من سمع معي أو قبلي، إن التأريخ يُعيد نفسه؟ نعم التاريخ يعيد ظروفه في كل حين، والحاضر هو اجترار الماضي، وعواقب المستقبل، ولكن المشكلة ليست في التاريخ، ولا يوجد عيبٌ فيه، المشكلة هي في الأشخاص، الذين يعشقون رجال التاريخ، الشخصيات الذي تقلد نماذج الرجال، التي دونها التاريخ في سلبياتهم وايجابياتهم.
شاهِدنا هي قاعة الخلد، القاعة المشؤومة التي استخدمها صدام، لمسرحية كانت أشبه بالخيال والسذاجة عام1979. حين جمع قيادات البعث المنحل فيها، وبدأ عرض مسرحيته الكاذبة، مدعيا بوجود أشخاص خائنين بين صفوفهم، قد تعاونا على الإطاحة بــ”الثورة”. صدام قد قام بتصفية منافسيه على السلطة بحجة الخيانة، حتى بات بما يعرف “مجلس قيادة الثورة” نخبة من المؤيدين أليه فقط.
الآن رحل صدام مقبورا إلى مزبلة التاريخ، وعاشت ذكرياته المؤلمة، وسلوكه الإجرامي، في جروح ضحاياه. ورغم زواله، إلا إن بقاء سلوكه أخطر من بقاءه هو. صدام قد قتل منافسيه بوحشية، وجرم مشهود، وهذا ما كان يعرف به . لكن من يتستر بالديمقراطية وحرية القضاء، اخطر من ذلك بكثير.
الحزب الحاكم في العراق الآن ، بعد مرور خمسة وثلاثون عاما، يعود بنشاط قاعة الخلد في ميدان السياسة، بصورة مغايره بعض الشيء، ويُعيد التاريخ نفسه، بوجوه مختلفة،وضحايا مختلفة، ولسبب واحد هو تصفيه سياسية لمنافسيه من الساحة الرئاسية، وضد الأصوات التي تعالت لفضائحهم وكشق ملفات الفساد.
هذه المؤشرات الخطيرة جدا، تؤذن بموت الديمقراطية في العراق، وتقمع ممارسة الدور الرقابي للجهات المعنية بمهام الرقابة. وبعبارة أخرى هي تصفية المعارضة الداخلية للعملية السياسية، وتحويل السلطة إلى الصوت الواحد فقط، دون رأي مضاد،والمؤشر الأخر هي سخرية القرارات القضائية، وعدم إسنادها لأسباب معينة، بمجرد تقديم شكوى من عنصر قيادي في الحزب الحاكم، تكون بمثابة دليل قاطع على جرمه.أذن السلطة هي القضاء، والقضاء هو بوق السلطة، فلا تتأمل خيرا بقضاء سلطوي، يحكمك في فضاء ديمقراطي.