{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
ولد الشهيد العلاّمة السيد قاسم شبر في النجف العام 1890 ونال وسام الشهادة بعد أن بلغ سن التسعين من عمره الحافل بالعطاء والجهاد؛ إذ انتظم في الدراسة الحوزوية صغيرا، متتلمذا على يد آية الله العظمى السيد أبوالحسن الاصفهاني، الذي وجهه الى “النعمانية” ماكثا فيها أربعين سنة؛ يرشد أهلها ويعلمهم أحكام الشريعة وينشر علوم أهل البيت (عليهم السلام) معبئاً الرأي العام فيها؛ للثورة ضد نظام البعث، حين أقدم الطاغية المقبور صدام حسين، على إعدام الإمام محمد باقر الصدر (ق. س).
إضطلع شبّر بالتكليف الشرعي، في الجهاد، ضد سلطان جائر، بإعتباره مسؤولاً أمام الله، عن موقف مقلديه، من أهل النعمانية؛ إذ ألقى خطباً، هاجم فيها الديكتاتور ونظامه القمعي؛ الذي أوعز الى أجهزته الأمنية باعتقاله.
لم يحترموا كبر سنه، في أقبية التعذيب، طالبين منه التعاون مع النظام، واعلان انتقاده للجمهورية الإسلامية في ايران، فرفض ليحكم عليه بالأعدام.. يلقى ربّه شهيداً.
مثير الآحزان
أكد بموقفه.. فائق البطولة، أن الأيمان ليس أداءً للفرائض السلمية؛ إنما التضحية ثباتا على الحق، فريضة ناقلة لروح المؤمن، من تحت الثرى، الى فوق الثريا.
العلامة قاسم، الابن الثالث للسيد محمد شبّر.. توفّي والده وهو في التاسعة من العمر، فالتحق بالحوزة العلمية، خلال السنة نفسها، سالكا سبيل آبائه العظام، مختزلا المراحل المنهجية، بعقل راجح الاستيعاب، فتميز بين أقرانه، يخطو مسافات كبرى، أثناء مشواره المعرفي الراسخ إيمانا.
آل شبَّر، من أسر العراق العلوية.. العلمية، يتّصل نسبه بالإمام علي بن الحسين.. زين العابدين (عليهما السلام) شديد التعلّق بأجداده.. أهل بيت محمد (ص) وبالذات الإمام الحسين (عليه السلام) يذهب كل ليلة جمعة، إلى كربلاء لزيارة ضريحه.
وُجِد مع كفنه كيس كتب عليه: “هذه المناديل تُنشر على صدري وكتفي في القبر، لأنّني جفَّفت بها الدموع التي جرت على الإمام الحسين.. عليه السلام”.
يقرأ في عاشوراء، قصة مقتل الإمام، من ديوانه الخاص بكتاب “مثير الأحزان” صودرت مؤلفاته، وأحرقت في المكان، أثناء مهاجمة قوات امن نظام صدام لداره فأحرقوا مكتبته النفيسة وسرقوا ما وجد فيها من مخطوطات له ولغيره.
إهتم بالتبليغ الديني ونشر القاعدة الذهبية للإسلام: “الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر” إذ إمتاز بمحاضراته الوعظية المؤثرة، بقوة، على مستمعيه.. مدرسة بعلمه وتواضعه وسمو أخلاقه ومحبته للناس.
تعليم البنات
أسس مركز تعليم البنات في النعمانية ـ وهو مشروع رائد في وقته ـ ثم تعهدت به جمعية الصندوق الخيري للسيد مرتضى العسكري.
نشط ضد مظاهر الفساد، التي تعمدت الحكومات المتعاقبة تشجيعها؛ مستثمرا بلاغة تأثيره النفسي على الوجهاء وشيوخ العشائر، من دون ان يغفل الشباب، لما يتمتع بها من روح شبابية ساحرة.
شجاع لا يخاف، تصدى للأفكار المنحرفة، وأوضح الفكر الإسلامي الناصع ليثبت العقيدة الحقة للمجتمع، محاربا البعثيين، برغم جبروت طغيانهم.
موقفه من تسفير ذوي الاصول الايرانية، مشرف؛ إذ رفض، مطالبا بإقاف تلك الجريمة؛ لكونهم أبناء أصلاء للعراق، فضلا عن جرأته بإرسال برقية تهنئة للإمام الخميني بمناسبة انتصار الثورة الإسلامية، حدد فيها: “إنكم قضيتم على رأس الصهيونية”.
مثل جده
تحركت وفود البيعة للإمام الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) في انتفاضة “رجب 1979” قائدا موكب “أهالي النعمانية” وحتما بلغ ذلك، للنظام، خاصة وانه لم يعن بإخفائه.
اعتقله جلاوزة الأمن المجرمون بطريقة ماكرة، في الثانية من بعد منتصف ليلة الجمعة 15 حزيران 1979، وجرت له محاكمة صورية، قضى فيها المجرم مسلم الجبوري، ناطقا بقرار جاهز سلفا: “حكمتك المحكمة بالإعدام رمياً بالرصاص” فابتسم ساخراً: “ما أجملها من ليلةٍ، كنت أنتظرها طوال عمري، أن أقُتل في سبيل الله على يد أشر خلق الله إنها والله الشهادة وأن أكون مثل جدي الحسين عليه السلام”.
وصلت الخسة بالحكومة الجائرة إلى عدم تسليم جثمانه الطاهر؛ ولم يُعلم في أيِّ مكان دفن، لحد الآن، لكنه متوزع الروح بين الجنة وقلوب محبيه؛ لذا أقام أبناء النعمانية مزارا رمزيا لإحياء ذكراه وإعادة هيكلية داره، الى ما يشبه المتحف، إذ سرقت محتوياتها وبعثرت مكتبته بعد إعدامه، وبيعت إلى احد أذناب البعث.
إشارات
* لقبه الصدر بـ “شيخ شهداء العراق” لكبر سنه.
* تجرأ أحد مدراء الأمن، على البصاق بوجهه، قائلا: “هذه مصائبك ومشاكلك يا سيد قاسم”.
* كسر المجرم فاضل البرّاك يده أثناء التعذيب، ونقل إلى مجزرة الثورة البعثية وهو بهذه الحال.. يعاني ألم كسر لم يجبر.
* أخيرا أقيم في واسط مهرجان تأبيني في الذكرى السنوية لإستشهاده.