الطامة الكبرى هي الحادثة التي تغطي على ما سواها، وكل ما غلب شيئاً وقهره وأخفاه فقد طمه، فالطامة اسم لكل داهية عظيمة، الداهية فوق كل الشدائد وهو يوم يعمل على طمّ كل أمر كبير وفظيع، والطامة تستعمل في الشديدة التي تنسى عندها الشدائد فتطم على ما تقدمها، أي تستره وتغطيه، لا يوجد فاعل يتحرك في مشهدنا العام مثل ” الدين “، لدرجة ان احدنا اصبح يخشى ان يتحول هذا الدين الى مشجب نعلق عليه كل شيء، ونستخدمه في كل شيء، ونتهمه احيانا، ونحتفي به احيانا اخرى دون ان نعرف متى ولماذا ؟ ان ما يستوقفني ويدهشني مااشاهده في مدى خطورة الممارسات التي ترتكبها القيادة السياسية العراقية اللامسؤولة والمتهورة بهذه المعاني تجاه شعبها في اللعب بالنار والدخول في مطبات خطيرة اكبر من حجمها وقوتها فمنذ 18 عام وتداعيات الانهيارات تتسابق على الاقتصاد العراقي دون اي حلول حيث يعتمد على إيراداته النفطية بالكامل، دون ايجاد العوامل المساعدة وهو ثاني أكبر منتج للخام في أوبك، ويعاني من أزمة اقتصادية فاقمة اثر تراجع أسعار النفط عالمياً، ما أدى إلى خفض عائداته من تصديره ، فهو مصدر البلد الرئيسي للموازنة الاتحادية التي تحمل إرثا منذ عشرات السنين في ريعية اقتصاده بالاعتماد على هذه الطاقة المهمة في ادارة البلد دون الاهتمام بالجوانب الاخر لتطوير وارداته المالية ، الميزانية حسبت على اساس 42 دولار للبرميل الواحد في حين ان الاسعار اخذت بالارتفاع ويحتمل ان تصل الى اكثر من 55 دولار خلال الاشهر الثلاثة الاولى من السنة القادمة ووصل الان الى مايقارب 52 دولاروتقول منظمة الاغذية العالمية في اخر تقرير لهاعام 2021 ان نحو 3 ملايين شخص في العراق يعانون من عدم كفاية الاستهلاك الغذائي لديهم .
كان يجب على الحكومات المتعاقبة العراقية ان تدرك مقدار الخطر المقبل من نفاذهذه المادة خلال الخمسون السنة القادمة وعليها ان تسارع بوضع الخطط البديلة قصيرة الأمد والبعيدة، والأهم ان تكون هناك إرادة سياسية وطنية موحدة في اختيار خريطة طريق موحدة للإصلاح الاقتصادي، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في التركيز على القطاع الزراعي الذي يعد الأهم لتدوير عجلة الإنتاج والاستثمار والاكتفاء الذاتي، وحيث ما زالت الصناعة التحويلية التي نخرها الفساد تتراجع عن ما كانت عليه والاراضي الزراعة التي تشكوا من قلة الايدي الفلاحية العاملة لتواصل العمل في مزارعها بعد مغادرتها الى المدينة بسبب المشاكل الحياتية وعدم الاهتمام الحكومي الجدي في معالجة متطلبات هذه الطبقة في توفير ابسط الامور وحمايتهم بحثاً عن ترفها والوانها الزاهية او لقمة عيش اسهل واقل عناءاً ولا تشكلان الان سوى 7% من الناتج المحلي الإجمالي للعراق، وهي تضم 37% من قوة العمل، والمجتمع جله اخذ يعتاش على الوظائف الحكومية الخدمية الضعيفة الانتاجية أو على الدعم والإعانات الحكومية والخدمات الاجتماعية المدفوعة من موازنة ريع الموارد النفطية.
لقد جاءت الطامة الكبرى لتثقل كاهل المواطن بشكل اخر وهي الميزانية لعام 2021 والتي قدمتها الحكومة لمجلس النواب والتي بلغت قيمتها 150 تريليون دينار عراقي (103 مليارات دولار) والتي لا تتفق مع الواقع المالي والاقتصادي العراقي، وتحتوي على مفخخات كبيرة إذا تم تمريرها بهذا الشكل وتعد ثاني أكبر موازنة في تاريخ الموازنات العراقية من حيث المبلغ الكلي”، و”الأسوأ وتبرز سلسلة من المشاكل في مشروعها ، أهمها التباين الكبير في المخصصات المالية للمحافظات العراقية، وعدم استنادها إلى الكثافة السكانية، وارتفاع فاتورة الرواتب إلى مستويات قياسية واستمرار ارتفاع النفقات التشغيلية لمؤسسات الدولة بشكل لا ينسجم مع إعلان الحكومة أن الموازنة ستكون تقشفية وإصلاحية “ترقيعية” كذلك، تضمنت عجزاً تجاوز الـ 71 تريليون دينار عراقي أي أكثر من ثلث حجم الموازنة وتعد مخالفة لقانون الإدارة المالية لعام 2019، الذي يحدد عجز الموازنة 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن نسبة العجز في هذه الموازنة من الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 24 في المئة و تمويل العجز لا يتوافق مع الانكماش الاقتصادي وانخفاض أسعار النفط وأزمة كورونا والضرر الكبير الذي يعاني منه الاقتصاد ، إذ كان التوقع أن تكون موازنة رشيقة إلا أننا وجدناها ثاني أكبر موازنة من موازنات الدول العربية وغارقة في النفقات”. ويلفت إلى أن “العجز يبلغ 71 تريليون دينار (قرابة 48.6 مليار دولار)، وهو ما يعادل موازنة أربع دول عربية، وفق الموازنة، سيكون دعمها عن طريق الاقتراض الداخلي والخارجي ليضاف الى السابق البالغ ” 15 ترليون دينار عراقي اي حوالي 12 مليار دولار” .وإصدار السندات الوطنية، وفيها من علامات التبذير بشكل مفرط وكما يلي : أن “بعض النفقات التشغيلية للوزارات ودوائر الدولة المختلفة، هي: المستلزمات الخدمية = 2.881 ترليون دينار، والمستلزمات السلعية = 16.708 ترليون دينار، وصيانة الموجودات = 577 مليار دينار، والبرامج الخاصة = 967 مليار دينار”.
وهذا سيُغرق البلد في الديون ويضر في الاقتصاد العراقي والموازنة التي يصرف العراق الجزء الأكبر منها تحت عنوان “النفقات التشغيلية”، وهي رواتب ومخصصات ونفقات تشغيل دوائر الدولة العراقية.، بينما يتصارع البلد في أزمة اقتصادية ومالية حادة بسبب أسعار النفط المنخفضة وتوجهت الحكومة الى أبسط وأسهل الحلول بعملية ” الإصلاح” وهي رفع سعر الدولار واستقطاع رواتب الموظفين في موازنة العام المقبل”بطريقة تعسفية و اغلب الموظفين في البلد رواتبهم متدنية جداً ولا تتجاوز الـ 500 ألف دينار شهرياً، وفي حال استقطاع أي مبلغ منها يتعرض الموظف البسيط الى كارثة اقتصادية وهي بعيدة عن المنطق و ستعود بنتائج كارثية عليها، على اعتبار أنها جاءت لدعم الفاسدين على حساب الطبقات الفقيرة من العوز والافتقاد إلى أدنى متطلبات الحياة اليومية إلى خطر الانهيار الأمن فيه في اي لحظة ويعيش اعضاء الحكومة حيث خصصت مبلغ مقداره 14 مليون دولار لتنظيف ابنية رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء على حساب لقمة عيش المواطن وعلى حساب حريته، وكامل مستقبله.
وكانت وزارة التخطيط العراقية قد اعلنت ، في يوليو (تموز) 2020 أن نسبة الفقر في العراق بلغت 31.7 في المئة بارتفاع يقدر بـ12 في المئة عن العام 2019. وهو معدل قياسي يحدث للمرة الأولى منذ العام 2003.،
*سورة النازعات اية 34