23 ديسمبر، 2024 11:26 م

قانون إلزامية التصويت

قانون إلزامية التصويت

بدءاً إن ظاهرة تدني المشاركة في الإنتخابات المحلية والعامة تتعدى الدول الديمقراطية الناشئة مثل العراق الى دول تُوصف بأنها أهم معاقل الديمقراطية في العالم مثل الولايات المتحدة ودول شمال وغرب أوروبا، لكن القلق من ضعف مشاركة الجمهور في الانتخابات يكون أكبر وأخطر في الديمقراطيات النامية التي لم تصل بعد الى مرحلة الاستقرار والنضج وبالتالي يُخشى على التجربة الديمقراطية من التصدع والانكسار، من هنا فقد أثار ضعف الإقبال على الانتخابات المحلية التي جرت مؤخراً في العراق قلقاً مشروعاً من قبل الحريصين على التنمية الديمقراطية في البلاد.

يؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 21 على (إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الإقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت) والواقع ان البشرية منذ نشوئها لم تستدل الى نظام عادل للتعبير عن الارادة سوى نظام الاقتراع السري الذي يتيح للأفراد التعبير عن رأيهم في قضية معينة أو في اختيار ممثلين عنهم في السلطة التشريعية والتي سوف تنبثق عنها السلطة التنفيذية في ضوء النتائج الإجمالية لصناديق الاقتراع السري. هذا النظام ـ الاقتراع السري ـ جرى تطبيقه في أثينا القديمة ثم اعتمدته الثورة الفرنسية أسلوباً للتعبير عن الإرادة الجماهيرية في الانتخابات والاستفتاءات كافة.

ظلت ظاهرة ضعف إقبال الجمهور على المشاركة في الانتخابات تشغل بال منظري النظام الديمقراطي وتشكل قلقاً متزايداً للحكومات والمنظمات الدولية، فعندما تتدنى نسب المشاركة في الاقتراع، تنتج عنها سلطة تشريعية لا تحظى بثقة مقبولة من الشعب وبالتالي حكومة ضعيفة، ويزداد هذا القلق إذا انخفضت نسبة المشاركة عن 50 بالمئة من عدد الناخبين الإجمالي، هذا يعني أن أكثر من نصف الشعب غير راض عن هذه النتائج، بل هو يقاطع العملية السياسية برمتها، وهو أمر يستدعي البحث عن الأسباب ومعالجتها، لا الركون الى نتائج الانتخابات مهما كانت والقول ليذهب الصامتون أو المقاطعون الى الجحيم، فهم الذين اختاروا هذا الموقف السلبي للتعبير عن إرادتهم.

أعتقد أن دور مفوضية الانتخابات لا ينتهي عند عملية إجراء الانتخابات نفسها فقط، بل ينبغي أن يتواصل بالتعاون مع مؤسسات الدولة المعنية والجامعات ومراكز الأبحاث ومنظمات المجتمع المدني، وأن يتواصل في معالجة ظاهرة ضعف الإقبال على المشاركة في الانتخابات، كما هي مسؤولية الحكومة والأحزاب والكتل السياسية في الوقت نفسه.

  هناك مؤشر خطير على وجود حالة من اليأس والإحباط من إمكانية التغيير لدى كثير من المواطنين، وهو ما دفعهم الى الجلوس في بيوتهم والإمتناع عن الذهاب الى المراكز الانتخابية. بالتأكيد هناك عوامل كثيرة أخرى منها العامل الأمني وعدم تحديث سجل الانتخابات وهي مسؤولية تتحملها مفوضية الانتخابات وليس صحيحاً أن تلقيها على عاتق المواطن بذريعة إنه لم يكلف نفسه عناء تحديث سجله الانتخابي. نعتقد انه يتعين على المفوضية القيام بنفسها بهذه المهمة والذهاب الى المواطنين في بيوتهم قبل عملية الاقتراع لغرض تحديث سجلاتهم الانتخابية. أؤكد ان وجود عوائق معينة منعت المواطن من الإدلاء بصوته، وهي مشكلة تتحملها مفوضية الانتخابات، إذ ليس من واجبات المواطن في الدول الديمقراطية تحديث السجل الانتخابي، بل هي مسؤولية حصرية لمفوضية الانتخابات.

نحن هنا نبحث في ظاهرة عزوف الجمهور عن المشاركة في الانتخابات بسبب عدم المبالاة وضعف الوعي الانتخابي أو تعبيراً عن حالة اليأس والإحباط من إمكانية التغيير، ولا بد لكل من هاتين الحالتين معالجات خاصة، وهذا ما يتجاوز إمكانيات مفوضية الانتخابات ويتطلب مشاركة مجتمعية وحكومية أوسع، ربما يكون أحدها اللجوء الى تطبيق قانون إلزامية التصويت كما هو الحال في بلجيكا وأستراليا إنطلاقاً من مبدأ وهو أن التصويت واجب وطني مثلما هو حق شخصي ولا بد للمواطن الذهاب الى صندوق الاقتراع للتعبير عن رأيه بحرية تامة حتى لو كان هذا التعبير من خلال ورقة بيضاء أو ملغاة.