22 ديسمبر، 2024 8:32 م

في وداع رائد الصحافة فائق بطي

في وداع رائد الصحافة فائق بطي

( لا تكولون اشمات يشمت عدوّه)
اليوم رحل صديقي احميّد الفهد، زاملته على مدى سنتين، اوحى بهن اليّ ما اوحى، رحل بعيدا هذه المرة، ولم يعدني بعودة الى بغداد، انتهى عهد من الحكايات ، وانتهى معه بريق صديقي العزيز، وانا اكره الشماتة، هناك في احدى قرى جنوب العراق، كانت الشماتة عندهم اقسى من الموت، وحضرت احدهم الوفاة، وكان يعلم بحجم الشماتة التي ستتولد بموته، فامر النساء بعدم البكاء وقال وهو في الرمق الاخير:
( نكطلي بيدك ماي…. غمضني واطلع
سكتلي اليبجون….. شمّاتي تسمع)
برحيل الرائد فائق بطي، رائد الصحافة الاول ورائد الفكر الاول، ينتهي عهد من الصدق والمهنية، وعدم تقديم اصحاب المصالح الضيقة من الذين يتكئون على الموهوبين في عملهم، رحل صاحب الكلمة الصادقة والقلم الحر، بعد ان قضى عمرا طويلا مناضلا وانسانا كبيرا، لم ينس احدا من اصدقائه، وحكى لي عن قصة خالد السكوتي المناضل الشيوعي من اهالي الاعظمية، الذي غرق في الهور بعد مطاردة الامن ، حيث سقط من البلم ونجا فائق ومن معه باعجوبة، كان يتكلم عنه وتملأه الحسرة والحزن والذكريات المؤلمة، وتكلم عن شمران الياسري وكان يعتز به بشكل خاص، وتكلم وتكلم، وكنت المستمع النهم لصديقي الرائع، لكنه صمت هذه المرة، صمت صمتا نهائيا، لكنه سيبقى يغرد في سمائي ماحييت.
لاشماتة ايها الكبير، والرفيق الذي شمت بك لم يعد رفيقا ولاشاعرا كبيرا، فقد نسي من تكون، واعتمد على حدسه في تقرير ما انت عليه، للاسف لم يضعك في خانة الوطن المنهوب المتآمر عليه، لاشماتة في الموت ياصديقي الطيب، وهذه العجوز التي ذهب اولادها تباعا في حرب عشائرية، وسمعت (زغاريد وهلاهل) في الجانب الآخر فقالت:
( لاتكولون اشمات … يشمت عدوّهْ
موش بيدي ياخلك…. موت الله كوّهْ)
لن تجرح منك موضعا شماتة البعض، ولمن لك ايها المناضل الانسان، الوفي الذي تركت دراستك في مصر لتعود الى العراق بمجرد سماع نبأ موت ابيك، انت بحجم الوطن ، بنهريه، وانت بحجم الوطن بجباله واهواره وسهوله.
لقلما كان الرثاء وفاء، لكنني لا ارثيك وانما ارد على بعض من شمت بموتك، واكتب عن معرفتي القصيرة بك، ايها الانسان الذي امتلك كل معاني الانسانية، اضفت للشيوعيين الكثير، كنت علما من اعلامهم لاتقل عن سلام عادل او ابو كاطع وغيرهم من رفاقك، وكنت ستكون واحدا منهم في كل الاحوال، فقد تعرضت للنفي والاعتقال، وقارعت الديكتاتورية بكل ما اوتيت من قوة، سلام عليك ايها الوديع بابتسامة الاطفال، يامن ملأت حياة الآخرين، وزينت مشوارهم الحياتي بالق متفرد، سلام على روحك التي اعطت الكثير، والتي نازعت الكثير، كنت انسانا كبيرا وصحفيا كبيرا، ولايمكن ان تذهب هكذا بدون شموع ، والق يليقان بك، لاشماتة ايها المبدع الكبير.