23 ديسمبر، 2024 10:35 ص

قانون.. إضفاء القدسيّة على الفاسدين !

قانون.. إضفاء القدسيّة على الفاسدين !

تعدّ حرية التعبيرعن الرأي والتجمع والتظاهر السلمي أهم متطلبات النظام الديمقراطي،لأن الحكومة فيه تمثل الشعب الذي يعدّ مصدر السلطات، وعليها أن تخدمه وتأخذ رأيه في كل قرار يخصّ حياته ومستقبله، وأن تعدّل أو تصحح القرار بما يلبي مطالب منظمات المجتمع المدني والكتّاب والمثقفين، فضلاً عن أنه حق كفلته المواثيق والمعاهدات الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
والملاحظ أن مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي كتب بطريقة تقضي على الحقوق التي ضمنها الدستور العراقي في حرية التجمع والتظاهر والمعرفة،حيث ورد في باب الحقوق ما نصّه(( تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب، أولاً:ـ حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً :ـ حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثاً :ـ حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظّم بقانون)).وكان على المشرّع تنظيم تلك الحقوق بقانون يضمن ممارستها بما لا يتعارض مع النظام العام والآداب العامة، بل أن صياغته كتبت بطريقة تضمن للحكومة العراقية (حق) التضييق على الحقوق بذريعة المصلحة والآداب العامة.
وللتذكير فإن مجلس الوزراء كان قد رفع في العام (2011 ) مشروع هذا القانون الى مجلس النواب، وجوبه يومها بانتقادات موضوعية اشرّت خللاً، بينها: تكراره لما موجود في قوانين أخرى، وخلطه بين المفاهيم وعدم دقة بعضها، فيما تقتضي الصياغة القانونية أن لا تكون المفاهيم فيه حمّالة أوجه، فضلاً عن أنه منح المفوضية العليا لحقوق الإنسان حق البت في شكاوى المواطنين الذين رفضت طلباتهم وتنصيبها كجهة قضائية.
لقد ورد في نص المادة 7/أولاً ما نصّه: ((للمواطنين حرية الاجتماعات العامة بعد الحصول على إذن مسبق من رئيس الوحدة الادارية قبل (5) أيام في الأقل على أن يتضمن طلب الإذن موضوع الاجتماع والغرض منه وزمان ومكان عقده وأسماء اعضاء اللجنة المنظمة له)) . ولأنه تجنب مفردة (إشعار أو إخطار) الجهة الحكومية المعنية، وهو المعمول به في الحكومات الديمقراطية، فإن هذا يعني أن الحكومة العراقية منحت نفسها حصانة السلطة التي لا يحق لك أن تنتقدها أو تتظاهر ضد قرار اتخذته بحقك إلا بعد موافقتها!.ولأن القانون ورد فيه تعبير (الاجتماع العام)، فإن هذا يمكن أن يشمل مجالس العزاء والأفراح بطريقة الكيد، وإنها تتوعدك بعقوبة بحسب مزاجها، وربما ستضبطك متلبساً وأنت جالس في مقهى مع اصدقائك بجريمة عقد اجتماع غير مرخص به، أو اذا كنتم تمشون في شارع سوياً فإن لرجل الأمن الحق في مطالبتكم بترخيص الإذن في تظاهرة.. وهي فكرة لكوميديا ساخرة في سهرة تلفزيونية عن الديمقراطية العراقية!.
المثير للتساؤل بكوميديا سوداء، أن القانون تضمن تجريماً بحق كل من يتناول اهانة الرموز المقدسة أو الأشخاص. ومع أن ظاهره يبدو مقبولاً في حدود الآداب العامة، لكن مقصده في الحقيقة أبعد وأعمق.
إن العراقيين، وليست الحكومات، يحترمون بطبيعتهم الرموز المقدسة وليسوا بحاجة الى توصية من أحد أو قانون يتوعدهم بعقوبة، لكن القصد منه هو حماية رجال الدين الذين امتهنوا السياسة سواء على صعيد البرلمان أو الكتل السياسية أو مؤسسات الحكومة.على سبيل المثال، هنالك اكثر من رجل دين معمّم يتولى مسؤوليات أمنية، ووارد جداً أن يرتكب اخطاءً أو تجاوزات بحكم وضع طائفي وأمني مرتبك، فإنك أن انتقدت سلوكه أو شخصه، فسيعدّ ذلك إهانة رمز مقدس.. وبـ(القانون!)..وياويلك من عقوبة (رجل دين) صار سياسياً.
والمثير للسخرية أيضاً، أن رجال الدين من المعمّمين الذين صاروا سياسيين، يتبادلون التهم بالفساد علناً عبر الفضائيات، فإن أنت اتهمت أحدهم بالفساد فسيقيم ضدك دعوى باهانة رمز ديني..وبـ(القانون) وياويلك أيضاً!
والسخرية الأخرى، أن العملية السياسية في العراق لم تفرز رجل دولة، بل (انجبت) فاسدين ورؤساء كتل وأحزاباً فتحت خزائنها لنهب الثروة في حال ينطبق عليه وصف جهنم.. يسألونها هل امتلأت تقول هل من مزيد. وأن تلك المادة في القانون صيغت بطريقة تقول لك: إن هؤلاء الساسة يعدّون رموزاً وانك تعرف أن الرمز (مقدس).. وعليك أن تسكت حتى لو سرقوك سرّاً أو علناً. ليس هذا رأي الكاتب وحده، بل أننا اجرينا استطلاعاً شارك فيه أكاديميون ومثقفون اليكم نماذج من إجاباتهم:
• من هي الرموز الوطنية التي يمنع نقدها؟هل من يخرّب الوطن ويدمره يصبح رمزاً وطنياً؟
• وهل هناك رمز وطني ظهر بعد( 2003)؟. لدينا رموز طائفية ورموز جنسيات مزدوجة ورموز في السرقات.
• صيغ هذا القانون ضد الكفاءات العلمية ليبقى الجهلة في مناصبهم.
• اذا صدر القانون فلابد أن تلحق به قائمة بأسماء الرموز عندها سيكون الوضع اسوأ لأن كل حرامي كبير يُمني نفسه بنيل هذا اللقب الجديد.
• وهل توجد رموز وطنية كي يمنع القانون من انتقادها؟ لدينا لصوص وعملاء،وانتقادهم وفضحهم فرض عين على كل عراقي شريف وعراقية عفيفة.
إن الديمقراطية لا تقر بمقولة الرموز السياسية،بل تقر بمبدأ أن الجميع متساوون ويخضعون للقانون دون فوراق. والحقيقة المؤكدة أن مشروع هذا القانون الذي يتوحد الآن فاشلو وفاسدو الكتل السياسية للعمل على إقراره، ناجم عن حقيقة سيكولوجية من نوع شرّ البلية ما يضحك.. هي أن البرلمان العراقي يخشى الشعب الذي انتخبه!، وإن السلطة (الديمقراطية) في العراق صارت تخاف من الشعب، وانها تريد أن تحمي نفسها من غضبه عليها، وإنها تدرك أن غضب الناس عليها مشروع، وإن انتقامه منها سيكون شديداً لجرائم اكبرها أن الذين تسلموا السلطة اعتبروا العراق غنيمة فتقاسموا خيراته وتركوه خراباً.. وعزلوا انفسهم لوجستياً ونفسياً في 10كيلومتر مربع. ومع أن الديمقراطية تقر مبدأ تداول السلطة فإنهم، يريدون أن يبقوا من خلال هذا القانون الى يوم يبعثون.
نقلا عن المدى