22 نوفمبر، 2024 11:11 م
Search
Close this search box.

قادة الأستفتاء : عبق العراق يأبى زواله .. فأعلوا كما تعلوا جباله !

قادة الأستفتاء : عبق العراق يأبى زواله .. فأعلوا كما تعلوا جباله !

إن أستكمال أي عمل يرتبط بالكفاح والنضال لأي قضية في العالم الإسلامي , يجب أن يخضع لفلسفة الدين أولا والأخلاق ثانيا . ومن أجل تحقيق الأهداف السامية , تلجأ قوى التحرر المؤمنة بالله الى مزج فلسفة الدين مع الأخلاق لترقى الى أهدافها المشروعة في إطار الحب والعدالة وكسب الشركاء الآخرين ( العملية السياسية في العراق إنموذجآ ) لكي تُفهم منطلقاتهم المشروعة نحو حقوق أكثر من خلال ممارسة الإدارة الذاتية لمناطقهم من دون الإصطدام بمبدأ الحقوق المشتركة التي تقود الى دون تحقيق تلك الأهداف .
ففي قضية الأستفتاء الذي جرى في 25 أيلول , تبين إنه لم يأت متربعا على خطوات كفلت له النجاح , بل جرى إستكمالا لخطوات لم تكفل له ذلك , إذ أن الخطوات السياسية التي تعامل بها قادة الأستفتاء تقترب من طريقة التعامل بالسلع في السوق والتي يمارسها النشطاء من اهل التجارة , أما القوى المناضلة لا تتبع هذا الأسلوب الرخيص في التعامل لأنهم يستلهمون خطواتهم السياسية من صدق القضية والإيمان بالحلم الذي يرتكز على إمتلاك الأطر الخاصة بتحقيقة وهي : أولا , فصل القيادة عن كل مايرتبط بالمصلحة الشخصية والإنفراد بالمبادرات السياسية التي لا تقترن بالمبادئ التي ذكرناها . ثانيا , نبذ الإعتماد على قوى معادية للشركاء لتلقي الدعم والمشورة السياسية في العنوانات الكبيرة الخاصة بوجود الحركة ككيان على الأرض والمجازفة بتبني الأفكار التي لا تنسجم مع عقلية الحركة من الناحية الجدلية لأن في ذلك إستفزاز واضح وتحدي بالغ الخطورة للشركاء وتدل أيضا على تفاهة الحلم وضحالة فكر الحركة وزيفها , ويعتبر هذا العامل من ناحية أخرى بمثابة الوقوف بالحركة على حافة الهاوية . ثالثآ , الأبتعاد عن العمل بمنطق الكسب والفائدة وتجميع المكتسبات للوصول الى تحقيق الحلم بطريقة الصفقات السياسية وخلق الأزمات وتضخيم المشاكل الأقتصادية لخلق انقسامات داخل العملية السياسية وبين الشركاء للوصول الى القطيعة واللعب بأوراقها كوسيلة ضاغطة لكسب المزيد من المكتسبات ومن دون الأعتراف حتى بهذه المكتسبات في حالة كسبها أمام جماهيرهم والعمل بمبدأ : ” كفوا الأذى عنا لنؤذيكم ” . رابعا , العمل بأتجاه واحد وهو تحقيق الحلم المنشود بمنطق الهيمنة وخاصة في قطاع الأقتصاد والعامل الجيوسياسي . ففي الجانب الأقتصادي لايجوز الأستحواذ على مصادر الثروة بشكل منفرد في الدولة الواحدة أو التجاوز على الأراضي التي تخضع للإدارة التوافقية المشتركة . خامسآ , الأبتعاد عن الغطرسة ونبش الماضي والتعامل مع الشركاء بخطاب الكراهية المبطن والنظر اليهم كأعداء قدماء ما يجسد النظرة الشوفينية ,بل العمل بمبدأ الإحسان والأنصاف لبلوغ الشرف النبيل للهدف , إذ لاقيمة للهدف الذي يتم بلا إنصاف أو إحسان مهما عظمت أعمدة بنائه . سادسا , بناء الثقة بين المكونات السياسية . تقول الحكمة الصينية , يجب على كل حركة شعبية أن تحقق ثلاثة أركان لنجاحها , أولا, تأمين السلاح للدفاع عن نفسها , ثانيا , توفير الحياة الحرة الكريمة للشعب , وثالثا , بناء الثقة بينها وبين الخصوم لكي تبقى الحركة محترمة أمام الجميع . ويمكن أن يستغنى عن النقطة الأولى والثانية ولكن لايمكن أن يستغنى عن النقطة الثالثة وهي الثقة بتاتا , لأن في إنعدامها لابقاء لأي حركة أو حتى لأي شعب على وجه الأرض .
لم يطبق سياسيو الأستفتاء أي من هذه العوامل الآنفة الذكر , بل مارسوا خلافها جميعا ومن دون أستثناء ومازالوا يتبعون البعض منها بعد فشل الدعوة للإنفصال .
أن من أهم العوامل التي أفشلت الدعوة الى الإنفصال هو الدعم الصهيوني لقادة الأستفتاء نظرا للتعارض الحضاري والمبدأي والديني للشعب العراقي ودول الجوار لذلك الدعم , وكان قادة الأستفتاء يراهنون على هذا الدعم إلا أنهم لم يحسنوا الأختيار ومن دون أن يجعلوا مبدأ : ” أحسن الى الناس تستعبد قلوبهم ” خارطة طريق لهم ما جعلهم في وضع بائس ووحيد وأصرّوا على ذلك وبقوا على تواصل مع الصهيونية ورفع أعلامهم في أراضي العراق الشمالية من دون إدانه أو شجب لذلك , ولم يجدوا بديلا عن هذا الدعم , لأنهم كانوا على عُجالة من أمرهم وغرّهم الفريق الأستشاري المكون من زلماي خليل وبرنارد هنري ليفي وهما من الفاشلين في معرفة طبيعة النفسية العراقية المحبة للزعامة في كل مكان في الحياة ولا ترغب من أي أحد أن يجرده منها وهي شخصية رافضة لكل من يملأ عليها أوامره بالقوة , وهذا ما خفي على قادة الأستفتاء أو تجاهلوه ليقعوا في أتون الكارثة .
فكان النموذج السياسي الذي قدموه على مدى الأربعة عشر سنة الماضية مبنيا على الجوانب السلبية المبينة في النقاط الست السابقة وكانت النتيجة مرعبة , فقد أبتلعهم جميعا لجهلهم في الفقه السياسي وإدارة القضية الكوردية لأنهم أبتعدوا عن ذوي الألباب وأقتربوا من الجهّال على الرغم من وجود شباب كوردي لم يجرأ قادة الأستفتاء على تبوأ هؤلاء لمناصب قيادية خوفا على مناصبهم التي أكلها صدأ الأفكار القديمة .
واليوم بعد إنهيار كل شيء متعلق بالأستفتاء , برز خيط الإنقسام في القضية الكوردية , فالجانب الديمقراطي ليس مطابقا لأفكار الجانب الوطني الكردستاني بسبب السياسة الأقتصادية التي يتبعها الجانب الديمقراطي التي ترتكز على السلب والنهب وتحويل واردات المناطق الشمالية الى الخارج بأرصدة مسؤولين كبار وحرمان الشعب الكردي بكل فصائله لحقوقه منها . وهذا الأمر يقع في منطقة النقطة الثانية من الحكمة الصينية التي لم يوفّ بها الجانب الديمقراطي الكردستاني .
مازالت بعض الأصوات الكوردية متمسكة بالأستراتيجية التي جلبت الويل والأنقسام في صفوف الشعب الكوردي بسبب عدم توفير البديل والأعتماد على الفريق الأستشاري الذي مازال يحشر أنفه في الشأن العراقي – الكوردي الداخلي وآخرها اللجوء الى ماكنة الإعلام الكاذب والترويج الى أن الحكومة العراقية وقوى الجيش يقومان بالأعمال الشنيعة , وهذا مشروع قديم يمتد منذ الحرب العالمية الثانية , حيث لجأت اليه المانيا النازية بعد إندحارها , وهاهم قادة الأستفتاء يلجأون اليه بعد إندحار أستراتيجيتهم الخاصة بالإنفصال للأسباب التالية : أولا , رفع معنويات الشعب والتغطية على فشل القيادة السياسية . ثانيا , أستفزاز القوى الدولية المتمثلة بالولايات المتحدة والأتحاد الأوربي من أجل التدخل بقوات دولية عازلة ليلجأوا الى الأستقلال وإنشاء دولتهم الحلم لتبدأ عمليات النهب والسلب للثروات وإقامة العلاقات مع أسرائيل بشكلها العلني . ثالثا , درء الإنقسامات بين صفوف الأحزاب وعدم إتاحة الفرصة الى نشوء أحزاب معارضة جديدة تستغل فشل قيادتهم السياسية لتضاف الى المعارضة الحالية المتمثلة بحركة التغيير.
وقد قام بهذه الأستراتيجية كل من السيد مسعود والسيد كوسرت والسيد كمال كركوكي والمحافظ المقال نجم الدين كريم . فهؤلاء غامروا وتطرفوا كثيرا في إلصاق التهم ضد الحكومة والجيش , وخاصة إتهام الأخير بأنه جيش إحتلال , جاء لينهب ويقتل ويسلب كركوك .. والى آخره من التصريحات العدوانية والعنصرية التي أدلها بها كمال كركوكي وكوسرت رسول ورأس السلطة الذي روج بدخول قوات من الحرس الثوري الإيراني للهجوم على كركوك .
هذه الأستراتيجيه وحدها كفيلة للتعبير عن إعلان الحرب ضد الحكومة المركزية , ناهيك عن التعبئة العسكرية وتحشيد القطعات العسكرية في كركوك التي تعد بمثابة التمرد الواضح ضد الحكومة والدعوة الى إسقاطها , منتهكين في ذلك المبادئ الدستورية والشراكة السياسية في البلد الواحد .
إذن إستراتيجية تحريك ماكنة الإعلام الكاذب بعد فشل قادة الأستفتاء تلتحق بأختها الألمانية التي لم تأت بثمارها في تدعيم إنهيار القادة المستبدين من ناحية وخداع جماهير الشعب من ناحية أخرى .
إن الدوار الذي أصاب قادة الأستفتاء بدأ من السياسة التوسعية و إخفاء أموال الموارد المالية عن الشعب وحجب رواتب موظفي المحافظات الشمالية الثلاث وآخرها الأستفتاء الذي توج هذه الخطوات غير المدروسة, كانت وبالفعل النموذج الخائب الذي أغتال القضية الكوردية بكل آمالها على أيدي أصحابها الذين ركزوا على همّ تداول السلطة والبقاء فيها من دون التركيز على إيجاد الحلول على الصعيد السياسي والأقتصادي , ويكفي أن نرى إجراءات الحكومة المركزية التي جاءت رصينة وعاقلة ضد هذه الماكنة الإعلامية , ولم تكن في سياستها معزولة عن الشعب الكوردي أو ضد توجهاتها المشروعة في كل توجيهاتها حتى في أحلك اللحظات.
هكذا إذن يمكن لقادة الأستفتاء أن يحققوا غايتهم , بالحق والحب والدين والمبادئ وعقيدة التقدم وبالطقس السياسي البعيد عن الفساد وسيادة أسرة على أخرى أو كهل على إرادة شعب ممرع كالشعب الكوردي في عراق مازال عبق الخير فيه يأبى زواله , وكفه غير مقطوعة عنهم ويستحق من الكورد أن يعلوا فيه كما تعلوا ذرى جباله والحكمة ليست في درهم السياسة المتحقق بالتجاوزات بل في المودة التي ينال بها المرء خيره وليس صحيحا لا أصدقاء للشعب الكوردي سوى الجبال , بل أن الشعب العراقي أخ وصديق للشعب الكوردي كما هو أخ وصديق لكل شعب – في محيطه الإقليمي – يقدم له الإحترام ولا يتجاوز على دمه وماله وعرضه .

أحدث المقالات