شارك العراق باقي أقطار الوطن العربي الإحتفال في الثامن عشر من شهر كانون أول/ ديسمبر من كل عام بيوم الشرطة العربية، وهو تقليد سنوي تعارفت عليه أجهزة الأمن والشرطة العربية إستذكارا ليوم 18/12/ 1972 اليوم الذي إلتئم فيه شمل قادة الشرطة والأمن العرب في أول مؤتمر عربي لهم بمدينة (العين) في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وكان للشرطة العراقية حضور فاعل في كل المؤتمرات المعنية بالأمن العربي منذ إنطلاقتها، وكانت ومازالت من الداعين الى تنسيق الجهد المشترك بين مختلف أجهزة الشرطة العربية لصيانة أمن الأمة العربية ومواجهة التحديات والتهديدات التي تواجه أمنها وإستقرارها إنطلاقا من حقيقة أن أمن كل قطر عربي يهم أمن سائر أقطار الوطن العربي، وبالتالي فإن الأمن القومي العربي ينبغي أن يهم جميع أقطار الوطن العربي.
في يوم الشرطة العربية نستذكر العديد من الشخصيات العراقية التي كان لها أثر فاعل وحضور متميز في تعزيز مسيرة الأمن العربي المشترك، نستذكر المرحوم الدكتور أكرم نشأت أول أمين عام لمجلس وزراء الداخلية العرب ولثلاث دورات متتالية (12 عاماً) المجلس الذي إنطلق وتأسس من مدينة بغداد، ونستذكر أسماء لامعة كان لها دور في مسيرة العمل الأمني العربي منهم السيد سعدون شاكر الذي على يديه تأسس مجلس وزراء الداخلية العرب من بغداد العروبة، ونستذكر السادة محمود الحلو وعبدالخالق عبدالعزيز ومحسن خليل الطائي وغيرهم ممن أسهموا في تعزيز العمل الأمني العربي المشترك.
إن إحتفال العراق مع سائر أقطار الوطن العربي، بيوم الشرطة العربية، ذكرى إنطلاقة التعاون الأمني العربي من مدينة (العين)، يأتي إيمانا بوحدة المجتمع العربي، وإستذكارا وتحية للجهود الجهادية التي يبذلها حماة الأمن العربي، رجال الشرطة، الساهرون على أمن أوطانهم، والدور الذي يقومون به في تعزيز الأمن القومي العربي والأمن الوطني لكل قطر عربي، ومكافحة الإنحراف والجريمة وترسيخ دعائم أمن المجتمع العربي.
لقد تتابعت بإنتظام مؤتمرات قادة الشرطة والأمن العرب على مدى 40 عاما 1972 – 2012 وكان للعراق والخبراء العراقيين، دور فاعل وبارز في ترسيخ أسس مسيرة الأمن العربي القومي ورسم أطر التعاون الأمني المشترك بين الأقطار العربية، من خلال الحضور والمشاركة الفاعلة والتواصل مع كل تجمع ولقاء عربي ينشد الأمن والطمأنينة لوطننا العربي العزيز، كما احتضنت بغداد المؤتمر الرابع لقادة الشرطة والأمن العرب، وأول مؤتمر لمجلس وزراء الداخلية العرب أبان انطلاقته المباركة من بغداد الرشيد.
إن الإحتفاء بيوم الأمن والشرطة العربي، مناسبة تستحق أن يحتفى بها ليس على صعيد أجهزة الأمن العربية حسب، بل على صعيد كل مواطن عربي غيور يقدّر (نعمة) الأمن، ويتلمّس السكينة والحياة الوادعة في أرجاء وطنه الصغير ووطنه الكبير، بعيدا عن كل ما ينغّص أو يكدّر صفو الحياة، ويهدد حقوق وكرامة الأنسان، وهي الأهداف التي كُرِّست لبلوغها رسالة أجهزة الشرطة العربية، فأكتسبت من جرائها كل هذا الأهتمام وحظيت بتقدير المجتمع العربي والأنساني، و مؤسسة الشرطة حين تفلح في صون الأمانة وكفالة إعتبارات الأمن والنظام العام، وفرض هيبة القانون، وتكتسب من جراء ذلك محبة وثقة الجمهور، فإنها بذلك تعطي إشارة البدء بإنطلاق عجلة التنمية والتخطيط والتقدم، إذ لا تنمية دون أمن. وباتت النظرة الى رسالة الشرطة المعاصرة أن أجهزة الأمن تشكل جزءاً حيوياً وفعالاً في حركة التنمية بكل جوانبها وأشكالها، وأضحت وظيفة الشرطة تعد من الوظائف الإنتاجية وليست من الوظائف الإستهلاكية المكلفة وبات الأنفاق على الأمن إنفاقا إنتاجيا.
ففي هذا اليوم تكرم الدول والشعوب مبدعو ومميزو تلك الفئة التي سهر افرادها كي ينام الآخرون، وتعب أفرادها كي يرتاح المواطنون وينعمون بالأمن والسكينة والإستقرار. وفي هذا اليوم تبرز من جديد عظمة الرسالة السامية وحجم الخدمة الكبيرة التي تؤديها المؤسسة الأمنية الشرطية ، فقد إنقضى العصر الذي كان فيه الفرد بقوته وعزوته وماله وذويه يشكل دولة يتفيأ بظلالها وينعم بأمنها فالأمن بات هو الظرف الضروري لنمو الحياة الإجتماعية وإطراد تقدمها، فكل نشاط تجاري أو صتاعي أو زراعي، وكل تقدم إقتصادي بل وكل ترفيه إجتماعي لا بد له من الأمن كشرط أساسي لضمان خدمته وحمايته، ولا أدل على هذا من دعاء سيدنا ابراهيم من ربه سبحانه وتعالى
“ربِّ إجعل هذا بلدا آمنا “.
وحيث ان تحقيق الأمن هو من أولى أولويات الدولة الحديثة ومن أهم وظائفها وأسمى أهدافها في سبيل الوصول إلى بناء مجتمع عصري و متحضر، قادر على الوفاء بإحتياجات المواطن الأساسية و إحترام حقوقه ، وعلى التعامل مع متغيرات العصر وتحدياته، فإن عمل الأجهزة الأمنية بأسلوب عصري وحديث يشكل وسيلة هامة في هذا المجال لا سيما في المجتمعات النامية التي فرض عليها التخلف لسنين طويلة، من أجل اللحاق بركب التقدم.
لقد استشعرت دول العالم، ومنها دول عربية كثيرة، منذ وقت مبكر أهمية ذلك فعملت على إستنهاض مختلف مؤسساتها الرسمية والشعبية من أجل إرساء مفاهيم وطنية من شأنها ترسيخ الأمن و الإستقرار كمطلب شعبي شامل، وإدماجه في قضايا التنمية والنهضة الشاملة ، وذلك إنطلاقا من ان الأمن خدمة للجميع وبالتالي فإن مسؤولية تحقيقه لا تقع فقط على الأجهزة المختصة بل تقع على عاتق الجميع دولة وأجهزة رسمية، ومؤسسات مجتمع مدني وأفراد .
كما أن مما يدعو للإعتزاز اليوم أن نرى أجهزة الشرطة في بعض الدول العربية قد قفزت بجدارة من مفهوم الشرطة التقليدية الى مفهوم الشرطة العصرية التي لم تعد تكتفي بالحد من وقوع الجريمة بل أصبحت تعمل على تحقيق التفاهم والتناغم بين كافة أدوات الضبط الإجتماعي ، فنفذت إلى جوهر الجريمة بإعتبارها مشكلة إجتماعية وبحثت في أسبابها ودققت في دوافعها، كما أطلقت البحث العلمي الشامل لكافة جوانبها وتوصلت إلى نظريات علمية حديثة وضعتها موضع التنفيذ الذي شمل الحلول المناسبة لها.
كما انطلقت ممارسة “الشرطة المجتمعية” في العديد من بلداننا العربية، لتؤكد الحاجة الدائمية إلى مشاركة الجمهور في جهود حفظ الأمن والتصدي للإنحراف والجريمة. ولعل المستوى الرائع الذي وصلت إليه الشرطة في عدد من أقطار الخليج العربي وشمال أفريقيا يشكل نموذجا يحتذى حيث نجد في تلك الدول توسع لنطاق وظائف المؤسسة الأمنية والشرطية في مجالات الخدمات والرعاية الإجتماعية، من خلال إشراك مجموعة من الوسائط كالتربية والتعليم والإعلام والشؤون الصحية والخدمات الإجتماعية، بحيث أصبحت مسؤولية الوعي الأمني لدى المواطن هي مسؤولية مشتركة لكافة مؤسسات المجتمع بدءا من الأسرة مرورا بالمدرسة فالمسجد إلى المؤسسة الإعلامية، الأمر الذي انعكس بشكل جلي وواضح لجهة إستتباب الأمن وفي مواجهة كافة اشكال الجريمة لا سيما الجريمة المستحدثة والجريمة عبر الوطنية، كما كان له أطيب الأئر على العلاقة بين رجل الأمن والمواطن، وعلى ذلك أصبحت المؤسسة الأمنية و الشرطية أهم حلقات التنمية الإقتصادية والإجتماعية في تلك الدول، ولم يعد مبالغا القول بأن أي تخطيط يتجاهل دور الأمن كمؤسسة إجتماعية من جهة، و قانونية من جهة أخرى يجعل التفكير الإنمائي يفقد قدرته وقوته و ينذر بالفشل المحقق.
في يوم الاحتفال بعيد الشرطة العربية، تستحق كثير من أجهزة الشرطة التكريم الذي تناله من دولها وشعوبها و لتلك الشعوب أن تفخر بهذه الأجهزة التي عملت للوصول بها إلى مجتمعات أكثر إيمانا وأمنا والمحافظة على إستقرارها وإزالة شعورها بالخوف من الجريمة، فساهمت في تحقيق العدالة لديها باسلوب ضمن ثقة جمهورها وإلتحم بها وحافظ عليها
الشرطة في البلدان التي تحترم سيادة القانون ودولة العدالة والإنصاف، اتخذت قيماً مبنية على النزاهة والامانة واحترام حقوق الانسان وتقديم الخدمة بشكل منصف ومتساوي لكافة فئات المجتمع ، واعتمدت أسلوب معاملة الناس بعدالة ولين ولطف وشجعت الإبتكار والعمل الجماعي، منطلقة برؤى واضحة أساسها الإستجابة لإحتياجات المجتمع والحرص على الإتقان من خلال إعداد الكادر المدرب بكلفة مبررة وطريقة قابلة للقياس كادر يتحلى بالمثل العليا ويتمتع بالنزاهة متحفز دوما للعمل .
هنيئا لرجال الشرطة الذين قدموا ويقدمون الخدمة لشعبهم على بالسهر والتضحية، والعمل الدءوب، بلا كلل ولا ملل، من خلال برامج علمية وعملية واقعية على مدار الساعة أساسها خدمة المواطن، وإدارة بلا أوراق بعيدا عن الروتين، وإنجاز المعاملات عن بعد، والإنسان قبل المكان، والتنافس نحو تقديم أفضل الخدمات للجمهوروالباب المفتوح. وهنيئا أيضا لقادة الشرطة الذين وضعوا أنفسهم في خدمة ذوي الإحتياجات الخاصة وأسسوا إدارات شرطية خاصة برعايتهم، إلى جانب إداراتمتخصصة ل رعاية حقوق الإنسان والشرطة المجتمعية والإعلام الإمني والبحث العلمي والشرطي الصغير.
في يوم الشرطة العربية ينبغي علينا أن نستذكر أرواح شهداء الشرطة الذين قدموا أرواحهم ودمائهم رخيصة من أجل الوطن، وساروا كواكب نحو العلى والمجد، في مواكب شهداء الوطن، في مواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة، ومطاردة الخارجين عن القانون.
في يوم الشرطة العربية يستحق الشعب العراقي التواقوالمتطلع للأمن، يستحق أن نحقق له حلمه وأمله في إعادة بناء مؤسسة الشرطة على أسس جديدة وعصرية، تستوعب متطلبات العصرنة والتحديث والشفافية والجودة الشاملة في مجال الأمن، وأن يعاد بناء أجهزة الشرطة وفق متطلبات خدمة الوطن والمواطن. شرطة وطنية حقاً، قوية لا سلطوية ولا حزبية ولا منحازة لأحد غير الوطن والمواطن.
تحية لأجهزة الشرطة والأمن العربية في يوم عيدها السنوي…
وتحية لرجال شرطة العراق وهم يشاركون أشقائهم العرب عيدهم السنوي…
وكل عيد وأمتنا العربية، وأمننا العربي بألف ألف خير.
((ربِّ إجْعَلْ هَذا بَلَداً آمِنَاً))…..