المالكي وقادة حزبه بالذات وعموم قادة الاسلام السياسي سواء من التحالف الوطني بالتحديد او غيره، ما ان يتحدثوا عن مواقفهم السياسية او التنفيذية الا واشاروا الى المسؤولية الشرعية او الفقهية لموقفهم. هذه اللازمة المتكررة والمقرفة، تسعى لتجهيل السامع وشل قدرته على التفكير، باعتبار ان الامر حسم شرعا قبل كل شيء، وربما ينطبق عليهم ما ورد في سورة الحج، اية 46 ( فأنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور). لكن قلما سمعنا في ذات الوقت او لاحقا ما هو الموقف الشرعي ومن اتخذه. هل هي قيادة حزب الدعوة في اجتماعاتها او قيادة هذه الجهة السياسية الدينية او هناك مفتي خاص او جهة افتاء في هذا الحزب او غيره ومن هم وماهي درجاتهم الشرعية وهل يجوز لهم الافتاء، او ان الموقف الشرعي تم تحديده من قبل السيد السيستاني او خامنئي او جهة اخرى، واذا وجد موقف شرعي معارض لهذا الامر، فكيف سيحسم الامر شرعا وواقعاً. اسئلة عديدة ومتفرعة لم اجد لها جواب ، ولكن تبقى عبارة جواز الموقف شرعاً ( تنطق دائما بالطريقة الايرانية وخاصة الحرف الاخير ) او عدم جوازه، عائمة في خطاب الاسلام السياسي الشيعي. العملية في جوهرها بكل بساطة هي هرس السياسية بالدين، كي تخرج هذه القوى بمواقف تخدم سياستها التي لم تظهر الايام منذ 2003 انها كانت تسير الى جانب الشعب العراقي.
امارة المتغلب او الجَمعة لمن غلب تعني اذا سيطر الحاكم على الامارة او السلطة بقوة السيف والارهاب والاحتيال وغيرها من الاساليب المكروهة، وجب اطاعته والتسليم له ويمكن امامة الصلاة وغيرها من امور قيادة المسلمين. هذا المبدأ معمول به عند الكثير من علماء السنة وبالذات الاشعرية. هو يمثل حاليا موقف السلفية السنية التي اشتهرت بمواقفها المساندة والمتخاذلة مع ولاة الامر والحكومات المعادية لمصالح شعوبها ولها تبريراتها في هذا الامر المستندة الى التاريخ والفقه. الشيعة وفرقها لا تقر هذا المبدأ، والا لكانت امامة معاوية او العباسيين جائزة. الشيعة من الاسماعيلة او الزيدية وغيرهم من فرق الشيعة الاخرى، خاضت بحوراً من الدماء في نضالها السياسي من اجل السلطة ولم تقر امامة المتغلب وخرجت على السلطان واقامة الامارات والدول المتعددة. الشيعة الامامية الاثنى عشرية كان لها موقف سلبي من السلطة ولم تخض نضالا سياسيا ولم تسعَ يوماً الى السلطة السياسية واتخذت من انتظار المهدي المنتظر نظرية وطريقا لها ومن التقية ستاراً لها، عملا بما روي عن الصادق قوله لاحد اصحابه ( إذا حدَثت عنا الحديثَ فاشتهرت به فأنكِرْه ). رغم تفرغ ائمتهم لقضايا الفقه الا انهم لم يدعوا الى الحكام، ولم يقوموا كذلك بتكفيرهم ولم يدعوا لشق عصا الطاعة والثورة عليهم وتجنبوا هذا الامر نهائيا. انهم في الغالب لم يقروا شرعية السلطة واعتبروها ولاية مغتصبة وان الحق فيهم ولو في حدود اصحابهم وثقاتهم، متقون شر هذا الامر.
اليوم يعرف الكل ان دولة القانون حصلت على اعلى الاصوات في الانتخابات عن طريق التزوير وشراء الذمم والكذب والتدليس على الناخبين. وقام رئيس الوزراء المنتهي الصلاحية بتجريد القضاء من استقلاليته وضمه تحت سلطاته وينطبق هذا الامر على المفوضية العليا للانتخابات وغيرها مما هو معروف. الامر الذي اعاق ويعيق اللجوء الى جهة مستقلة محايدة تكشف صحة الاتهامات التي وجهت للمالكي وقائمته ولا يعني هذا الامر ان القوائم الاخرى المتنفذة كانت اقل فساداً من دولة القانون في هذا الجانب. هذا الامر في الدولة الحديثة يمكن حله من خلال القضاء الذي يحكم بصورة ايجابية او سلبية حسب الظروف وتوفر الادلة ومدى تطور الدولة المدنية وغيرها من العوامل المؤثرة في هذا الامر، ولا يصدع الساسة رؤوس الناس بالبحث عن الموقف الشرعي سواء بسلامة الانتخابات او جواز تزويرها.
احزاب الاسلام السياسي السني لن تواجه مشكلة في هذا الامر، فلها خزين وافر في تراثها الفقهي في هذا الامر، وستجد ما برر موقفها وسكوت فقهائهم عن امارة المتغلب وتأييدها، لكن المتحدثين باسم الدين والاسلام السياسي الشيعي كيف يستطيعون تفسير ذلك شرعاً، وكيف يتم الاقرار به، وكيف يوكل امر الحكومة وتشكيلها للقوى جاءت بطرق اقل ما يقال عنها أنها غير نزيهة. اذا كان الامر هو درء لمفسدة بمفسدة اقل ضرراً فلماذا هذا الهوس بسلطة التاريخ المضطرب وسلطة الموتى من السقيفة الى سلطة الامويين والعباسيين؟. الموقف الشرعي لا يتطابق مع الموقف السياسي، بل على العكس يحمي سلطة طائفية، لصوصية، دموية ولا وطنية، فمتى يتعب هؤلاء الساسة من كذبهم ونفاقهم ومتى يمل هذا الشعب صمته وخنوعه وينزع عنه سلطة الموتى والسراديب المظلمة والتاريخ الاسود.