22 ديسمبر، 2024 9:03 م

قانون البنى التحتية وفخ الدفع الآجل

قانون البنى التحتية وفخ الدفع الآجل

حماس منقطع النظير لم نعهده من السيد رئيس الوزراء وإصرار عجيب على إقرار قانون البنى التحتية, تطلب منه الأمر لحضوره شخصيا لمجلس النواب لمناقشته والحث على إقراره, مع تمني رئيس مجلس النواب على نوابه بعدم إحراجه وإثارة ملفات الأمن الذي يرفض المالكي مناقشتها في مجلس النواب مع علمه مسبقا بان التصويت على قانون البنى التحتية سيصطدم بمعارضة قوية من جميع الكتل السياسية الرئيسية باستثناء ائتلاف دولة القانون الذين اعدوا العدة لحملة إعلامية شعواء لاتهام المعترضين بعرقلة عمل الحكومة والسعي لإفشالها.
ويبدو إن البنى التحتية لن نراها على ارض الواقع ومهما بلغت الموازنة العامة من تخصيصات مالم تنجز بأسلوب الدفع الآجل الذي أنعش ذاكرة السيد رئيس الوزراء ليتذكر بأننا بحاجة الى (6000) مدرسة تناساها حينما كانت تخصيصات وزارة التربية تعاد كما هي لتدور الى السنة المالية التالية من دون بناء مدرسة واحدة سواء في عهد الوزير السابق أو اللاحق, وتذكر إن مشاريع الإسكان شبه متوقفة بسبب هزالة التخصيصات لوزارة الأعمار والإسكان والاعتماد على المستثمر الذي أخفقت الحكومة في استقطابه وتركت الأزمة تتفاقم ومعها تزداد الأحياء العشوائية الغير صالحة لا للسكن البشرى ولا لغيره, وأصبحت المشاريع ذات التماس المباشر بحياة المواطن بمجملها مرتبطة بأسلوب الدفع الآجل لإجبار مجلس النواب على إقرار قانون البنى التحتية المبهم وتعارضه مع صلاحيات مجلس النواب الذي سبق وألغى المادة (36) من قانون الموازنة العامة لعام 2012 الخاصة بأسلوب الدفع الآجل لعدم وجود خطط تنموية مستقبلية للحكومة بالإضافة الى وجود فائض نقدي لم يستثمر سواء في السنوات السابقة أو نسب الانجاز للسنة المالية, وكون هذا الأسلوب هو باب مشرع للفساد تضيع فيه الاقيام الحقيقية للمشاريع لمجهولية نسب الفائدة المضافة ومدى حاجة الدولة لهذه المشاريع, ليعود مجلس الوزراء لإعداد مشروع قانون يمثل تجاوز واضح على صلاحيات مجلس النواب ودوره الرقابي على الحكومة ومخالف لأحكام الدستور, وأثبتت طريقة تصرف الحكومة بعقود الدفع الآجل لسنة 2011 مخالفتها للقانون العام, حيث تمت موافقة مجلس الوزراء على إقرار عقود بالدفع الآجل وتخويل الوزراء المعنيين بالتوقيع عليها وصلت أقيامها الى (6,348) مليار دولار لكنها لم تنفذ ولم يكن هناك أي مستند يبين ما قيمة هذه المواد المزمع شرائها وما هي الفوائد المترتبة عليها والفرق بين سعر الشراء بالآجل وسعر الشراء بالدفع النقدي، ولم تبين وزارة المالية إنها غير قادرة على تنفيذ هذه العقود بطريقة الدفع النقدي، وما يتضح من موازنات الدولة العراقية إنها حققت فائضا بين المصروف المخطط والإيراد يبلغ (126) تريليون دينار للسنوات من 2004 ولغاية 2010, ومع وجود هذه المادة فإنها ستبتلع هذا الفائض دون أن يعرف لها من مصير, وقد نجد أوجه صرفها في سجلات الحكومة فقط دون أن نراها على ارض الواقع, كما يمثل القانون بصيغته الحالية مخالفة صريحة لقانون الإدارة المالية والدين العام, حيث لايجوز الدفع من الخزينة العامة للدولة إلا وفق حسابات مخصصة في الموازنة العامة يجرى التصويت عليها وإقرارها وليس منح الصلاحيات المطلقة لرئيس الوزراء وإفقاد دور مجلس النواب الرقابي استنادا الى المادة (61/ثانيا) من الدستور والتي تنص على أن يختص مجلس النواب بـمهمة الرقابة على أداء السلطة التنفيذية ومن واجباته الاطلاع على أوجه الإنفاق الحكومي ومدى مطابقته للنصوص الدستورية والقانونية, وهذا يتطلب إعداد خطط مستقبلية للمشاريع وأولوياتها تمرر عبر مجلس النواب للمصادقة عليها وليس التخصيص الاعتباطي الذي يتضمنه القانون.
إن الموازنة العامة مع التكميلية بلغت حدا من الغريب أن تشعر الحكومة معها بضعف التخصيصات, فهي لا تعاني من قلة التخصيصات بل من انعدام الرؤى الاقتصادية والنزاهة والشفافية, وافتقارها للقدرة على وضع الخطط التنموية وتحديد الأولويات, وانشغالها بإقامة مشاريع ديكورية هزيلة سريعة الانجاز وسريعة التلاشي بتخصيصات هائلة تمنح للمحسوبين والمنسوبين دون عروض تنافسية تباع من شخص لآخر لتنتهي بمواصفات غير مطابقة, وفي أحيان أخرى تصرف التخصيصات دون انجاز المشروع, فإذا كان هذا الحال مع تخصيصات الموازنة العامة الخاضعة لرقابة مجلس النواب (الدفترية فقط) فكيف سيكون الحال مع أسلوب الدفع الأجل الذي سيشوبه فساد اكبر واعم لم ينكره المالكي واقر بوجوده, ومع مؤشرات الفساد الحالية المرتفعة فان تطبيق هذا القانون لن يؤدي إلا الى إهدار المزيد من المال العام وزيادة الموازنة التشغيلية لاتكال الحكومة على هذا الأسلوب في إقامة المشاريع الاستثمارية, والسعي الى إقامة اكبر قدر من المشاريع حتى وان كانت غير ضرورية للحصول على المزيد من العمولات والرشا, ومن المؤكد إن هذا الأسلوب سيغرق العراق بالديون وستخلف حكومة المالكي بعد رحيلها عاجلا أم آجلا إرثا ثقيلا من الديون والفوائد, ولن تجد لمن سيخلفها حلا لهذه الديون سوى الإدمان على الاقتراض في ظل مخاطر الاقتصاد الريعي الذي تتذبذب عائداته مع تذبذب أسعار النفط !!!