23 ديسمبر، 2024 1:25 م

قانون الحرس الوطني وفخ ال 32 % في كركوك

قانون الحرس الوطني وفخ ال 32 % في كركوك

بعد ان انتظر العراقيون شهورا عدة لاصدار قانون الحرس الوطني الذي تاملوا من خلاله توحيد الجهد العسكري للعراقيين في الوقوف ضد عصابات داعش واخراجهم من البلاد , جاءت بنوده لتصيبهم باحباط جديد وتكشف لهم بان القانون ليس سوى خطوة سياسية هدفها المماطلة والدوران حول جملة نقاشات وجدالات عقيمة قد تستغرق شهورا اخرى , يكون الرابح الاوحد منها هو تنظيم داعش .

فقد جاء نص القانون الذي اقره مجلس الوزراء واحيل للتصويت في البرلمان مليئا بالمطبات السياسية التي تحتاج الى جملة مفاوضات وتوافقات بين القوائم البرلمانية , ويبدو ان احالته بهذه الصيغة الى البرلمان هي محاولة من السيد العبادي للتخلص من الضغط الشعبي والدولي ولوضع الكرة في ملعب مجلس النواب , ليكون مصير هذا القانون مماثلا لمصير قانون الموازنة للعام الماضي والذي تراكمت عليه الاتربة دون ان يرى النور .

لقد جاء القانون مشتتا يفتقر لاليات محددة تزرع الثقة بين مكونات الشعب العراقي للانطلاق من خلاله الى افاق جديدة , مما جعله عرضة لانتقادات جميع المكونات العراقية سنية كانت ام كوردية وحتى الشيعية . ودعونا ناخذ المادة المتعلقة بمدينة كركوك لنرى كيف ان من شرع هذا القانون لم يستند الى اي منطقية سياسية في وضعه لهذا البند .

فالقانون يستثني مدينة كركوك من عموم الحالة العراقية ويعطيها وضعية خاصة بتحديد نسب معينة في تشكيل الحرس الوطني دونا عن بقية المحافظات .

ان اعتماد مبدا 32% كنسبة مئوية للمكونات الثلاث الرئيسية ( الكوردية والعربية والتركمانية ) في مدينة كركوك يهدف بقصد او بدونه الى اضعاف الجهد العسكري الذي يحارب داعش منذ اشهر عدة . فبعد انسحاب الجيش العراقي في حزيران الماضي سيطرت قوات البيشمركة على المدينة واصبحت تدار من قبل حكومة الاقليم اداريا وامنيا وعسكريا , وقد استماتت قوات البيشمركة في الدفاع عنها وتكبيد الدواعش خسائر فادحة منعتهم من تحقيق اي تقدم حقيقي لهم في كافة المناطق التابعة لكركوك . لذلك فان اعادة تشكيل القوات المدافعة عنها بالنسب هذه تعني تحييدا لاعداد كبيرة من البيشمركة واستبدالهم بقوات جديدة من الحرس الوطني الذين يفتقرون التدريب والخبرة الكافيتين لمحاربة داعش , اضافة الى ان تسليح الحرس الوطني (وحسب التصريحات) نوعيا سيكون اقل مستوى من تسليح الجيش العراقي وبالتالي اقل من تسليح البيشمركة من الناحية النوعية , وهذا يعطي عصابات داعش الفرصة السانحة لتحقيق مكاسب عسكرية في ميادين القتال على حساب الطرف المقابل .

ان فرض نسبة مئوية في تشكيلة الحرس الوطني في كركوك يتعارض مع توجهات حكومة العبادي في اعطاء صلاحيات و اسعة للحكومات المحلية ويتنافى مع التوجهات اللامركزية التي يتبناها في برامجه الحكومي . والغريب في القانون انه غض النضر عن بقية المناطق التي ضمت لكوردستان بعد شهر حزيران الماضي وتسيطر عليها البيشمركة حاليا لحمايتها من تهديدات داعش , مع انها ايضا تدخل ضمن المناطق المتنازع عليها , مما يعطي انطباعا بان تخصيص كركوك بهذه النسبة تكمن ورائه اهداف سياسية بحتة وليست عسكرية تتعدى الجغرافية السياسية للعراق .

ان هذه النسب اعتمدت سابقا بشكل مؤقت وفق مبدا التوافق الظرفي وليس الدائمي للحيلولة دون تاجيل الانتخابات البرلمانية العراقية في المحافظة حينها واستغلتها بعض الاطراف لتثبيتها وكانه اتفاق دائمي لكل ما يتعلق بالمدينة , لذلك فاية موافقة كوردية على هذه الصيغة سيشرعن مبدا النسب هذه ويجعله اساسا لاية تفاهمات مستقبلية حول المدينة . حتى وان كان هناك تفاهم شفوي بين حكومة بغداد وجهات مسئولة في المحافظة او في اقليم كوردستان في الابقاء على عدد قوات البيشمركة في مركز المدينة والمناطق الكوردية في محيطها واستقدام اعداد مماثلة وحسب النسبة المذكورة من المكونين العربي والتركماني في مناطق تواجدهما كاغلبية , فسيكون خطا ستراتيجيا يقع فيه الاقليم كونه تفاهم غير موثق ولا يعتد به , يعطي للمركز مجالا واسعا للالتفاف عليه والتدخل في شئون كركوك بالشكل الذي يريده متى ما شاء مستقبلا .