19 ديسمبر، 2024 2:04 ص

قائد عظيم لشعبٍ ضعيف

قائد عظيم لشعبٍ ضعيف

اهم جانب في حياة الامام الحسن عليه السلام، عندما يتعلق الحديث بحياته الكريمة، هو جانب الصلح مع معاوية، الذي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الإسلامية، منذ عصر الإمام وإلى عصرنا المتأخر، والإشكال الرئيسي الذي يطرح في هذا الجدل، كيف يتنازل الإمام عليه السلام، عن حقه في امامة المسلمين لمثل معاوية ابن ابي سفيان؟!
الإجابة عن هذا الإشكال، يكون في ثلاثة محاور رئيسية:
المحور الأول: هل ان التنازل عن السلطة، هو تنازل عن الإمامة؟ كثير من الكتاب والباحثين الإسلاميين والمستشرقين، يخلطون في هذا الجانب، بل حتى هناك في الوسط الشيعي، يوجد عندهم هذا الخلط، والحقيقة- من منظور شيعي- ان القيادة والسلطة والحكم، هي جانب أو جزء أو مفردة، من الإمامة والخلافة الإلهية، فالوظيفة الأساسية للإمامة هي هداية الناس، من جهة العلم والمعرفة، والتربية والسلوك، سوء كانت بالسلطة أو بدونها، وهذا ما ذكره القرآن الكريم بقوله تعالى:( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ )، وفي الحديث النبوي:(الحسن والحسين امامان ان قاما وان قعدا)، اذن التنازل عن السلطة ليس تنازل عن الإمامة، فتنبّه لذلك!
نعم! وصول الإمام الى السلطة والحكم، يفعّل دور الهداية أكثر، لأن من خلال الحكومة، تفرض القوانين، ويحفظ النظام العام، ويستقيم المجتمع، والناس على دين ملوكها.
المحور الثاني: هل فشل مشروع الحكومة، هو فشل للقيادة؟
ليس دائماً يكون ذلك، أحياناً الفشل بسبب القيادة، وأحياناً أخرى بسبب القاعدة الجماهيرية والأرضية الشعبية التي لا تستجيب للقيادة، نتيجة الجهل، أو الضعف، أو التهرئة والتفرق، أو نتيجة الخيانة والتخاذل، وخير دليل على ذلك، قيادة نبينا الأكرم”صلى الله عليه وآله” للمسلمين، فقد ظل سنين في مكة يدعو الناس للإسلام، ولم تأتِ هذا الدعوة بنتائج مثمرة، الاّ على مستوى قليل من الانصار، لكن حينما أنتقل الى المدينة، انشأ دولة عظمى، فالنبي “ص” نجح في المدينة ولم ينجح في مكة، في حين القيادة واحدة، والنبي هو نفس النبي”ص”، إذن الخلل وفشل المشروع بالقاعدة الشعبية، والتخاذل عند الناس.
المجتمع الإنساني، يلعب دور أساسي في نجاح واستقرار وتطور البلدان، فالمجتمعات المتحضرة اليوم، تطورت نتيجة أفعالها الذاتية، في الحفاظ على العادات الحسنة، من النظافة، واحترام القانون، كعدم هدر المياه، وهدر الطاقة، وآداب السير والطرق، وما شابه هذه الامور من حفظ النظام العام، نعم! السلطة لها دور أهم في تفعيل هذه الأمور، بفرض القانون، فالسلطة القوية تنتج مجتمع قوي، والحكومة النزيهة تخلق مجتمع نزيه.
المحور الثالث: ما هي أسباب تخاذل المجتمع؟
احياناً تدرس هذه الأسباب من جهة سايكلوجية، فعلى سبيل المثال:
عندما تتعرض القيادة الى نكسة، أو صدمة، فحتماً سيتعرض المجتمع الى الأنهيار، فالمجتمع متمثل بقياداته ورموزه وشخصياته الفذة، وليس بعوام الناس، تماما أشبه بفريق كرة القدم، عندما يتعرض أهم لاعب لديه للإصابة في مبارة مهمة، فأكيد سينهار ذلك الفريق، ويتعرض لخسارة كبرى.
المجتمع الكوفي في عصر أمير المؤمنين عليه السلام، تعرض الى نكسة كبيرة بمقتله عليه السلام، وأصاب ذلك المجتمع الضعف والأهتزاز، ومن قبل ذلك أصابه الوهن، بعد مقتل قيادات مهمة كانت مع الإمام، كعمار بن ياسر، ومالك ابن الأشتر، اضافة الى ان المجتمع الكوفي، خاض ثلاث حروب في زمن قياسي، في حين جبهة الشام لم تخض سوى معركة واحدة، فالعامل السايكالوجي، ألقى بظلاله على المجتمع الكوفي، فأصبح منهار وضعيف جداً، فأستغل معاوية هذا الجانب من جهتين:
الجهة الأولى: دس الجواسيس في الكوفة، لتمزيق اللحمة الاجتماعية فيه، فجعله ذو أستقطابات وتحزبات، واكيد المجتمع غير موحد، يكون غرضة للعدو، وسهل المنال للطعن والتدمير. الجهة الثانية: شراء الذمم بالمال، والإغراء بالمناصب، بحيث أقرب الناس للإمام الحسن عليه السلام، خانه وغدر به، حتى وصل الأمر الى سبّ وشتم الإمام جهراً، بل احد اصحابه طعنه بخنجر، أراد قتله فأصابه!! ومنهم من وعد معاوية بتسليم الإمام عليه السلام له، اذا حدثت الحرب.
هكذا وضع عام في مجتمع يغلب عليه طابع الضعف، والنفاق، والتخاذل، لم يكن أمام الإمام الحسن عليه السلام سوى خياريين لا ثالث لهم:
الأول/ ان يخوض حرب تكون فيها نهايته هو وأهل بيته وبعض الخلص من أصحابه، فتضيع دمائهم هدراً، لأن معاوية له القدرة السياسية على فعل ذلك فهو ليس كيزيد ابنه.
الثاني/ ان يعقد الصلح مع معاوية على شروط من منطق القوة، فمعاوية هو من دعا الى الصلح وفق ما يشرطه الإمام الحسن “عليه السلام” عليه، ومعاوية أعلن قبوله بكل شرط.
حقيقة أن الإمام عليه السلام، لم يكن عنده خيار ثالث، وقد أتبع القاعدة العقلائية وهي أقل الضررين، وبذلك تنازل الإمام عن السلطة، وليس عن الإمامة، فهذه الإمامة الربانية هي قيادة مطلقة، واصطفاء وأختيار الهي  لهداية البشرية، لا تتقيد بسلطة ولا تحد بمنصب.

أحدث المقالات

أحدث المقالات