في أولى ساعات العيد .. أمسك نقاله وراح يُهنّئ كلّ من يعرفه من الناس بفرح كبير . فاتصل بأمّه وأبيه ، وتحدّث مع أقربائه وذويه ، وتمنّى الحجّ لأصدقائه ولكلّ من صادفهم خلال حياته في طريق أو زقاق أو منعطف .. وقضى يومه يبارك ويُهنّيء ويدعو بالجنّان للقريب والبعيد.
وكانت تقف بصمت إلى جانبه كشجرة سنديان وارفة ، تحمل له الأسماء والأرقام ، وتساعده في الاتصال.
وبعد ساعات من التعب شعرت بالإعياء واستأذنته وذهبت بهدوء إلى غرفتها .. فدخل هو أيضا واستلقى إلى جانبها ووضع رأسه على الوسادة وقال بارتياح : الحمد لله الذي مكّنني فهنّأت الجميع وتمنيت لهم السعادة.
ثم غطّ في نوم عميق .. كما هي عادته ومن دون مقدمات .. وبدأ يحلم ..
فرأى نفسه يرتدي ثياب عامل الحدائق .. ويغرس الأزهار والرياحين في الشوارع والساحات ، ثم يعود إلى بيته فيراه مليئا بالأشواك والعناكب !!
فيفيق فزِعاً في الحال ، ليرى زوجته تستلقي كأميرة حزينة إلى جانبه وهي تنظر إليه ..
ويتأملها جيدا وكأنه يراها للمرة الأولى .. فيتذكر شريط حياتهما منذ أن اقترنا قبل عشر سنين ، ويشاهد تضحياتها العديدة من أجله وتحمَّلها لفقره وسوء طباعه ، في سنوات زواجهما الأولى ، ويستحضر نبلها وعطاءها في تربية أبنائه ، ثم يتنبّه فجأة إلى أنه تواصل مع الجميع وأمطرهم بكلمات الحب والشوق والتبريك.. ونسي قارورة العطر هذه .. التي كانت ولم تزل تفوح نُبْلاً وعطاءا.. وقد جعلت بيته جنّة على الأرض في شهور .