23 ديسمبر، 2024 5:59 ص

يقال أن عيني القائد دائما في الضباب ، ذلك لأن اليقين المطلق في نجاحه لاوجود له ، فلا توجد قيادة بلا أخطاء ، والتسرع  تعبيرا عن غضب يتجانب ويتنافر مع العمل السوي  وقاهر للحكمة ، والقيادة تستمد شرعيتها من تجذر معرفي وفكر فاعل وبدوره يؤدي الى إحداث التأثير المطلوب للقائد  فيصبح القائد سياسي والسياسي قائد ، وهذا سيجرنا الى التبحر في القيادة  ، والقائد هو شكل من أشكال النبي بلا جبريل ، وعليه عدم تنصيب نفسه نبيا حقيقيا معصوما…القيادة يجب أن تكون من إختصاص النخبة  ، والنخبة ستكون متقمصة للمعارف ومتقاربة مع الحكمة بدليل إكتسابها صفة النخبوية في التسلسل الهرمي للقيادة التي  بني عليها الكون البديع الانشاء ، أي أن الصلاح سيكون ملازما  لمن يتولى القيادة ، ولايميل الصالح الى مضرة الاخرين لأنها صفة متنحية في تكويته  الخلقي ، ومادام القائد مقاربا للنبي فالانبياء كانوا صابرين يتحملون أعباء ومتطلبات وتفاهات وأحقاد من يسوسوهم ، حتى يوقعوا خصومهم ، بشباك التبصر فينقادوا أسفين محطمين صروح  ألجهل ألموغل وألمتوارث وألملتصق بأعرافهم وتقاليدهم وبنيتهم الاجتماعية ، وخلاف ذلك سيكون القائد خطرا اذا كان نافذ الصبر وعاطفيا ولايستطيع تحمل الضغوط  ويدفع به  القلق الى التطرف ويصبح كالخروف الثائر الذي ينطح في كل الاتجاهات ويصبح  خطرا تزيد خطورته عن الذئب الهادىء ، ولايتاح للقائد كل شيء لتحقيق غاية شعبه بل عليه العمل بالمتيسر فقط مع مزاحمة ظروف غالبا ماتكون متضاربة مع توقعاته لتحقيق هدف مستحق بالإستعانة  بالمتيسرات ، المتيسرات من كل الانواع والاصناف ، النفسية ، الاقتصادية ، الاجتماعية  ، والاعراف والتقاليد ، بصهر مسيرة قرن من الزمان على الاقل في بودقة البحث والتبصر، وفي عراقنا  سيكون مفضلا صهر تاريخنا منذ تشكيل العراق بجغرافيته عام 1921 وحتى يومنا هذا .
غالبا ماتؤدي السياسة الفاشلة الى حدوث إنحرافات خطيرة وذلك بإتخاذ ألمقامرة والغضب سبيلا ومنهجا لتطويع الامر الواقع لمجاراة هدف السياسة ، إن إجبار الطرف الاخر للرضوخ لمطلب معين بدون تبصر أبعاده سيوقع الطرفين بمصيدة الردود الرافضة المتدرجة والمتدحرجة ككرة الثلج  المنزلقة الى اسفل تصبح كبيرة تكبر بحماقات متدنية التمحيص وتضيف معضلات جديدة ومتجددة يصبح سابقها افضل من اللاحق فيها ويكون اليوم الذي بكينا فيه يوما نبكي عليه … إن إخفاء الحقيقة بغية تسهيل وتمرير قرار سريع لا يلبث أن ينكشف غطاءه وتعمل المؤثرات السياسية الاخرى على كشف عورته وأستدراج صناع القرار فيه الى طريق ينتهي بجدار أصم وتصبح إستراتيجية التراكم معكوسة في إستجلاب هدف السياسة وتحقيق الشرعية بكم الاخفاقات المضافة لحالة سابقة بحيث تحدث تراكما مؤثرا ، وقد لاتكفي الكفاءة لوحدها بتحقيق إنجازات مستحقة إذا لم يكن القائد السياسي متمتعا بموهبة إستقراء ألأحداث قبل وقوعها بفترة زمنية تتيح له إتخاذ مايلزم للإستفادة من بعضها وإجهاض القسم الاخر وبذلك يصل السياسي بالامة الى أعلى سلم المنفعة وتحقيق النهضة المرجوة بإتخاذ المنشار شعارا مقدسا له ( طالع واكل نازل واكل ) ولا يتأتى ذلك بسهولة إلا إذا بذل السياسي غاية جهده وجهد مستشاريه الوطنيين فقط والتكنوقراط بالأخص منهم بمعرفة ماموجود في الجانب الاخر من التل ، والإخفاق في ذلك يعني نجاح الطرف المعادي لمسيرة البلد بتحقيق نجاح يحسب له ، فيفرض  مواقف ومعظلات جديدة إضافية قد تكون قاصمة للظهر المنهك من ضربات لم تشفى بعد …كل القادة على مر التاريخ يسعون الى إحتلال موقع قي التاريخ الانساني يخلدهم ولكن عليهم أن يعيشوا حياة خالدة وهم في السلطة لتنتقل صفة الخلود معهم إلى سجلات التاريخ .