زيارة قائد الحرس الثوري الإيراني الجديد إسماعيل قاآني للعراق، بداية الشهر الحالي( نيسان 2020) ليست زيارة ترفيهية أو دبلوماسية كما حاولوا إظهارها، أو للمجاملة، بل هي أول زيارة خاصة، وإن كانت علنية، لترتيب أوراق إيران المتناثرة بعد اغتيال قاسم سليماني قائد الحرس الثوري وأبو مهدي المهندس بداية العام الحالي بطائرة مسيرة أمريكية بعد خروجهما من مطار بغداد الدولي.
رافق قاآني سليماني، لأكثر من 23 عاماً، حيث انتقل إلى «فيلق القدس»، مع تعيين قاسم سليماني على رأس تلك القوات في 1997، وشغل أيضاً منصب دائرة استخبارات، وهيئة الأركان المشتركة للحرس الثوري، قبل تعيينه في منصب نائب سليماني.
وتذكر العديد من المواقع الإيرانية ومنها موقع (تابناك) التابع لمكتب قائد (الحرس) السابق محسن رضايي، أن صداقة خلال سنوات الحرب جمعت بين قاآني وسليماني منذ 1982.
وبخصوص الملف العراقي يختلف قاآني كثيراً عن سليماني من حيث الشخصية، وقوة الحضور، وربما حتى العلاقات الشخصية مع غالبية القيادات المليشياوية والسياسية في العراق، وكذلك قدرته على التكلم باللغة العربية، وأخيراً خبرته الكبيرة في الملفات الشائكة في المنطقة وبالذات في العراق.
زيارة قاآني للعراق كانت على متن خطوط (ماهان) المتهمة بنقل فيروس كورونا إلى إيران من الصين، وربما هي من أسباب نشر الفيروس في العراق!
وهنا يمكننا تحديد أن زيارة قاآني للعراق جاءت في ظروف غير صحية حيث إن العراق يعاني من جملة من المشاكل السياسية والأمنية والاقتصادية، ويمكن إجمالها على النحو الآتي:
– تمرد غالبية الفصائل المسلحة على الحكومة وذلك بتوجيهها لضربات صاروخية على قواعد أمريكا العسكرية وسفارتها في بغداد وذلك رداً على اغتيال سليماني والمهندس.
– استمرار التناحر السياسي الشيعي بخصوص شخصية رئيس الوزراء العراقي القادم بعد تقديم عادل عبد المهدي استقالته بسبب المظاهرات الشعبية التي انطلقت في تشرين الأول الماضي، وهم اليوم في تصادم سياسي كبير بعد قرار رئيس الجمهورية برهم صالح بترشيح عدنان الزرفي لتشكيل الحكومة المقبلة.
– هبوط أسعار النفط لمستويات غير مسبوقة منذ سنوات، وهي قرابة (25) دولارا للبرميل الواحد، وهذا أدخل العراق في أزمة اقتصادية حيث إن الدولة قائمة أساساً عن الموارد النفطية.
– قرار واشنطن، قبل أسبوع تقريباً، بعدم السماح للعراق باستيراد الطاقة الإيرانية بعد ثلاثين يوماً، مما أحرج بغداد وطهران على حد سواء!
وسط هذه الأجواء القلقة أمنياً وسياسياً واقتصادياً جاءت زيارة قاآني للعراق، ويمكن النظر إليها بأنها تهدف لتحقيق الآتي:
1. التأكيد للأطراف الأجنبية والمحلية، وبالذات لواشنطن، أن ملف العراق أصبح بيد قاآني، وأنه اليوم يمثل الدولة الإيرانية في الساحة العراقية.
2. إيصال رسالة سياسية واضحة لواشنطن أن اغتيال سليماني لا يعني أن إيران ستكف يدها عن العراق، بدليل زيارة قاآني الرسمية والعلنية وهو في ذات المنصب الذي شغله سليماني، ولا يمكن أن تترك العراق بسهولة، أو على الأقل دون الحصول على مكاسب إستراتيجية.
3.السعي لترتيب صفوف البيت الشيعي المتلاطمة سياسياً، ومحاولة تقديم شخصية أخرى غير الزرفي، تكون أقرب لطهران، وقد عادت الكتل الشيعية تتحدث عن خيارات أخرى ومنها مصطفى الكاظمي مدير المخابرات وقاسم الاعرجي وزير الداخلية السابق، بعد الزيارة مباشرة.
4.التنسيق بين المليشيات الموالية لإيران لزيادة الضغط على المصالح الأمريكية في العراق لفك الضغط الاقتصادي الواقع على إيران، واستمرار طهران في إستراتيجية جعل العراق ورقة ضغط على البيت الأبيض، بدليل الضربات (العبثية غير المؤثرة) التي نفذتها بعض الفصائل الولائية على السفارة الأمريكية ببغداد، وبعض القواعد العسكرية، وكذلك نشرهم لفيديو طائرة مسيرة وهي تصور سفارة واشنطن ببغداد يوم الأربعاء الماضي.
5.الضغط على القوى السياسية والمليشياوية للاستمرار بفتح الحدود (اقتصادياً) مع إيران رغم القرار الأمريكي الأخير وبخلاف ذلك ستتأثر إيران كثيراً في حال أحكمت الحكومة العراقية غلق الحدود معها، حيث إن العراق يعتبر الرئة الأكبر في استمرار إيران على قيد الحياة اقتصادياً.
6. الترتيب لمرحلة ما بعد (تمرير) الزرفي واحتمالية توجيه ضربات قاصمة لأذرع إيران في العراق، وربما الذهاب إلى الخطط البديلة، التي من الممكن أن تُخلط الأوراق السياسية والأمنية في العراق لتثبت طهران لأمريكا أنها المتحكم الأبرز في الشارع العراقي، وأنها قادرة على توجيه القوى الموالية لها لزعزعة التواجد الأمريكي في العراق.
في كل الأحوال فإن مهمة قاآني في العراق صعبة للغاية، واليوم هنالك انقسامات داخل الكتل الشيعية نفسها، وبالذات بعد غياب سليماني، وهنالك تناحر بخصوص الكثير من الملفات ومنها شخصية رئيس الوزراء المقبل، وفشل غالبية الأحزاب في إدارة الدولة العراقية بعد العام 2003، والملاحقات القانونية عن الجرائم والفساد المالي والإداري وغير ذلك.
أتصور أن قاآني ليس سليماني، وأن الموقف الإيراني اليوم في أضعف حالته، وأن أمريكا وغالبية ساسة العراق، وحتى زعماء إيران، فهموا هذه الحقيقة، وبالتالي يمكن الجزم بتراجع الدور الإيراني في غالبية الملفات الأمنية والسياسية، وهذا ما ستثبته الأيام المقبلة.