ضماير ما تعرت من عرينه
ومثل سيل المسودن من عرينه
الأسد حگه يتكتر من عرينه
لگه الجربوع يردح بالثنية
…(سعد محمد الحسن)
من سوء طالع العراقيين أن أغلب السياسيين من موديلات 2003- 2022 مافتئوا يتعاونون فيما بينهم، وكذلك مع القاصي والداني على الإثم والعدوان، كبديل وحيد وفعّال عن البر والتقوى، وهم بهذا يقصون الخير عن العراقيين، ويجلبون المصائب والويلات لهم، وقطعا هم بنهجهم هذا يعمدون على خلق الأزمات واستحداثها، أكثر مما هي موجودة على أرض الواقع، وبذا هم ينحون منحى المثل: “چمّل الغرگان غطه”. وقد استقلوا -مجتمعين- موقعا حصينا يضمهم وحدهم، وانعزلوا عن المواطن باتخاذهم مكانا قصيا، في مناطق خضراء وزرقاء وصفراء، مسورة ضد الوطنية ومدرعة ضد النزاهة والمصداقية في القول والفعل والنية على حد سواء.
ولم يفُتهم اتباع سياسة “ذر الرماد في العيون” فهي ديدن المراوغين المبطنين خلاف مايبدون من نيات وغايات، والتي عادة ماتكون “خسيسة”. ولم يفُتهم أيضا الظهور بمظهر “حامي الحمى” وأسد العرين، فراحوا يزأرون ملء أفواههم بحجة الدفاع عن المواطن والسعي في خدمته، وفي حقيقة أمرهم هم كما وصفهم الشاعر سعد الحسن في أبوذيته وحاشا الأسود منهم، فبالنيابة عن الواطن -وهم ممثلوه- باتوا يسنون قانونا ويلغون آخر، ويرجئون قرارات ويؤجلون قراءات، ويمارسون ضغوطا ويخففون أخرى، وما الى ذلك من ممارسات أفعوانية ماكرة، دونما خوف من رقيب او وازع من ضمير. وباتوا يتشبثون بمناصبهم ورواتبهم وامتيازاتهم السحتية، وفي الوقت ذاته، هم متمادون بتهميش مصلحة المواطن، وإبعاد كل ما من شأنه توفير أبسط حقوقه في أمنه وأمانه، بزجه في أتون حرب مع وجوده وكيانه واستقراره على أرضه وأرض أجداده، وما النازحون من مساكنهم إلا شريحة من الشرائح التي تعاني القلق المعاش يوميا، إذ جميع العراقيين قلقون نازحون من اطمئنانهم واستتباب أمنهم، وهاربون من شظف العيش ومرارته باتجاه المجهول الذي يقودهم اليه ساسة البلد. وقد كان واقعهم هذا في الربع الأخير من القرن المنصرم بفعل شخص واحد وحزب واحد، إلا أنهم منذ عام 2003 تناسل ذاك الشخص وتكاثر بالانشطار والاستنساخ والانسلاخ، وبالإرث والعقيدة والضغينة، وكذلك الحزب الواحد صار اثنين وثلاثة وعشرة، وكل حزب بما لديهم فرحون.
اليوم حال العراقيين يجسد بيت القاضي أبي بكر ابن العربي القائل:
ولو كان سهما واحدا لاتقيته
ولكنه سهم وثانٍ وثالث
ولو ناظرنا بين السهام القاتلات الموجهة الى صدورنا، لتوصلنا الى حقيقة أنه السهم الموجه منا الينا، فالأخير هذا تتضاعف خساراته وتتفاقم تداعياته لأن الرامي “من حبال المضيف”، ولو شئنا رده الى نحر الرماة ستكون حينها “العضة بالجلال”، وينطبق علينا إذاك قول الحارث بن وَعْلة الجَرْمي:
قومي هُمُ قتلوا أُمَيم أخي
فإذا رميت يصيبني سهمـي
فلئن عفوت لأَعفونْ جَللاً
ولئن سطوت لأُوهِنَنْ عظمي
فباستقراء مبسط للنكسات المخزية والمريعة منذ حزيران عام 2014، يتضح لنا جليا أن المسبب الأول بوقوعها هم عراقيون “أولاد عراقيين” فالموصل مثلا، لم تكن لتضيع بين براثن عصابات أتت مشرذمة متمثلة بأجناس أنجاس، من بقاع وأصقاع مترامية الأطراف، لولا خذلانها من قبل العراقي “ابن العراقي” ممن يخرط اسمه مع القادة، وهو في حقيقة الأمر خائن باع شرفه وغيرته وضميره وكرامته قبل بيعه أراضيَ عراقية، فانضموا بفعلهم الدنيء هذا الى قائمة الموديلات التي بدأت بها مقالي هذا، والخشية كل الخشية من مقبل الأيام أن تطول القائمة، فتأتي بموديلات جديدة وعجيبة لكنها ليست غريبة.
[email protected]