منذ أن بذرت البذرة الأولى لنبتتة الشيوعية في العراق في مطلع العشرينيات من القرن الماضي ، وهنا ليس بصدد التأثيرات الخارجية أو الدوافع الذاتية أو العوامل الطبيعية بنمو تلك النبتة على أرض العراق الواسعة الطيبة والخصبة , هنا يعنيني القادة الشيوعيين ، الذين تعاقبوا على سكرتارية قيادة الحزب الشيوعي بمراحل تاريخية مختلفة ومهمة . في يوم ٣١ آذار ١٩٣٤ انعقد في بغداد إجتماع تأسيسي حضره شيوعيون من مختلف أنحاء البلد . وأعلنوا توحيد صفوفهم في تنظيم مركزي واحد باسم ( لجنة مكافحة الاستعمار والأستثمار ) وانتخبت أول لجنة مركزية , وأصبح عاصم فليح أول سكرتير للحزب . ، بعد أن سبقتها حلقات ماركسية على يد ثلة من الأدباء والمثقفين العراقيين ( حسين الرحال .. أمنه الرحال .. محمود أحمد السيد ، عوني بكر صدقي ، عبدالله جدوع ) ، أقدم هؤلاء الرواد الأوائل باصدار مجلة ( الصحيفة ) تصدر مرتين في الشهر تتصدر قضايا البلد العامة والتطورات الحاصلة به تأثراً بسياسة السوفيت ودوي سمعة ثورة أكتوبر ، ثم تغير اسم الحزب فيما بعد إلى الحزب الشيوعي العراقي بقرار أتخذته اللجنة المركزية العام ١٩٣٥ .
عاصم فليح … ولد في بغداد ومات بها عام ١٩٧٥ , رحل بهدوء تام ويأس قاتل وحتى بدون ذكر ولا كلمة نعي بسيطة بأقصوصة ورق عن سيرته النضالية وقيادته لتنظيمات الحزب الشيوعي العراقي لفترة زمنية صعبة في تاريخ العراق السياسي ، أمتدت من أول إجتماع عام للشيوعيين ٣١ آذار ١٩٣٤الى العام ١٩٤١تولى بها يوسف سلمان يوسف ( فهد ) قيادة تنظيمات الحزب بعد أن عاد من موسكو ( جامعة كادحي الشرق الشيوعية ) حول أسس التنظيم الحزبي وبناء المنظمات الثورية .
يوسف سلمان يوسف … ولد في قرية برطلة العام ١٩٠١ لعائلة مسيحية سريانية في محافظة نينوى ، وعندما بلغ السابعة من عمر أنتقل مع عائلته الى محافظة البصرة طلباً للعمل ونشأ بها ، وباكورة عمله السياسي أنطلقت من محافظة الناصرية , عندما كان يعمل في معمل ثلج تابع لاخيه ومن خلال أطلاعه على ظروف الناس الصعبة ومعاناة العمال وحقوقهم نمى الوعي عنده مبكراً ، فوجد طريق الشيوعية خلاصاً لمعاناة هؤلاء البشر .
أعتقل العام ١٩٤٧ وأعدم في ١٤ شباط ١٩٤٩ في بغداد وبأشراف السفير البريطاني في العراق ، قاد التنظيم الحزبي عبر منافذ أسوار السجن من خلال الرسائل والبيانات المهربة من السجن الى رفاقه في قيادة التنظيمات . في لجة هذا النشاط السياسي والحراك الثوري تولى قيادة الحزب في الخارج يهودا صديق عكس رغبات فهد في السجن ، كان يطمح أن يكون مالك سيف زعيماً للحزب عبر رسالة حزبية هربها من السجن الى التنظيمات الحزبية تضمنت توصية حزبية واضحة حول تشكيلات التنظيم ، فقام الرفيق يهودا صديق بخفي الرسالة طمعاً بقيادة تنظيمات الحزب وتولي المسؤولية الاولى ولم يسلمها الى التنظيم ولاحتى الى مالك سيف نفسه ليخبره برغبة فهد بقيادة التنظيم ، والذي كان يقود تنظيمات البصرة .
وفي ظروف وزمان أعتقال فهد لم يكن هناك في بغداد قيادياً في الحزب نجا من الاعتقال الا يهودا صديق المولود في بغداد العام ١٩٢٠ ترجع أصوله الى عائلة يهودية ، وهو أحد أعضاء اللجنة المركزية , الذي أنتخب في المؤتمر الاول الذي عقد في بيته بجانب الكرخ .
يهودا صديق أنتمى للحزب الشيوعي العراقي بعد أحداث مايس ١٩٤١ وما تركته تلك ألاحداث من مواقف سياسية ووطنية على تداعيات الشارع العراقي . وفي لجة النشاط الوطني المتصاعد شخص وعبر وشاية من أحد الرفاق ، مما أضطره أن يختفي عن الانظار , وذهب الى مدينة ( شقلاوة ) , وسلم مفاتيح التنظيم الى أخيه ( حزقيال صديق ) ، وهو ليس بموقع لجنة مركزية ولا يملك مؤهلات قائد وكادر قيادي .
في عام ١٩٤٨ بعد أن باع نفسه الشيوعي عبد الوهاب عبد الرزاق كمخبر سري للشرطة قادهم الى الوكر الحزبي في محلة ( الهيتاويين ) وتم ألقاء القبض على قادة الحزب المختبئين مالك سيف ويهودا صديق ، وضعفوا في التحقيق وتعاونوا مع أجهزة الشرطة السرية في كشف محطات التنظيم في عموم العراق مما أعيد محاكمة قادة الحزب فهد وحازم وصارم ، وحكموا بالاعدام . في غمرة تلك الاحداث وما تعرض له التنظيم من أنتكاسات كبيرة برز شاب ثوري في تصدر تنظيمات الحزب ( ساسون شلومو دلال ) وعمره ٢٠ عاماً وهو من يهود العراق . وتبنى سياسة شديدة جداً تجاه النظام السياسي القائم , مما أثار غضب السلطات تجاه الشيوعيين في الملاحقة والاعتقال ولم ينجوا منها الشاب الشيوعي الثوري المتحمس في النضال تجاه قبضة السلطة ، كان من المعجبين بشخصية فهد ومواجهته للموت من أجل الشيوعية . أعتقل وواجهه الموت بشجاعة متناهية .
فكتب رسالة الى أخيه ليلة أعدامه قائلاً فيها ….
رسالة ساسون دلال الى اخيه ليلة اعدامه :
” أخي العزيز
أنها أمسية ساحرة. الريح تهب باطراد طوال اليوم لكنها هدأت بحلول الظلام فلا ضجة في الهواء. يبدو أن العالم نام بسرعة. انا لا استطيع النوم ومن الصعب النوم مع معرفة انني سأموت فجر الغد . منذ أن تم اعتقالي من وقت طويل ، وأنا أريد أن أكتب إليكم. لم أكن متأكدا مما سأقوله. كنت مرتبكا وخائفا. لم أكن متأكدا ان كنت ستتعاطف مع نشاطاتي وافكاري ، الأفكار التي يمكن فقط ان تثبت انها صالحة عندما تكون حياتنا في أمس الحاجة إليها. لم أكن متأكدا أن الحياة الأكاديمية التي عشتها انت في أمريكا من شأنها أن تجعلك ترى بموضوعية عدالة وصحة قضيتنا. الليلة مع علمي أن غدا سيكون الفجرالمقبل هو ليلتي الابدية قررت ان أكتب إليكم عن الأفكار والآراء التي تعج في ذهني الآن لقد اخذت موجة من الرعب البلاد والالاف من الناس يجري اعتقالهم ويتعرضون للتعذيب ويتم واعدامهم ،. أنا لست الوحيد الذي سأموت غدا هناك عشرة آخرين معي .
بعد أعدام ساسون دلال تولى قيادة الحزب حميد عثمان ، الذي كان مسؤول تنظيمات مدينة سليمانية ، ولم تدوم قيادته لحزب الشيوعيين الا ثلاثة شهور ، حيث تعرض للاعتقال عبر الاندساسات داخل صفوف التنظيمات الحزبية . ألتحق الشاب القروي بهاء الدين نوري أبن رجل الدين ذو الشأن الاجتماعي والعشائري والديني وسط أبناء قريته ( التكية ) على تلال مدينة قرداغ الى بغداد ليصبح السكرتير الأول للحزب الشيوعي . وقد زرت تلك القرية في نهاية ١٩٨٧ عندما كنت مقاتلاً في الجبل حلت ضيفاً على بهاء الدين نوري ( أبو سلام ) رغم الحذر الحزبي من الاتصال به ، ووقفت على سفح تلك القرية اتأمل ( قرية على سفح جيل ) ، وقصة الشاب بهاء أبن تلك القرية البائسة المتخلفة وقدرته في أدارة قيادة الشيوعيين في العاصمة بغداد . بعد ثلاثة أعوام من العواصف السياسية والقرارات الحزبية والتي أمتازت نوع عما بالفردية والتسلط أعتقل في بيت حزبي مع عدة رفاق وأعترف بانتمائه الشيوعي وحكم عليه يالسجن . تولى بعده كريم أحمد قيادة التنظيم قادماً من مدينة أربيل وبعد فترة زمنية هرب من سجن بعقوبة حميد عثمان بمساعدة التنظيم وفرض نفسه سكرتيراً للحزب وأعطى الاولويه له بمعاونة عدد من الرفاق مما أربك وضع الحزب التنظيمي والسياسي وسادت حالات تشظي أنتهت بقيادة أحمد حسين الرضي ( سلام عادل ) سكرتيراً للحزب العام ١٩٥٥ .
قاد تنظيمات الحزب الى أخر يوم من أستشهاده بعد أن أعتقل من قبل أنقلابي ٨ شباط ١٩٦٣ يوم ١٩ شباط وأستشهد يوم ٢٣ شباط ١٩٦٣ .
أن أهم مايميز قيادة سلام عادل للحزب الشيوعي العراقي هو إيمانه بوحدة الشيوعيين يضاف الى إستشهاده البطولي . تسلم سلام عادل قيادة الحزب في حزيران ١٩٥٥ بعد أن عزل من قيادته السكرتير السابق حميد عثمان وهروبه الى كردستان وأنضمامه الى الحزب الكردستاني . بعد أن أخذ الشهيد سلام عادل على عاتقة مهمة جمع ولم شمل رفاق الحزب حين قال ( عزل أي رفيق من الحزب بمثابة قلع شعرة من عيوني ) , وعلى هذا الأساس تحرك وعمل من آجل وحدة الشيوعيين على مباديء الحوار والرأي المختلف والحرص المتبادل أنطلاقاً من جماهيرته الواسعة داخل تنظيمات الحزب لدوره الوطني والتنظيمي المشهود له قبل تسلم قيادته لتنظيمات الحزب وتحديه الشجاع لاساليب السلطة وسجونها .
ومن أهم المفاصل الحزبية التي واجهته في بداية تسلمه قيادة الحزب وحسب ما ذكر الدكتور عبد الحسين شعبان في كتابه حول سلام عادل موضوعة الانشقاقات وفي مقدمتها ( راية الشغيلة ) , والتي تبناها عزيز محمد , جمال الحيدري , نافع يونس , وقد وصفتها جريدة القاعدة في حينها بأنها زمرة بلاطية ( نسبة الى البلاط الملكي ) , وإنها انحطت في المستنقع والقاذورات اليمينية , متهمة إياها بالانتهازية وغالباً ما تصدر مثل هذه الاتهامات في المنعطفات التي تشهد انقسامات وصراعات داخل الحزب , لكنه سرعان ما يطويها الزمن بفعل بعض التسويات والاتفاقات .
أما ’’ منظمة وحدة الشيوعيين ” فكانت برئاسة عزيز شريف وعبد الرحيم شريف التي أسهم عامر عبدالله بحكم صلته الوطيده معهما في إقناعهما بحل المنظمة والالتحاق بالحزب . كما أنضمت كتلة داود الصائغ ( رابطة الشيوعيين ) لاحقاً الى صفوف الحزب . ويمكنني القول هنا الاشادة بدينامكية وقدرة المناضل سلام عادل في أستيعاب الصراعات الحزبية والأراء المختلفة وأحتوائها لمصلحة الحزب والوطن . كان لجماعة داود الصائغ وجريدته المبدأ خط سياسي ضد سياسة الحزب بل النيل من قدرات الحزب وتهميش دوره في عملية التغير , فبعث مجموعة من الشيوعيين في العمل في جريدة المبدأ كمحررين وصحفيين وعاملين ضمن الجهاز الحزبي بأتجاه أدارة الوضع السياسي نحو وحدة الشيوعيين , وهذا فعلاً ما تحقق لاحقاً .
تركت مجزرة شباط تداعيات خطيرة على مسيرة الحزب وبنائه التنظيمي وأربكت وضعه السياسي من هول الضربة الماحقة التي أطاحت بأغلبية تنظيمات وكوادر الحزب ، حيث تحطمت بالكامل في العاصمة بغداد وظلت تنظيمات وتجمعات ضعيفة في أقيلم كردستان ومنطقة الفرات الاوسط ومقطوعة عن المركز لفترة ليس قليلة . وبقيت تنظيمات الحزب بدون قيادة ومركز وسكرتير الى العام ١٩٦٤ ، عندما بدأ الوضع السياسي في العراق بتجه نحو الهدوء والتفاهم مع الطرف الأخر في السلطة . رشح لقيادة الحزب شخصان نجا من الاعتقال والموت عزيز محمد وعبد السلام الناصري ( أنور مصطفى ) ، ورغم أن الأول رفض ترشيحه أدراكاً منه بضعف أمكانياته الفكرية ومؤهلاته القيادية , لكن كانت ورقته هي الراجحة لرغبة سوفتية تماشياً مع الوضع السياسي العالمي نحو المساومات وبما يمتاز به عزيز محمد من تسووية وتوفيقية وأرضاء الخواطر على مصالح المباديء والعمل الثوري ، فاصبح عزيز محمد سكرتير للحزب من العام ١٩٦٤ الى أيام المؤتمر الخامس ١٩٩٣ ، حقبة تاريخية مهمة تعرض خلالها الحزب الى ردة فكرية ووطنية وضعف في مواجهة الانعطافات كحزب ثوري .
في المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي العراقي العام ١٩٩٣ أصبح حميد مجيد موسى سكرتيراً للجنة المركزية للحزب وفي فترة عصيبة من تاريخ العراق وتهديد كيانه أي نسفه من خلال جريمة الحصار والأطاحة به مرحلة يتوجب على الوطنيين بها دراستها وأستخلاص دروسها .
في المؤتمر العاشر في العاصمة بغداد العام ٢٠١٦ ترأس رائد فهمي سكرتارية اللجنة المركزية للحزب فدشن تاريخه بسابقه خطيرة من التحالفات الخطيرة مع قوى مظلمة وطائفية وخطيرة في تاريخ العراق السياسي الحديث وأدخله في نفق مظلم .