26 ديسمبر، 2024 9:35 م

قانون العشائر خطوة اخرى لتقويض الدولة المدنية

قانون العشائر خطوة اخرى لتقويض الدولة المدنية

مع ظهور التجمعات البشرية المتعددة على الارض ، كان لابد من نظام معين ينظم امورها برغم بساطتها ، وتكتلت تلك التجمعات البشرية فيما بينها لتتشكل منها العشائر باسماء متعددة للدفاع عن مصالحها بغياب الدولة والقانون.
وبسبب زيادة النفوس والصراع على الكلأ والمياه واللذان كانا المصدرين الرئيسين للحياة ، ظهرت صراعات فيما بين المجموعات البشرية للحفاظ على وجودها ولهذا كان ظهور العشائر امرا فرضه الواقع.
نظرا لتكوينة المجتمع العراقي ونسيجه العشائري وعجز البريطانيين عن حل المشاكل والنزاعات بين العشائر وضبط الامور والسيطرة على الامن والاستقرار ، اضطرت سلطة الاحتلال البريطاني لسن قانون سمي بقانون (دعاوى العشائر) وذلك في عام 1916 اي قبل نشوء وتأسيس الدولة العراقية الحديثة التي تشكلت في 1921 ما فرض على العراق الجديد حالة فريدة من نوعها وهي ان يكون قانوناً مدنياً لتنظيم الحياة العامة الى جانب قانون خاص بالعشائر واحيانا كان المشرع المدني يعجز عن حسم بعض الخلافات والنزاعات ويضطر ان يوكلها الى العشائر لتفضها بحسب الاعراف العشائرية.
واتخذت جميع النظم العراقية المتعاقبة من العشائر قاعدة تستقوي بها عن طريق
وضع مكانة خاصة لرؤساء وشيوخ العشائر ودعم تلك العشائر ماديا واجتماعيا كي تكون قوة بيدها لفرض هيبة الدولة والأمن والاستقرار ، الا ان ثورة 1958 بقيادة الراحل عبدالكريم قاسم سعت من اجل تقويض قوة العشائر، محاولة بذلك بناء دولة مدنية عصرية يحكمها القانون وتحل العدالة الاجتماعية محل الفوضى العشائرية.
الا ان نظام البعث المباد ومن اجل تمرير سياساته العدوانية والحروب التي شنها ضد دول الجوار، سعى لاعادة الهيبة للعشائر بغية عسكرتها واستغلالها كوقود لحروبه الطائشة راح ضحيتها الالاف من ابناء الاسر الفقيرة المغلوب على امرها ولذلك ظهرت زعامات عشائرية جديدة مدعومة من النظام سميت في حينها بشيوخ التسعينيات.
اليوم بعض القوى السياسية الحاكمة في العراق وبرغم ادعائها بالسعي من اجل التغيير و بناء دولة مدنية تستند الى مؤسسات مستقلة عن سطوة الاحزاب ، الا انها تعمل جاهدة ومنذ 2003 الى اليوم وعن طريق مخطط جهنمي مدعوم من القوى الاقليمية ، لاستغلال النظام العشائري وتوظيفه لمأربها ومصالحها الحزبية بغية كسب الاصوات والاستحواذ على المناصب ، لذلك لجأت الى العشائر وربما توفقت في مسعاها واليوم تحاول تلك القوى جاهدة شرعنة تدخل العشائر في الحياة السياسية والمدنية وادارة الدولة بشكل عام عن طريق تمرير قانون خاص بالعشائر.
ان تمرير هذا القانون يعد زلزالا بل كارثة تهدد ما تبقى من كيان الدولة المدنية في العراق ، وفي حال تمريره ستخلق مشاكل ونزاعات لا اول لها ولا آخر ، بسبب صراع شيوخ وزعامات العشائر فيما بينها من جهة وصراع ابناء العشائر في المدن والارياف وحتى المناطق النائية من جهة ثانية وهذا ماشاهدناه ونشاهده بين فينة
واخرى في جميع المحافظات خاصة الجنوبية اذ تتقاتل العشائر فيما بينها ولا تعير أهمية لسلطة القانون وتزهق نتيجتها ارواح الابرياء بسبب الانتماء الى هذه العشيرة او تلك ، لذلك على كل القوى السياسية الوطنية التي تعمل من اجل بناء مجتمع مدني ودولة متحضرة تستند للقانون في حل المشاكل وكذلك الرأي العام العراقي الوقوف صفا واحدا للحيلولة من دون تمرير قانون العشائر الذي لايخدم سوى مجموعة من السياسيين الفاسدين والفاشلين وبعض شيوخ العشائر ، ويضيف للمواطن معاناة جديدة تتمثل بحرب اهلية جديدة ودخول البلد في دوامة عنف جديدة يصعب التكهن بعواقبها.

أحدث المقالات

أحدث المقالات