23 ديسمبر، 2024 7:02 ص

قاسم وصدام ومقتدى‎

قاسم وصدام ومقتدى‎

ثلاثة ملؤوا الدنيا وشغلوا الناس في المشهد العراقي , والثلاثة لهم ما لهم وعليهم ماعليهم من الزين والشين , حيث جذبوا في حياتهم او ما بعدها كثير من الاتباع حتى اصبحوا قدحة النزاع الفكري في حوارات الجلسات الخاصة اضافة الى سوح القتال الفيسبوكي الحاضر .
الضابط عبد الكريم قاسم يقود مع زملاءه ثورة على الملكية في العراق واتباعه يقتلون العائلة الملكية الامنة ويمثلون بجثث من تصل ايديهم اليها , ويكون بعدها الزعيم قاسم المتصدر في مشهد يلتف حوله الفقراء والقادمون من المحافظات الاخرى بعد ان وزع الاراضي عليهم ليستقروا في بغداد حاضره المدن وجميلاتها , عندها يتصادم الاختلاف المجتمعي بين الريف والمدينة لتتناسل منه التناقضات الى يومنا هذا فليس كل من قدم من الريف قد تكيف هو او احفاده مع المدنية واسلوبها , وهكذا خلق قاسم دون الا يدري اتباع على مر الزمان يتنازعون مع مبغضيه الذين ينكرون عليه اندفاعه لبناء عراق صناعي وزراعي ويكمل مشاريع اقرت في زمن الملكية .
الراحل صدام حسين زعيم العراق الجماهيري دون منازع نائبا ومن ثم رئيسا , منذ ثورة 1968 وحتى احتلال العراق 2003 . هذا الرجل اصبح الاختلاف عليه اختلاف حياة او موت , فلن يتجرا احدا في يومنا هذا ان يصدح بصوته حبا وتقديرا حتى كان قريبا من الخطر والاتهام بالبعثية والداعشية والاجرامية. صدام حسين كان يدافع عن العراق بثمن غال (شبابنا) لن يقتنع احد ان الدفاع عن الارض تكون بالحرب او المعارك حيث طغت الحرب السوداء لثماني سنوات قطعت خيرة شباب البلد من الحياة , ليفوز العراق بمباراة الحرب مع ايران . وينتصر الايرانيون بعد سقوط حكمه ويفوزوا بالجمل بما حمل وكأن حياة اولئك الشهداء كانت وسيلة الفوز التاريخي على جار الصراعات الازلي . بينما بنيت خلال حكمه المصانع وارتقت بعهده الزراعة والتعليم وتم القضاء على افة الامية ممهدا لتكوين مجتمع مثالي اثر على صغار العمر ليكبروا وهم يصدحون بحب الوطن دون ان تشوب هذا الحب جراثيم الطائفة او القومية او الاتجاه . لكن لم يسمح لصدام  بمعالجة ما اصاب البلد من حروب وحصار وعداوة اولاد العم من العرب لينتهي حكمه في 2003 تاركا اثرا في نفسيات العراقيين بين من يترحم على زمانه وبين من يلعنه .
لتظهر بعد 2003 وجوه اخرى ومنهم مقتدى الصدر  حامل لواء ابيه المرجع محمد صادق الصدر ليتسيد المشهد ملتفة حوله الملايين التي التفت حول والده في التسعينات , حاول مقتدى بالبدء ان يكون حاملا لشعار كلا كلا امريكا ماسكا سلاح القتال ضد المحتل الامريكي ومتكاتفا مع المقاومة السنية الا ان هذا التكاتف انهار ليتحول بفعل فاعل ! الى حرب طائفية ما يناهز العامين ليقتل الشيعي اخاه السني وهذا يقتل اخاه الشيعي لتزرع وسط العراقيين كراهية الطائفة المقابلة دون ان يفكروا بلحظة ان بينهم الام الشيعيه او السنيه او الاختلاط المذهبي  في العوائل العراقية منذ تاريخ نشوء هذه المذاهب البدعة .
 لكن مقتدى حمل سلاح التبرء من كل من قتل وأجرم بحق العراقيين ويحل جيش المهدي ويسلم اسلحته للحكومة وقتها , ومن ثم يتخذ الركون الى السلم بعد حرب الاخوة التي لا معنى لها ..
 ليصدح صوت مقتدى خلال الاشهر الماضية ضد بكتريا الحرامية والفساد التي عاثت في ارض العراق نهبا واجراما ليتصدر الاخبار ويتبعه الملايين من  المتعبين والفقراء ليخرجوا بقوة, معترضين متظاهرين معتصمين, من اجل الكشف عن من يسرق العراق من الطبقة الحاكمة واحزابها ويحاكم . الا ان تلك الاحزاب ترفض التنازل عن سلطة اتتها من السماء ومن امريكا بغفلة من الزمان , فمن كان بائعا على الارض وجد نفسه في قصور عاجية وثروات فلكية وسلطة وحياة مخملية .. قافزا من الطهارة الى المنارة محسوبا على النضال والمناضلين والمجاهدين ليركل ابناء البلد واحلامهم في العيش الرغيد بجدار الشعارات الرنانة .
اصبح الان مقتدى الصدر الزعيم الشاب الذي لايمكن لاحد في العراق ان يحصل على اعداد الجماهير الخارجة طوع اصبعة واشارته, اسكتوا فيسكتون تقدموا فيتقدمون , عندها نصل الى نتيجة ان مقتدى جذب الجماهير الصدرية واضيف اليه المعارضين لحكومة الفساد من عامة الشعب والمدنيين الاخرين . فلن يكن هناك تيارا يستطيع التغيير والاندفاع والضغط على الحكومة الا المظاهرات الحالية برغم قناعتنا ان التغيير لايجدي مادامت الاحزاب الحاكمة تتسيد السلطة ,الا باسقاط البرلمان وتغيير الدستور ومحاكمة كل من عرفناه من السياسيين الذين اطهرهم ساكت عن الفساد فهو مشارك فيه .
(الجماهير مجنونة بطبيعتها .. فالجماهير التي تصفق بحماسة شديدة لمطربها المفضل او لفريق كرة القدم الذي تؤيده تعيش لحظة هلوسة و جنون .. والجماهير المهتاجة التي تهجم على شخص لكي تذبحه دون ان تتاكد من انه هو المذنب هي مجنونة ايضاً .. فاذا ما احبت الجماهير دينا ما او رجلا ما تبعته حتى الموت كما يفعل اليهود مع نبيهم و المسيحيون المتعصبون وراء رهبانهم والمسلمون وراء شيوخهم .. والجماهير اليوم تحرق ما كانت قد عبدته بالامس و تغير افكارها كما تغير قمصانها) “من كتاب سيكولوجية الجماهير