قد لا تصدقون إني قضيت وقتا في كتابة عنوان هذه المقالة أكثر من كتابة سطورها ، ففي البداية أردت أن اكتب ( كلاب التظاهرات ) ولكني وجدت إننا نظلم الكلاب في نعتها بالسوء لما عرف عنها من وفاء ، ثم كتبت ( حمير التظاهرات ) ولكني أشفقت على الحمير لأنهم يظلمونها أحيانا عندما يحملونها بما يفوق طاقتها ولكنها لم تظلم أحدا في يوم ، ولكي لا نطيل في وصف الكلمات والأفكار فان من نعنيهم هم أولئك السارقون والكافرون الذين يستغلون جراحات البسطاء والفقراء لكي يمتصوا دمائهم ويحولوا حياتهم لبؤس أكثر ، ولهم وسائلهم الخاصة في البقاء بعيدا عن المحاسبة وبمنأى عن نعتهم بأقسى الصفات ، ونقصد منهم الباعة وتجار التجزئة والجملة وفئات أخرى تنتهز أية حالة رخوة لزيادة الأسعار وهي لا تزال في مخازنهم او على الرفوف ومضايقة الناس والإسهام في المبالغة وتضخيم الأمور للحصول على دنانير ربما تنفع في الدنيا ولكنها تتحول إلى وبال عليهم في الآخرة إن شاء الله .
ومن المعلوم للجميع إن هناك موجتين للتظاهرات في اغلب المحافظات ، الأولى في بداية تشرين الأول الماضي والثانية في ال25 من الشهر نفسه وبغض النظر عن حجم التظاهرات وأسبابها وتداعياتها وما ستؤول أليه ، فقد نشأت فئة نترك الحكم لكم لإطلاق ما يستحقونه من تسميات وهم ( بعض ) أصحاب المكاتب المجازة بصرف الرواتب للموظفين والمتقاعدين وذوي الشهداء والرعاية الاجتماعية والمطلقات والأرامل والأيتام وغيرهم ، وهم ينتشرون في كل مكان ومهمتهم بسيطة ولا تحتاج إلى إمكانيات ومعدات ورؤوس أموال ، وغالبا ما يمارسون أعمالهم في صرف الرواتب على سبيل التخصص او إلى جانب أعمالهم الأخرى فقد يكونوا أصحاب مكاتب او شركات او دكاكين للصيرفة او في الأسواق او الأكشاك والدكاكين ، فكل ما يحتاجوه هو جهاز صغير بحجم الهاتف وخط للانترنيت ويتم اعتمادهم من قبل الشركات لغرض الصرف ، وما يقومون به هو صرف الرواتب للمستحقين والتي من خلالها يتدبرون أمور الحياة ويتقاضون عمولة تذكر في كل حالة صرف ويقومون بتعويض ما صرفوه من خلال المصارف التي تزودهم بمبالغ نقدية تعويضية بالفئات المتداولة في الأسواق ، بمعنى إنهم حلقة وصل بين المستحق والمصرف لقاء عمولات محددة والهدف من وجودهم تخفيف الأعباء على المتقاعدين وتسهيل مهمة المصارف لتقليل الانتظار والازدحام .
وتدعي الجهات المسؤولة عن إدارة هذه المكاتب وهي شركات عالمية تعمل بموافقة البنك المركزي العراقي وبالتنسيق مع هيئة التقاعد الوطنية ، إن العمولات التي تستقطع من المتقاعدين هي ضمن الحدود المعقولة وبما لا يرهق كاهل المتقاعدين وهي معلومة وتظهر في الشريط الالكتروني عند القيام بعمليات الصرف ، وقد قالوا إنها 3 في الألف أي ثلاثة الآلاف دينار لكل مليون دينار والمتقاعد مخير بين أن يستفيد من خدمات تلك المكاتب او الاستلام من فروع المصارف المخولة بالصرف ، ولان هناك الكثير من الرواتب التقاعدية تقل عن المليون دينار فقد عدها البعض بأنها مبالغ ملائمة لأنها تقدم ميزة الصرف السريع وكلفتها ربما تعادل كلفة أجور النقل لاستلام الراتب من اقرب فرع من فروع المصارف المعتمدة لصرف الرواتب التقاعدية ، ولكن التعامل مع بعض هذه المكاتب لم يخلو من المضايقات في الأشهر والسنين السابقة فمرة يصرفون الرواتب بالدولار ويتقاضون مبالغ عن تحويل الدولار إلى الدينار ومرة يتلاعبون بفئات العملات حيث يدفعون بفئات صغيرة كان تكون الألف دينار او أجزاءه وبأوراق شبه تالفة مما يضطر ( المستلمون ) باستبدالها لقاء مبالغ يتم الاتفاق عليها بحيث تتحول العمولة من 3 في الألف إلى الضعف او أكثر وحسب ( ضمير) واجتهاد صاحب مكتب الصرف ، ومما يقوي هذه المكاتب في إجبار المواطنين لولوجها هو قيام هيئة التقاعد باختيار نهاية دوام الخميس لبعض الأشهر، كموعد لإطلاق الرواتب فيستسهل المواطن المكاتب لتسريع الصرف لان المصارف في إجازة نهاية الأسبوع والكي كارد لا يتبع الصرف الآلي ، كما إن المصارف غالبا ما تكون طاردة لاستلام رواتب المتقاعدين لكثرة الازدحامات والبيروقراطية والتعالي في التعامل مع المتقاعدين .
لقد تعود المتقاعدون ( ومنهم إكراها ) على التعامل مع تلك المكاتب ، ولكن ما حصل خلال أيام التظاهرات حالتين ، الأولى هي قطع خدمة الانترنيت من الجهات الحكومية لأسباب تبررها للظروف الأمنية ، وثانيها هي انقطاع التمويل النقدي عن المصارف او تقنينه إلى مستويات ( آمنة ) خوفا من تعرض المصارف لاعتداءات وسرقات تحت غطاء انتشار التظاهرات رغم إن المتظاهرين شعارهم حماية المؤسسات والمال العام والخاص ، وقد قامت بعض فروع المصارف بالاعتماد على الإيداعات في تغطية المسحوبات والمدفوعات ونظرا لعدم انتظام المعادلة في الكثير من الاحيان ، فان المتقاعد يدفع ضريبة ذلك أما بالانتظار ليوم كامل في المصرف ولحين توفر السيولة دون نتيجة أحيانا ، او الإذعان لشروط المكاتب الخاصة التي رفعت عمولاتها إلى 5 في الألف ثم زادتها إلى 7 وتحولت إلى 10 مع مراعاة انتقاء الزبائن لكي لا يفتضح الأمر ، وقد بلغت ذروة ( النذالة ) في استغلال المتقاعدين وفرض عمولات مذعنة جدا ابتداءا من اليوم الذي شهد الاحتكاك بين القوات الأمنية والمتظاهرين قرب بناية البنك المركزي وخزينة مصرف الرافدين في شارع الرشيد ، حيث أخذت المكاتب بفرض شروط كيفية ما انزل الله بها من سلطان حيث وصلت لنسب مبالغ بها وعلى العلن ودون أي خوف او حياء ، وبما يظهر بان هذا المكاتب لا تخضع إلى مراقبة جهة محددة بشكل حازم قادرة على متابعة الأمور و معالجة الانحرافات والمحاسبة على المخالفات ، ووسط هذه الفوضى تنشر تصريحات من مصرفي الرافدين والرشيد بطمأنة الجمهور بتوفر السيولة الكاملة لتغطية المسحوب وهو كلام عار عن الصحة في اغلب الاحيان .
وفي حوار مع بعض المكاتب حول أسباب رفع العمولات في الازمات قالوا إن السبب لا يعود إليهم بشكل كلي وإنما إلى فروع المصارف التي يعشعش فيها مجموعة من الفاسدين لأنهم لا ينجزون إجراءات تعويض السيولة النقدية إلا عند دفع مبالغ لهم ، وحسب ما يدعوه فالوكيل كلما يدفع أكثر فانه سيحظى بأفضلية في الصرف السريع دون انتظار او اعتذار كما يعطون له الخيار في الحصول على الفئات النقدية ( من الخشنات والناعمات ) ، مما يدل بان إدخال التقنيات التي تفيد المواطن غالبا ما تصطدم بتوجهات الفاسدين رغم إنهم موظفين حكوميين ويتقاضون أكثر من 12 راتب في السنة الواحدة ، وكان من دواعي استغرابنا ما ذكروه هؤلاء إن هذه المخالفات لا تتم بمعزل عن إدارة الفروع فبعضها تغض النظر عنها او إنها شريكة بها لما تدره من أموال السحت كل شهر ، ويعني ذلك إن الازمات والظروف التي يمر بها الناس او الوطن ينتج عنها تكون قاذورات تنهش بأجساد شرائح من الجمهور اغلبهم من الفقراء والمحتاجين ، وينطبق نفس الوصف على ماكينات الدفع الآلي المنتشرة في بعض الأماكن ومنها المولات فهي لا تغذى بالنقد بشكل كافي مما يجعلها عاجزة عن تلبية الطلبات واللجوء إلى المكاتب او فروع الصارف ، وكل هذه الأمور كان ولا يزال بالإمكان معالجتها من خلال إحكام الرقابة من قبل الجهات المعنية بشرط إن لا يكون المراقبون طرفا في الفساد ، كما إن ذلك ممكنا من خلال تطوير ملاكات وأبنية وطرق تعامل فروع المصارف الحكومية والأهلية التي لا تزال بعيدة كل البعد عن ثقة المواطنين ، فمن يستغل ظروف التظاهرات ( مثلا ) في ابتزاز الناس وإحداث حالة من القلق وعدم الرضا اقل ما نقول عنهم إنهم ( قاذورات ) يستحقون المساءلة والمحاسبة الجنائية لأنهم لا يرتكبون مخالفات إدارية وإنما تجاوزات توصلهم إلى السجن لأكثر من خمس سنوات بموجب قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 بمواد وردت فيه تتعلق بالابتزاز او الرشوة او خيانة الأمانة او استغلال الموقع الوظيفي لغايات دنيئة وغيرها من الحالات .