فِي زمن الفضائح، كُنَّ سِتارًا لَا فصاحَا

فِي زمن الفضائح، كُنَّ سِتارًا لَا فصاحَا

معَ اقترابِ كلِ عمليةٍ انتخابية، نرى فجأةُ سيلاً منْ الفضائحِ التي كانتْ مطمورةً لسنواتِ عدة، لتطفوَ على السطح، وكأنها اكتشافاتٌ طازجةٌ فما ظلَ مستورا طوالَ أربعِ سنواتٍ يكشفُ فجأة، لا بدافعِ الإصلاح، بلْ لأغراض التقسيطِ السياسي.

   إنَ هذا النوعَ منْ الممارساتِ السياسية، لمْ يعدْ يقنعُ الناس، فقدْ باتَ واضحا أنَ منْ يحرصُ على وطنيتهِ حق، لا ينتظرُ موعدَ الانتخابات، ليكشف عنْ الأخطاءِ أوْ التجاوزات، بلْ يسارعُ إلى إيصالها لأصحابِ القرارِ فورَ وقوعها، حفاظا على الصالحِ العام، وليسَ توظيفُ لها في الصراعِ السياسي.

  شاهدنا العديدُ منْ الأشخاص، قبلُ أشهر عدة، يتنقلونَ بينُ القنواتِ الفضائية، يبكونَ ويتحدثونَ عنْ قضايا وطنيةٍ ذاتِ طابعٍ دولي، وفجأةُ اختفوا تماما، بعدُ أنْ قررتْ المفوضيةُ العامةُ للانتخاباتِ استبعادهمْ منْ الترشيحِ الانتخابات. وهنا توقفتْ مصالحهمْ الوطنية، عندَ حدودِ مصالحهِم الشخصية، فإذا ضربتْ هذهِ المصالح، سكتوا، وتوقفوا عنْ ” القلقِ الوطنيِ ” الذي صدعوا بهِ رؤوسنا.

إنَ الوطنية، ليستْ شعارا، يرفعَ في موسمِ الانتخابات، ولا تختزلُ بالظهورِ الإعلامي، بلْ هيَ غريزةٌ مزروعةٌ في كلِ مواطن، تختلفَ درجاتها منْ شخصٍ لآخر، ومنْ بينِهم، منْ يعملُ بصمتٍ لأجلِ وطنه، ويختارَ السترُ والتعقل، لا التشهير. ففي المجتمعٍاتالتي تسودها التقاليد الدينية والعشائرية، ، فإن طرحَ بعضِ المستورِ لعضِ القضايا – وخاصةً العائليةَ منها – لا يحسنُ أنْ تكشفَ أمامَ العامة، لما قدْ تسببهُ منْ تفككٍ اجتماعيٍ أوْ نزاعات مختلفة، لقدْ علمنا الدينُ والتاريخ؛ أنَ السترَ، أنقذَ مجتمعاتٍ كاملةً منْ الانهيار، بينما الفضح؛ أشعلَ نيرانا ملتهبة، لا زالتْ نتائجها تخيمُ على بعضِ العوائلِ والأشخاص.

  لقدْ أوصانا سبحانهُ وتعالى، ونبينا الكريم، وأهلَ بيتِ رسولِ اللهِ الكرامِ بالستر، وتغطيةُ عيوبِ الناس، وإخفاءُ زلاتهم، وهوَ خلقٌ يحثُ عليهِ الإسلام، ويمتدَ ليشملَ السترُ على النفسِ والآخرين، سواءً كانَ ذلكَ يتعلقُ بالبدنِ أوْ العيوبِ والأسرار، مستمدا منْ أسماءِ اللهِ الحسنى مثل ” الستيرْ ” الذي يسترُ على عباده، كما في قولهِ سبحانه- وتعالى: ( حتى إذا باغٍ مطلعَ الشمس، وجدها تطلعٌ على قومٍ لمْ نجعلْ منْ دونها سترا ) .

   لقدْ وثقَ لنا التاريخُ بعضَ الحكاياتِ والقصصِ في الستر، فمنها: أنَ رجلَ دينٍ يرى في المنامِ سكيرا في الجنة! دفعهُ الفضولَ لأنَ يبحثُ عنهُ في إحدى المدن، فوجده، ليسأله: ” كيفَ وصلتْ إلى هذهِ المنزلة؟  فأجابهُ الرجلُ السكير، بعدُ أنْ تابَ منْ الشرب: ” لقدْ سترتْ امرأةً في حياتي ” إنها بحقِ رسالةٍ بليغةٍ تلخصها هذهِ الرؤيا. وفي قولِ نبينا محمدْ (ص) ( منَ سترُ مسلما سترهُ اللهُ في الدنيا والآخرةِ ) ، وهنا تتطلب النصيحة والحكمة واللين ، والتشجيعُ على التوبةِ دونَ الفضح. إنَ ارتكبَ المسلمُ ذنبا لا يضرُ بهِ أحدا، وكانَ مستترا غيرَ مجاهر، فالواجبُ ستره. . إذا لمْ يتكررْ الخطأ ، وكانَ الذنبُ عارضا وغيرَ متكرر، ولكنَ هذا لا يعنيَ السترُ والتستر على الظلمِ والحق، فهنا ينطبقُ على هذهِ الأفعال؛ المقولةِ المشهورة: الساكتُ عنْ الحقِ شيطان أخرس