(الحلقة الأولى)
يؤكد محللون ومتابعون للشأن الإيراني إن الجنرال قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الايراني الحالي هو من يرسم الان معالم ستراتيجية (إمبراطورية إيران) الجديدة بدعم من اية الله علي خامنئي مرشد ايران ، وهو من يضع لها سيناريوهات تحركها بالتعاون مع محسن رضائي القائد السابق للحرس الثوري الايراني، والذي تسنم منذ فترة اكبر منصب سيادي في إيران وهو رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، الذي كان رفسنجاني، وهو الشخصية الايرانية المثيرة للجدل يتولى هذا المنصب عقب انتهاء فترته الرئاسية لولايتين بين اعوام 1989 – 1997في عهد الخميني، وهو من يشارك كل من سليماني ورضائي رسم معالم تلك الستراتيجية. وترتكز الستراتيجية الجديدة لإعادة أمجاد الإمبراطورية الإيرانية (الفارسية) على المحاور التالية: 1. أن تقود ايران المذهب الشيعي في العالم الاسلامي من خلال تكريس منهجها (ولاية الفقيه) ، لتكون هي المسيطرة على مقدرات وشعوب المنطقة وهي من تمسك بزمام دول المنطقة وشعوبها وترويضها كما تشاء ، لكي تفرض أرادتها عليها وفقا لرغباتها وآمالها في أن تتمكن من السيطرة على (العقل الطائفي الجمعي) لدول المنطقة تحت اطار( المذهب الشيعي)، لقيادته بالاتجاهات التي تخدم اهداف ايران التوسعية في المنطقة. 2. تمتد حدود تلك الامبرطورية الجديدة من ايران الى شرقيها وغربيها وبخاصة من العراق الى سوريا والاردن ولبنان واجزاء من فلسطين، ومن ثم التوغل في مصر وشمالي أفريقيا وعموم القارة الأفريقية وكذلك الآسيوية. 3. ان التشبث بالمذهب واعلان (وصاية) المذهب الشيعي الذي يقوم على مبدأ (ولاية الفقيه) للسيطرة على الدول العربية والاسلامية من وجهة نظر قادة ايران هو الحل والوحيد الذي (يؤمن) السيطرة على عموم الدول الاسلامية حتى بضمنها السعودية ودول الخليج ويضمن لايران تحقيق حلم إستعادة إمبرطوريتها (الفارسية) لكنها تخفيه هذه المرة تحت (الشعار الاسلامي) وهو الوحيد الذي يعيد لها أمجاها القديمة ويحقق حلم قادتها بعودة نفوذهم الامبرطوري الجديد، وان اتخاذهم ( الإسلام) و(المذهب الشيعي) ما هو الا (محاولة) لعودة هذه الامبرطورية وتحقيق حلم حكامها في ان يكون بمقدورهم اخضاع دول المنطقة لمقدراتهم، ومن ثم يأملون أن يظهر في مرحلة لاحقة تيار ضاغط من داخل ايران تحت يدعو لـ العلمانية) يشجع الغرب هذا التوجه منذ فترة ، للخروج من الفلك (الاسلامي) شيئا فشئيا ، بعد ان تكون ايران قد نجحت في التوسع الاقليمي عبر الاطار المذهبي، ولم يعد حينها (المذهب) مهما بقدر تحقيق ستراتيجتها في ان تكون دولة امبراطورية تحت اطار (العصرنة) و(التمدن) ومواكبة (العصر الديمقراطي) بالتناغم مع طموحات الغرب في توجهات من هذا النوع، بل وربما تستغل سخط الشارع الايراني على رجال الدين لاقامة (ثورة مدنية) تضرب بالدولة الدينية عرض الحائط، متى توافرت ظروف النقمة الشعبية الداخلية ضد توجهات من هذا النوع، تحت دعاوى الانصياع للرغبة الشعبية وتناغما مع الرغبة الدولية في أن تنتصر لغة التمدن على لغة استغلال الدين لاغراض طائفية، وبعد ان تستهلك ثورة رجال الدين، وينتهي مفعولها الذي بدأت ملامحه تتسع يوما بعد يوم. 4. تسعى ايران لإشاعة مفهوم (الحماية الاسلامية على مكة المكرمة) لانتزاعها من السعودية، ونقل وصايتها من المملكة الى ايران، وكان هذا الحلم هو مركز تفكيرها منذ حربها مع العراق في أعوام الثمانينات، وتفتعل ايران في اوقات الحج الكثير من الحوادث والأزمات لاحراج السعودية وإشاعة مفهوم انها غير قادرة على حماية المقدسات الاسلامية ، لهذا يقتضي الأمر من وجهة نظرها ان يكون هناك (إشراف إسلامي) على الكعبة والمدينة المنورة تحت ( مبررات) بدأت إيران بالترويج لها منذ فترة ليست بالقصيرة. 5. تبدأ المرحلة الأولى من حدود الامبرطورية الايرانية الحالية لتشمل (ايران والعراق وسوريا) ومن ثم تبدأ بالانتشار في الاردن ولبنان واجزاء من فلسطين, تليها المرحلة الثانية في دول الخليج ومصر وشمالي افريقيا..اما المرحلة الثالثة فتشمل باكستان وافغانستان وعموم القارتين الاسيوية والافريقية، والحاق كل تلك الدول بايران. ويساعد هؤلاء القادة العسكريين في رسم معالم تلك الستراتيجية الشخصية الايرانية المعروفة هاشمي رفسنجاني الذي تولى منصب منصب رئيس البرلمان بين عامي 1980 و1989 ثم شغل بعدها منصب رئيس جمهورية إيران في الفترة من 1989-1997، وهو مستمر في معاونة كل هذه الشخصيات في رسم معالم تلك السياسة، حتى يصفه الغرب بأنه (ثعلب السياسة الإيرانية) لما يمتلكه الرجل من مؤهلات وما لديه من علاقات وطيدة مع شخصيات أمريكية وغربية رفيعة، مكنت إيران من ديمومة علاقاتها مع الولايات المتحدة، في أقسى ظروف (توتر) هذه العلاقة خلال فترة حربها مع العراق في الثمانينات، وفضيحة (إيران غيت) معروفة فصولها في أن إيران حصلت على السلاح الامريكي في فترة تولي هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس الشورى الايراني منتصف الثمانينات ، وكانت تهدف الى مساعدة ايران في الانتصار في حربها ضد العراق، بعد ان عانت قواتها من انتكاسات عسكرية رهيبة ولم يكن بمقدورها التغلب على العراق في تلك الحرب!! تقوم ستراتيجية ايران على مبدأ ان هذه الامبراطورية الفارسية هي من كانت تحكم العالم قبل عهد الإسلام ، وكان العراق احدى مقاطعات هذه الامبراطورية ، وان ملوك ايران هم من كانوا يفرضون سيطرتهم على مقدرات المنطقة ، وكانت هناك امبرطوريتان تتنازعان على سيادة العالم انذاك هما: الامبرطورية الفارسية والامبراطورية الرومانية، وما ان جاء الاسلام حتى أنهى دور الامبراطورية الفارسية، وابقاها داخل نطاقها الايراني وداخل اقليمها وقلص نفوذ الامبراطورية الرومانية ودخل عقر دارها واحتل مدنا ودولا مهمة وصلت الى الأندلس حيث أقام المسلمون العرب دولة فريدة لهم في الاندلس كانت محط اعجاب العالم، أما ايران فقد دخلت الاسلام (عنوة) بعد ان تم ارغامها على اعتناقه وخارج اطار رغبتها، بعد ان تم تقويض امبراطوريتها، وهي حتى الان مايزال لديها أمل بأن تعيد تلك الامبراطورية التي إستلبها منها العرب المسلمون، حتى وان كان بإطار اسلامي!! ولم يكتف القادة العسكريون الايرانيون بأن يكون العراق ضمن احد أهدافهم في استعادة امبراطوريتهم ، حتى وان كان تحت (الغطاء الاسلامي)، لهذا امتد حلم ايران نحو (سوريا ذات النظام العلوي) لتكون امتدادا لتلك الامبرطورية، وبقي حلم بلاد الشام امتدادا من سوريا الى لبنان ثم الاردن وفلسطين ومد فصائل فيها لتكون الحلم القادم الذي يمكن من خلاله ان تعود الامبراطورية الفارسية من جديد، وهذه المرة تحت العباءة الاسلامية، كونها (المبرر) الوحيد الذي بمقدور إيران ان تستغل (التعاطف المذهبي) معها تحت وطأة الجهل والتخلف والانقياد العمى لـ (المذهب الشيعي)، بعد ان وفر قادة ايران الأذرع والاجنحة عبر سنوات الحرب العراقية زعماء من قيادات دينية عراقية ، ليكونوا لهم مؤيدين يحققون لها هذه الستراتيجية وكان لها ما أرادت!! وقبل هذا لابد من الاشارة الى ان كلا من الولايات المتحدة والغرب عموما وعندما رأوا ان شاه ايران محمد رضا بهلوي نهاية السبعينات أراد ان يعيد امجاد ايران الامبراطورية وتوجه لاقامة صرح حضاري كبير في بلاده ، بعد ان قدمت له الولايات المتحدة الكثير من معالم النهوض العسكري والتقني المتقدم لايران لتكون بمواجهة العرب ومحاولة ترويضهم وتخويفهم من محاربة اسرائيل ، الا ان الشاه راح يلعب بذيله انذاك شعورا منه بالعظمة وما وصلت اليه ايران في عهده من قوة عسكرية رهيبة تعد الخامسة في المنطقة وأصبح شرطي الخليج، إضافة لما تمتلكه ايران من مخزونات نفطية ضخمة، كانت مورد أسواق الغرب المهمة في مواجهة تهديدات العرب لها بالحصار وقطع النفط عنها، فوجدت في ثروة ايران النفطية من يعوضها مخرونها في حالة نشوب أي حرب بين العرب واسرائيل ، وحصل الشاه على دعم الغرب في هذا المسعى الا ان الولايات المتحدة والغرب ما ان شعرت ان الشاه توجه لاقامات مفاعلات نووية وسعى للحصول على السلاح النووي ، واتجه الى روسيا وفرنسا للحصول على مبتغاه حتى ثارت ثائرة الولايات المتحدة ضد الشاه، وراحوا يشجعون رجال الدين على الثورة ويؤلبون الشعب الايراني ضد الشاه، على انه دكتاتوري ينبغي إزاحته، كما وجدت في الحكم الديني في ايران بأنه يمكن ان يكون سدا لمواجهة المد الشيوعي القادم من الاتحاد السوفيتي انذاك، وكان للولايات ما ارادت بأن دعمت رجال الدين ومنهم الخميني للثورة ضد الشاه ونجحت عام 1979 بإحداث ثورة ضد الشاه، اضطر الاخير الى الهرب الى مصر، ومن وقتها استطاع رجال الدين اتخاذ شعار (الثورة الاسلامية) طريقا لمنهج حكم ساعدهم الغرب على ولوجه ليكون عنوان المرحلة المقبلة في ايران.(للحديث بقية).