الذين زُجّ بهم في السجون بناءً على تقارير “المخبر السري” والوشايات الكيدية، أو أولئك الذين تعرّضوا للتعذيب لانتزاع اعترافاتهم، أو الذين قاوموا الاحتلال الامريكي “فكيف يسجن من جاهد في سبيل تحرير بلده من الاحتلال” لذا فإن إطلاق سراح هؤلاء يعد خطوة ضرورية لتحقيق العدالة في العراق، حيث يشكّل قانون العفو العام حاجة مجتمعية ملحّة لمعالجة هذه القضايا، وإنصاف الأبرياء الذين وقعوا ضحايا لثغرات قانونية وإجراءات غير عادلة.
ولطالما اعتمدت الأجهزة الأمنية العراقية على تقارير “المخبر السري” كأداة لجمع المعلومات عن المشتبه بهم، ما أدى إلى اعتقال آلاف المواطنين بناءً على وشايات غير موثوقة وعلى أسس ” طائفية”، وكشفت تقارير حقوقية عن أن العديد من هؤلاء المعتقلين أُجبروا على الإدلاء باعترافات تحت التهديد أو التعذيب، ما يطرح تساؤلات خطيرة حول شرعية هذه الإجراءات ومدى انسجامها مع مبادئ العدالة.
وتشير الدراسات إلى أن السجون التقليدية قد تصبح بيئة خصبة لنقل الخبرات الإجرامية، حيث يتعلّم السجناء الجدد أساليب إجرامية متطورة من السجناء الأكثر خطورة، مما قد يؤدي إلى تفاقم السلوك الإجرامي بدلاً من إصلاحه.
لذلك، يدعو المدافعون عن حقوق الإنسان إلى ضرورة إقرار قانون العفو العام، مع الأخذ بعين الاعتبار وضع ضوابط صارمة تضمن استثناء المجرمين الخطرين من هذا العفو، مع التركيز على إيجاد حلول بديلة للعقوبات السالبة للحرية، مثل الخدمات المجتمعية أو برامج التأهيل، على غرار ما تطبقه العديد من الدول المتقدمة.
يهدف العفو العام إلى إعادة دمج الأفراد الذين وقعوا ضحية أخطاء قانونية في المجتمع، مما يقلل من احتمالية تحولهم إلى مجرمين خطرين نتيجة الاختلاط المستمر مع عتاة المجرمين داخل السجون.
إضافة إلى ذلك، فإن إقرار العقوبات البديلة، كإدخال منظومة السجون المفتوحة وفصل الأحداث عن السجناء البالغين، يساهم في تعزيز حقوق الإنسان، ويمنع تعرض الفئات الضعيفة للاستغلال أو التأثر بالسلوكيات الإجرامية داخل السجون.
ورغم الدعوات المتكررة لمراجعة هذا الملف، إلا أن الانقسامات السياسية والأمنية أعاقت الوصول إلى حل جذري، ما جعل قانون العفو العام أحد المطالب الرئيسة للقوى الحقوقية والاجتماعية، بهدف تصحيح الأخطاء القانونية وضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات في المستقبل.
حيث يُعتبر قانون العفو العام في العراق واحداً من أكثر القضايا إثارة للجدل، إذ يواجه عقبات سياسية تتعلق بالانقسامات الحادة بين الكتل البرلمانية، ففي حين ترى بعض الجهات أن القانون ضروري لإنصاف الأبرياء الذين تعرّضوا للظلم، تخشى جهات أخرى أن يؤدي إلى إطلاق سراح مدانين بجرائم خطيرة قد تهدد الأمن العام.
وقد أصدرت المحكمة الاتحادية مؤخراً قراراً بتعطيل بعض القوانين، بما في ذلك العفو العام، ما دفع عدداً من القادة السياسيين إلى التحذير من أن تسييس القضاء قد يؤدي إلى أزمات داخلية جديدة، خاصة في ظل تصاعد المطالبات بضرورة الفصل بين القضايا السياسية والقضائية.
وفي ظل التعقيدات السياسية والأمنية التي تحيط بقانون العفو العام، يبدو أن الوصول إلى توافق وطني بشأنه يتطلب حوارًا شاملاً يراعي جميع الأبعاد القانونية والحقوقية، مع ضرورة إعادة النظر في آليات جمع المعلومات الأمنية، لضمان عدم تكرار الأخطاء السابقة وحماية حقوق المواطنين ضمن منظومة قضائية أكثر شفافية وعدالة.
إن إقرار قانون العفو العام يجب أن يكون خطوة مدروسة توازن بين إنصاف الأبرياء الذين تعرضوا للظلم، وضمان الأمن والاستقرار، بحيث لا يتحول إلى بوابة للإفراج عن المجرمين الخطرين، بل إلى أداة حقيقية لتحقيق العدالة الاجتماعية، وترسيخ الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات