هكذا بهذه الكلمات التي أفصح عنها كتاب الله سبحانه وتعالى يحاول الإنسان أن يعود الى الدنيا بعد موته لكي يصحح اخطائه وتجاوزاته بعد ما شاهد من هول العذاب وشدة العقاب ودقة الحساب أو أراد الإنسان أن يستزيد من الحسنات وكثرت الثواب حتى يحصل على رفيع المقام في جنات الرحيم الغفار ، لأن الإنسان مهما فعل من خيرات وترك النواهي والموبقات فهو يعيش في ندم كبير بعد الممات لأنه يريد الاستزادة في درجات الجنان والمقامات الرفيعة ما بين الصديقين والشهداء والأنبياء والمرسلين فيريد الاستزادة وجمع أكبر قدر ممكن من الثواب والحسنات فيكون بعد الممات نادماً ، لهذا ينادي ويكرر النداء ويستغيث لعله يرجع ويستزيد من الثواب والخير الكثير وتصحيح الأخطاء ولكن يأتي النداء (كلا إنها كلمةٌ هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون)( 1) ويبين القرآن الكريم لماذا إنها كلمة هو قائلها لأنه إذا عاد فأنه سيعود الى أعماله السابقة وينسى الموت وحساب القبر وظلماته إذ يقول الله سبحانه وتعالى ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون)( 2) .
بين أيدينا الآن فرصة لا تعوض ولا تتكرر بل هي المبتغاة في ازدياد الخير والثواب وتصحيح الأخطاء وفيها العودة الى طريق الله سبحانه وتعالى والعمل الصالح ، فأيام الحجر المنزلي موت بعده عودة ففي هذا الموت علينا محاسبة النفس والتدقيق في عباداتنا وأعمالنا وأفعالنا وعلاقاتنا مع الآخرين ، وتعين وتحديد الخطأ منها حتى نبتعد عنه بعد رفع الحجر ( العودة من الموت) وعلينا ترك كل عمل لا تكن فيه النية خالصة لله لأن بدون هذا الإخلاص فأن نتيجة العمل الخسران المبين لا محال ، وأثناء مراجعة النفس وأعمالها علينا أن نتذكر في هذه المرة يمكن لنا العودة والاستزادة من الخير والثواب ولكن في المرة القادمة هيهات ثم هيهات فكيف حضرنا المواد الغذائية للحجر وكنا قلقين من طول المدة وعدم كفاية هذه المواد فعلينا أن نقلق مما نحضر من ثواب وحسنات الى حجر الموت الدائم فهناك لا عودة ولا انتظار انتهاء المدة ( الحجر) ، فهذه فرصتنا من فعل الخير والقيام بالعمل الصالح والإكثار من الثواب مع الابتعاد عن كل عمل أو قول أو كلمة تبعدنا عن رحمة الله سبحانه وتعالى وتقربنا من الشيطان الرجيم وجنوده ، وليس من السهل أن يحصل الإنسان على فرصة للتفكر أو محاسبة النفس كهذه على الرغم من صعوبتها وقسوتها وحزنها ، فالموفق من لا يضيع هكذا فرصة ويستغلها بالشكل الصحيح الذي من خلاله يتراجع عن الأخطاء والموبقات والانحرافات والأعمال التي يرفضها الشارع المقدس ، حتى يكون لنا القبر (الحجر الدائم) حديقة من الجنان التي يتطلع لرؤيتها والفوز بها كل إنسان عاقل نتيجة ما خَزَّن له من أعمال صالحة وحسنات كثيرة تجعل حياته سعيدة في الدارين .
(1) سورة المؤمنون آية 100(2) سورة الأنعام آية 28