قانون الحشد الشعبي حجر الزاوية لمستقبل النظام العراقي

قانون الحشد الشعبي حجر الزاوية لمستقبل النظام العراقي

يشهد العراق تصاعدًا في التوترات السياسية والأمنية على خلفية الجدل الدائر حول قانون “الحشد الشعبي”. فبينما تسعى الحكومة لتمرير القانون بدعوى إصلاح المؤسسات الأمنية، تواجه رفضًا أمريكيًا وتحذيرات من تداعياته على سيادة البلاد، وسط مواقف إيرانية داعمة للحشد، حيث أكد مستشار المرشد الإيراني، علي أكبر ولايتي، أن طهران لن تسمح بنزع سلاح الحشد الشعبي أو حزب الله في لبنان.

   تعود جذور الحشد الشعبي إلى عام 2014، عندما استجاب آلاف العراقيين لفتوى المرجع الديني السيد علي السيستاني للقتال ضد تنظيم داعش الذي سيطر على الموصل آنذاك .

ورغم الاعتراف الرسمي به كجزء من المنظومة الأمنية، إلا أن معظم فصائله لا تخضع مباشرة لسلطة وزارتي الدفاع أو الداخلية، بل تدين بالولاء لأحزاب وقيادات سياسية نافذة. هذا الوضع منح الحشد استقلالًا واسعًا، وجعل بعض فصائله أدوات نفوذ إيراني، فيما يتوزع الحشد إلى ثلاثة تيارات رئيسية: فصائل موالية لطهران، فصائل مرتبطة بمرجعية النجف، وأخرى شبه مستقلة تتبع التيار الصدري . وقد شن السيد مقتدى الصدر هجومًا لاذعًا على بعض فصائله واصفًا إياها بـ”الميليشيات القذرة” .

تنامي قوة الحشد تزامن مع ضعف الحكومة واستشراء الفساد، ما جعله لاعبًا سياسيًا وأمنيًا لا يمكن تجاوزه. حتى أن اختيار رئيس الوزراء بات شبه مستحيل دون موافقته.
كل ذلك تحت اشراف طهران وتنسيقها الوثيق مع قادته عبر فيلق القدس .

تغلغلت الفصائل الموالية لإيران في مفاصل الاقتصاد العراقي حتى  امتدت اذرعها إلى قطاعات النفط والموانئ وشركات الإنشاءات، مع اتهامات بالتهريب والسيطرة على عقود حكومية. كما ارتبط اسم الحشد بعمليات اغتيال طالت نشطاء وصحفيين خلال احتجاجات تشرين 2019، التي قُتل فيها أكثر من 600 شخص.

وتشير التقارير إلى أن الحشد الشعبي لم يعد مجرد قوة عسكرية، بل أصبح “دولة داخل الدولة” تتحكم بموارد اقتصادية هائلة.

كشف حادث الهجوم على مبنى دائرة الزراعة في بغداد يوليو 2025 عن أزمة عميقة في انضباط الحشد، حيث هاجمت عناصر من كتائب حزب الله (إحدى فصائل الحشد) المبنى وأطلقوا النار على قوات أمنية ما أدى إلى سقوط قتلى بين المدنيين والقوات الأمنية. وقد اضطر رئيس الوزراء إلى إعفاء قائدي لوائين في الحشد وإحالة آخرين للتحقيق .

هذه الحادثة أظهرت أن العديد من فصائل الحشد “لا تتقيد بالضوابط العسكرية” وتعمل خارج سيطرة الدولة، كما أشار بيان رئاسة الوزراء .

ان النفوذ الإيراني عبر الحشد أدى إلى عقوبات أمريكية وهجمات صاروخية على إقليم كردستان، فيما حذرت واشنطن علنًا من أن تمرير القانون سيعزز نفوذ إيران والجماعات المسلحة على حساب سيادة العراق. حتى بريطانيا انضمت إلى هذا الموقف المعارض .

على الصعيد الداخلي، يحاول رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مسك العصا من الوسط لضمان بقائه في السلطة، لكنه يواجه تحذيرات من انزلاق البلاد إلى الفوضى إذا تصاعدت المواجهة مع الفصائل المسلحة.
ورغم إقراره بوجود “خلل” في الحشد الشعبي، فإن أي خطوة لتقليص نفوذه تواجه مخاطر سياسية وأمنية كبيرة.

في ظل بيئة إقليمية شديدة التعقيد، يرى مراقبون أن الإصرار على تمرير قانون الحشد الشعبي، خاصة من قبل أحزاب “الإطار التنسيقي”، قد يدفع العراق نحو مزيد من الارتهان للمحور الإيراني، أو حتى انهيار النظام السياسي القائم .
يبقى السؤال الأكبر: هل يستطيع النظام العراقي تجاوز هذه الأزمة دون دفع ثمن باهظ؟ الإجابة ربما تكمن في القدرة على التوازن بين ضرورات الأمن الوطني والمطالب المشروعة للشعب العراقي في دولة مدنية خالية من الميليشيات والتبعية الخارجية .

أحدث المقالات

أحدث المقالات