ﺒﻌد اﻨﻘﺸﺎع ﺤﻘﺒﺔ اﻟﺤﮐم اﻟﺸﻤوﻟﻲ في العراق و سقوط أحد أصنام الفكر القومي العروبي في المنطقة كنّا نأمل بأن خارطة العلاقات بالمفاهيم والأشياء سوف تتغير والذوات تتأنسن و الهويات العنصرية المصبوغة بالأصولية المقيتة تذهب الی غير رجعة و الأحزاب والتيارات السياسية، التي تريد أن تكون لاعباً أساسياً علی المسرح العراقي و فاعلاً قوياً في المشهد السياسي سوف تجرّد فلسفتها في الحكم و الإجتماع من كافة الأفكار والعقائد و الصفات و الشعائر و الشعارات الميتة أو المستهلكة، التي تبقی دوماً عائقاً أمام بلورة صيغة جديدة للوجود أو مشروع للحياة. وكنّا نظن بأن تلك الأحزاب والتيارات السياسية، التي ذاقت الإضطهاد والممارسات التعسفية اللإنسانية من قبل أيادي الغدر البعثي سوف تدعم التركيبة الجديدة للعراق و تساند القضية العادلة لشعب كوردستان و حقه في تقرير المصير أو بناء دولته الكوردستانية المستقلة أسوة بالشعوب الأخری في العالم وتعمل علی إنماء الشراكة والمبادلة والتعاون والتضامن في مواجهة القوی التي تنوي خلق الإنسان الأمبريالي الساعي الی نشر أسمائه وصوره أو سلطته بهدف فتح الإمكان أمام الحرب الأهلية المذهبية والقومية و بناء حكومة الشراكة الملغومة.
تفائلنا بالخير لم يجلب معه شيء إيجابي لنا، فالواقع اليوم العراق الإتحادي تقودنا نحو حكومة تطبق فقه نوري المالكي و تسعی في إنهاض المشاريع الإنفرادية لتشكيل النموذج الديكتاتوري الفردوي و قولبة و تدجين و تعبئة و عسكرة المجتمع العراقي لتحويل الناس الی شهداء و ضحايا لدعوات مستحيلة أو لاستراتيجيات لا تعود بالنفع علی البلاد و العباد بدافع ردع التجربة الديمقراطية في إقليم كوردستان و إزالة الآخر المخلتف المخالف لهذا النهج و إن أمكن سلب حقوقه.
فقه المالكي أو معتقده الإصطفائي يحمل في طياته نظرية ولاية الفقيه، فهو يری بأن برنامجه الحزبي أو نصه المقدّس، بعد القيام بعسكرة المجتمع وتخصيص ميزانية ضخمة لوزارتي الدفاع والداخلية، إذا طبّق فسوف يأتي بالفرج و السعادة لكافة العراقيين، وهكذا يطغی المحتوی السلفي الإرتدادي علی البعد التنويري والمستقبلي و عقلية الإستبعاد والإقصاء علی لغة الإعتراف والشراكة والتبادل و المآل هو فشل صناعة الحضارة و ممارسة القوة الهادئة.
التحركات العسكرية الإستفزازية في المناطق المتاخمة لحدود إقليم كوردستان والهجمات الهمجية المتتالية علی مقرات المجتمع المدني و المكتبات المتواجدة في شارع المتنبي بالعاصمة بغداد و التصريحات السامة لأعضاء في إئتلاف “دولة القانون” كالأسدي و المطلبي ضد رئيس إقليم كوردستان خير دليل علی سعي أجهزة السلطة المالكية في جس نبض الشارع والأحزاب السياسية المتواجدة علی الساحة و معرفة إنعكاساتها. البارز في المشهد العراقي ليس الإختراع والإبداع، بل التجييش والحشد و الخطب النارية و المواقف الإستفزازية و لغة الوعد والوعيد و إن أمكن تصدير ماركة الحجاب والدم والتضحية. هل كان هذا ما يتمناه مؤسس حزب الدعوة، الشهيد المفكر محمد باقر الصدر؟ أين حكومة المالكي في تفعيل دور المواطن، وبث الروح الايجابية فيه؟
المجتمعات العراقية تحتاج الی الفرد القادر والفاعل الذي يمارس حيويته إنتاجاً و إبداعاً أو تميّزاً وتفرداً، وليس الفرد الذي يكون مجرد نسخة عن غيره أو صدی لزعيمه، كما يجري في نظام فقه المالكي. من يشيع العنف و يتبنی ممارسة خياراته، لا يحترم الدستور، بل يخرقه من بابه الواسع و من لا يغير شاشة الرؤية السياسية و يعيد النظر بالمسلمات والبداهات و لا يعود بأسئلته الی البداية ينتج إستراتيجيات الرفض والإستبعاد و إستئصال الشريك في الحكم، التي تترجم عداء و بغضاً أو نزعات و حروب بين الحكومة الإتحادية وحكومة الإقليم. نسأله، أين أوراقك في إصلاح أنسنة العلاقات بين المكونات في العراق، لتحل محل العصبية الإيمانية المغلقة و علاقات النفي والإستبعاد والإزدراء.
و ختاما نقول : الحدث العراقي عام 2003 كان فرصة وجودية فتحت أمام شعب العراق، الذي يری نفسه الی الآن أمام التحدي الكبير، لكي يثبت جدارته في إعادة بناء بلده بعقل حضاري مدني و منطق تواصلي تداولي، لكن محاولات الديناصورات التي تريد ممارسة وكالتها السياسية و العسكرية و الدينية علی العراق الفدرالي بصورة إمبريالية و تعمل علی طغيان العقل الأمني علی الدولة والمجتمع والناس هي المانع الأكبر أمام بناء عراق فيدرلي إتحادي تعددي، يصان فيه الدستور ويطبق بنوده. أفكارهم و ممارساتهم تتجلّی جهلاً و نفاقاً و تسلطاً و تخريباً.